الأخلاق الحميدة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 8 شعبان 1438هـ | عدد الزيارات: 1930 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشكره على نعمه التي لا يحصيها العادُّون وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أثنى الله على خُلقه فكان خلقه القرآن، صلى الله عليه وسلم.

أما بعد،

عباد الله: أوصيكم بتقوى الله والصبر على طاعته (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف 90

أيها المؤمنون: الأخلاق الحميدة، والصفات الحسنة لها اعتبار كبير في دين الله تعالى؛ لذا أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن البر حسن الخلق بل جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأخلاق الحميدة من أبواب الخير، قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- "لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحشاً ولا متفحشاً"رواه البخاري، وكان يقول "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً" متفق عليه، وما كان هذا الاهتمام منه -صلى الله عليه وسلم- بالأخلاق الحميدة إلا لعظم منزلتها عند الله تعالى، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال "إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا ،" صحيح الترمذي للألباني وقال -عليه الصلاة والسلام- "أحبُّ عباد الله إلى الله أحسنُهم خلقاً" رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني .

والأخلاق الحميدة كذلك طريقٌ يوصل إلى كمال الإيمان؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" صحيح الترمذي للألباني .

وتَعظم الأخلاق الحميدة حتى يكونَ صاحبُها في درجة الصائم القائم، مع أنه قد لا يكون مجتهداً في نوافل العبادات، لكنه أدرك ذلك بحسن خلقه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "إن المؤمن لَيُدْرِك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

والأخلاق الحميدة تثقل ميزان العبد في وقت يكون أحوجَ ما يكون إلى ما يثقل موازينه؛ بل جاء الخبر بأن حسن الخلق هو أثقل الأعمال الصالحة في الميزان، قال النبي عليه الصلاة والسلام "ما شيءٌ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن" أخرجه أبو داود وصححه الألباني

والأخلاق الحميدة كذلك من أقوى الأسباب التي تُدخل الجنة، فقد "سُئل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن أًكثَر ما يُدخِل الناس النَار؟ قال: الفمُ والفَرْجُ، وسُئلَ عن أكثرِ ما يُدْخِلُ النَّاسَ الجنَّةَ ؟ قال : تَقوى اللهِ ، وحُسْنُ الخُلُقِ ". صحيح الترغيب للألباني عن أبي هريرة

ويعطَى صاحبُ الأخلاق الحميدة بيتاً في أعلى الجنة جزاءً لترقِّيه في معالي الأخلاق ومكارمها، فقد روى أبو أمامة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أنا زعيم ببيت في ربَض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" أخرجه أبو داود وحسنه الألباني، فهنيئاً لمن جمع هذه الصفات.

أيها الإخوة:

مُلْكُ قلوب الناس، ونيلُ محبتهم إنما يكون بالأخلاق الحميدة، قال الأشعث بن قيس يوماً لقومه – وكان سيدهم- "إنما أنا رجل منكم، ليس فيَّ فضلٌ عليكم؛ ولكني أبسط لكم وجهي، وأبذلُ لكم مالي، وأقضي حقوقكم، وأحوطُ حريمكم، فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي، ومن زاد عليَّ فهو خير مني، ومن زدت عليه فأنا خير منه، قيل له يا أبا محمد، ما يدعوك إلى هذا الكلام؟ قال "أحضُّهم على مكارم الأخلاق"

وسئل الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن الأخلاق الحميدة فقال " أن لا تغضب ولا تحتدَّ "، وقال أيضاً " أن تحتمل ما يكون من الناس ".

وإنما جعلت الأخلاق الحميدة في عدم الغضب والحدة؛ لأن الغضب والحدة يولدان الاعتداء باليد، والجرح باللسان سباً وشتماً، وقد يولدان الغيبة والنميمة والكذب، وكل ذلك يتنافى مع الأخلاق الحميدة، وقال الحسن وابن المبارك -رحمهما الله تعالى- "هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكفّ الأذى "، وقال الواسطي -رحمه الله تعالى- "هو أن لا يخاصِم ولا يخاصَم، من شدة معرفته بالله"

أيها الأحبة:

هذا، وزنُ الأخلاق الحميدة في دين الله تعالى، وهذه حدودها وصفاتها؛ فليزن كلٌ منا أخلاقه بميزانها، فمن كان سيء الخلق فليحسن خلقه، ومن كان ذا خلق حسن فليحمد الله تعالى، ويسأله الثبات.

هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، إلى يوم الدين.

أما بعد

عباد الله، اتَّقوا الله والتزموا بالأخلاق الحميدة واحذروا من البذاءة والفحش وسوء الخلق؛ فقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلزوم الأخلاق الحسنة، ومجاهدة النفس على التحلي بها.

أحبتي في الله: كم يحتاج الناس منا إلى الأخلاق الحميدة! إننا لن نسع الناس بأموالنا ولا بجاهنا، ولكن نسعهم بأخلاقنا الحميدة؛ لا يريد من يتعامل معنا منا إلا الكلمة الطيبة، والابتسامة الجميلة، والتعامي عن الهفوة، وتلمس العذر.

اللهم كما حسنت خَلْقنا فحسن أخلاقنا، اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى ، وانصر جنودنا على حدودنا، اللهم صلِّ على محمد وآله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

1438-8-8هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي