نعمة الإسلام

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 17 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1290 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم ما كان وما يكون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وعلم به من الجهالة، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين قاموا بدعوته من بعده، ونشروا دينه في مشارق الأرض ومغاربها، وقادوا البشرية إلى سعادتها فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً. ووفقنا للاقتداء بهم والسير على طريقهم.

أما بعد

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمه التي أجلها نعمة الإسلام، قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة: 3)

وقال تعالى :"هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير" (الحج: 78)

فالله سبحانه قد من على هذه الأمة بهذا الدين العظيم الذي فضلها به على سائر الأمم، فيجب عليها من الشكر أكثر مما يجب على غيرها، وقد جعلها الله في منصب المسئولية فقال "لتكونوا شهداء على الناس" (البقرة: 143)

وأمرها بالقيام بشكر هذه النعمة بأداء حق الله بفعل ما أوجب وترك ما حرم، ومن أهم ما أوجب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، لأن الصلاة عمود الإسلام وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فمن أقامها فقد أقام دينه، ومن ضيعها فقد ضيع دينه، وفي أداء الزكاة إحسان إلى الخلق وبراءة من الشح والبخل، ومن جاد بالزكاة جاد بغيرها من الصدقات، ثم أمر سبحانه بالتوكل عليه والاستعانة به في طلب الحوائج، وجلب المنافع، ودفع المكاره والمضار، والنصر على الأعداء، وهذا هو التوحيد الخالص، والدين القويم، والعقيدة السليمة، فدين الإسلام يشتمل على العقيدة السليمة، والعبادة الصحيحة، والأوامر الرشيدة، والأخلاق القويمة، وينهى عن كل اعتقاد فاسد، وكل عبادة باطلة، وكل فعل أثيم وخلق ذميم، ولهذا شهد الله له بالكمال فقال سبحانه "اليوم أكملت لكم دينكم" (المائدة:3)

فهو كامل في اعتقاداته، وتشريعاته، وأوامره ومنهياته، وآدابه وأخلاقياته

وإذا أردت أيها المسلم معرفة نعمة الله عليك بهذا الإسلام فانظر ما عليه أمم الكفر اليوم وما تعيشه من تخبط في العقائد، وفساد في الأخلاق، وضياع للأعراض وهمجية في النظم والقوانين، واختلال في الأمن، واضطراب في السياسة ما بين يهودية حاقدة على البشرية تخطط لهلاكها، ونصرانية ضالة، ووثنية تعبد الأشجار والأحجار والقبور والحيوانات وكل ما تزين شياطين الإنس والجن لها عبادته من دون الله، وهكذا كل من حُرم النور فإنه يتخبط في الظلام، قال تعالى: "الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (البقرة: 257)

عباد الله: لقد حسدونا على نعمة الإسلام كما قال تعالى:"ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسدً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق" (البقرة: 109)

وقال تعالى :"ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء" (النساء: 89)

وقال تعالى وودوا لو تكفرون" (الممتحنة: 2)

وقد ذكر الله ذلك لنا وكرره في كتابه، لنأخذ حذرنا من كيدهم ودسائسهم. فهم يكيدون لهذا الدين وأهله منذ أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم إلى آخر الدنيا، كما قال تعالى: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" (البقرة: 217)

وقال تعالى:" يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون " (التوبة: 32)

وليس الخطر على الإسلام نفسه لأنه محفوظ بحفظ الله له كما قال تعالى:" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر: 9)

ومصداق ذلك أن الإسلام قد تعرض وما زال يتعرض للهجمات الشرسة من مختلف أمم الكفر، ولم تؤثر فيه تلك الهجمات ولم تغير منه شيئاً، فهو لا يزال غضاً طرياً كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يزال الله يقيض لهذا الدين من يدافع عنه ويرد كيد أعدائه ويبينه للناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك) صححه الألباني. وكما أخبر صلى الله عليه وسلم (أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) رواه أبو داود وصححه الألباني

فالإسلام بعقيدته وتشريعاته وأحكامه ليس عليه خطر من كيد أعدائه، وإنما الخطر علينا نحن المسلمين أن نُصد عنه أو نُضلل، فأعداؤنا اليوم يواصلون الصد عن سبيل الله وصرف المسلمين عن دينهم بشتى الوسائل والمغريات، ويستخدمون لذلك بعضاً من منسوبي العالم الإسلامي ممن جاء وصفهم في الحديث بأنهم (قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)رواه مسلم.

ففي مجال العقيدة يحاولون إفساد عقائد المسلمين بالعمل على إبراز الفرق المنحرفة من قبورية وصوفية ومبتدعة، فيؤيدون هذه الفرق بشتى الوسائل، حتى تبرز في الساحة، ويكون لها كيان قوي ليقضوا بها على العقيدة الصحيحة، ويجعلوا هذه الفرق المنحرفة هي التي تمثل المسلمين

وفي مجال العبادة يحاولون نشر البدع والخرافات، ويؤيدون أهلها بالدعم المالي والمعنوي

وفي مجال الحكم يجلبون القوانين الوضعية للحكم بها بين المسلمين بديلاً عن الشريعة الإسلامية، حتى أدخلوا دراسة هذه القوانين ضمن المواد التي تدرس في جامعات البلاد الإسلامية إلا من رحم الله، فجعلوها عديلة للشريعة في المؤسسات الدراسية حتى سموا بعض الكليات كلية الشريعة والقانون

وفي مجال إفساد الأخلاق دسوا على المسلمين العري والسفور والاختلاط بين الجنسين والأفلام الهابطة والمسرحيات الهزيلة والمجون والصور الخليعة والموسيقى، وجعلوها باسم الفن

وفي مجال الاقتصاد أدخلوا على المسلمين المعاملات الربوية، والموارد المحرمة كالاتجار بالخمور، والقمار وغير ذلك

عباد الله: إن عدوكم لا يريد لكم الخير، بل يريد بكم الشر، كما قال تعالى:" ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم" (البقرة: 105)، وقال تعالى:" لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صورهم أكبر" (آل عمران: 118)

إنهم لما عجزوا عن القضاء على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة حين حاولوا قتله، واجتمعوا عند بابه ينتظرون خروجه ليقتلوه، فأخرجه الله من بينهم وهم لا يشعرون، وأنزل في ذلك قوله تعالى:"وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (الأنفال: 30)

ولما علموا بخروجه من بينهم وفشل خطتهم خرجوا في طلب البحث عنه، فرد الله كيدهم في نحورهم، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فعملوا كل ما بوسعهم للقضاء عليه وعلى دعوته، وجيشوا الجيوش لمحاربته، فنصره الله عليهم، ولما رأو أن مقابلته بقوة السلاح والجنود لا تجدي لجأ بعضهم إلى حيلة خبيثة، وهي حيلة النفاق، كما قال تعالى:" وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون"( آل عمران:72)

وذلك بأن يدخلوا في دينه ظاهراً ويكيدوا له في الباطن، ويوقعوا بين أصحابه، فتكونت جماعة المنافقين من اليهود والمشركين، فكشف الله سرهم وهتك سترهم، وعرفت صفاتهم ودسائسهم، فكان المسلمون منهم على حذر، فما زال الكفار يكيدون للمسلمين

ففي عصرنا هذا استحدثوا طرقاً جديدة للمكر بنا وغزونا عن طريق الحضارة، وما تركوا باباً من أبوابهم إلا دخلوا فيه، دخلوا من طريق وسائل الإعلام والطب، والسياسة والاقتصاد، وهكذا وقفوا في كل طريق ينفثون سمومهم وينفذون مخططاتهم للقضاء على الإسلام وأهله، ولكن الحمد لله لا يزال من المسلمين من يتنبه لدسائسهم، ويحذر من كيدهم، ولو رجعنا إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لوجدنا فيهما البيان الكافي لمكائد أعدائنا، ولوجدنا الدواء الشافي، والسلاح الكافي لصد عدوانهم

قال تعالى:" يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفرو يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين". (آل عمران: 149)

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، نصر عبده، وأعز جنده،، وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عرف ربه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً. أما بعد

عباد الله: اتقو الله تعالى حقَّ تقاته، وسارعوا إلى مغفرته وجنته ومرضاته

واعلموا أن بعضاً من الناس اليوم ينتسب إلى الإسلام وهو لا يعرف ما هو الإسلام. ولا ما يضاده ويناقضه، بل لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، فبعضهم يدعي أنه مسلم وهو يعبد غير الله، فيستغيث بالأموات ويطوف بالقبور ويدعو غير الله، وبعضهم يدعي أنه مسلم وهو لا يصلي الصلوات الخمس، ولا يزكي ولا يصوم ولا يحج، وبعضهم يدعي أنه مسلم وهو ينفذ مخططات الكفار التي تناقض الإسلام

فالواجب على كل مسلم أن يعرف ما هو الإسلام حتى يقوم بأداء شرائعه ويعرف مناقضات الإسلام حتى يتجنبها ويقوم بردها ومقاومتها والتحذير منها، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام قال (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)رواه ابو داود وصححه الألباني. فقد بين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الإسلام قول وعمل واعتقاد، وأنه ليس مجرد انتساب

ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبيكم محمد بن عبد الله كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله:"إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" (الأحزاب: 56)

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهم أمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وهيّئ لهم البطانة الصالحة.

اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى يا ذا الجلال والإكرام، ووفق قادتهم بالعمل بشريعتك يا حي يا قيوم

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء

" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " (البقرة 201) ، " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " (الأعراف 2)

عباد الله:" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون." (النحل:90).، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. (العنكبوت:45).

1439-1-17 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي