حفظ الجوارح

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 11 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 2491 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي خلق الإنسان، علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله لا يحصى نعمه أحد من الأنام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين طيبوا ألسنتهم بذكر الله، أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون

أما بعد، عباد الله

أوصيكم بتقوى الله تعالى في جوارحكم، وأن تتثبتوا في كل ما تقولون، فلا ترموا أحداً بما ليس لكم به علم قال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) الإسراء: 36

وسوف تشهد عليكم ألسنتكم وأيديكم وأرجلكم بما كنتم تعملون (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) النور: 24

فعلى المسلم أن يحفظ سمعه، ولسانه عن سماع وقول الغيبة والنميمة والكلام المحرم، وأن يحفظ بصره عن النظر إلى الحرام، امتثالاً لقوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) النور: 30، وقال تعالى (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) النور: 31، واحذروا من سوء الظن بالآخرين قال تعالى (يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم)الحجرات: 12

وإن أعظم الأعضاء خطراً اللسان، قال تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ق: 18، وهو أول الشاهدين على الإنسان يوم القيامة، وهو ليس كغيره من الأعضاء، فهو يجول في كل شيء، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل (وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (والله الذي لا إله إلا هو، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان) رواه الطبراني

ومن محرمات الكلام الفجور في المخاصمة، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)

ومن محرمات الكلام السباب واللعن، فقد حرم الإسلام ذلك ونهى عنهما، فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وقال صلى الله عليه وسلم (لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار)رواه ابو داود وصححه الألباني.

وفيما رواه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لُعن، فإن كان أهلاً لذلك، وإلا رجعت إلى قائلها)

عباد الله

إن الغيبة والنميمة، والظن السيء، والنظر المحرم، والكذب والفجور، والسباب واللعن، صفات ذميمة، وأخلاق سيئة، يجب أن يترفع عنها المسلم، بل يجب على المسلم أن يتصف بالأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة قولاً وفعلاً

فامتثلوا رحمكم الله تعالى أمر ربكم جل وعلا وأمر نبيكم صلى الله عليه وسلم، لتدخلوا الجنة بسلام، واتبعوا تعاليم دينكم، لتسعدوا في الدنيا والآخرة

(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) الأحزاب: 70-71

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا كثيرا طيباً مباركاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، سيد البشر، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه

أما بعد، عباد الله

اتقوا الله وحققوا تقواكم بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والعمل بسنة نبيه، وتوجيهاته الكريمة صلى الله عليه وسلم

واعلموا رحمكم الله أن جوارحكم أمانة من الأمانات التي حملكم الله إياها، فاحفظوها عن الوقوع في المهلكات، والانزلاق في المحرمات، لا سيما السمع والبصر واللسان، فإنها من أعظم الجوارح خطراً، إذ هي موردة للآثام، وإن الله أمركم بحفظ أماناتكم، ونهاكم عن خيانتها، يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال:27

وإن من أهم الأمانات هذه الجوارح التي جعلها الله مُسخرة ومسيرة بأمر العبد، منقادة لإرادته، فالأعين الخائنة التي تمتد إلى النظرات المحرمة، والأيدي الباطشة التي تسفك الدم الحرام، وتسطوا على عباد الله بأنواع الآثام، والأرجل التي تسير إلى تحقيق النزوات، والشهوات المحرمة، والألسن التي تنطق بهتك أعراض المسلمين، والتندر بمثالبهم، والكذب عليهم، وكذلك الآذان التي تصغي إلى استماع الكذب، والفجور، والغيبة، والنميمة، والمعازف، فقوموا بواجب حفظها، لتكونوا من الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون

هذا وصلُّوا وسلِّموا على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب:56، وقال صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً واحدة صلى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً)رواه مسلم. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين: أبى بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصراً ومُعينا، وحافظاً ومؤيداً. اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، وأعِنه على طاعتك، وسدِّده في أقواله وأعماله يا رب العالمين. اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واصرف عنهم شرارهم يا رب العالمين

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها؛ دقَّها وجلَّها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا وذرياتنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

11-01-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي