حقوق الأخوة : حق المال والإعانة بالنفس

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 3 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 1886 القسم: خطب الجمعة

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

أما بعد عباد الله:

اتقوا الله واعلموا أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين وكما يقتضي النكاح حقوقاً يجب الوفاء بها قياماً بحق النكاح فكذا عقد الأخوة فلأخيك عليك حق في المال والنفس وفي اللسان والقلب بالعفو والدعاء والإخلاص والوفاء والتخفيف وترك التكلف ونبدأ بالحق الأول وهو المال والذي أصبح البعض من الناس لا يدرك أن لأخيه المسلم حق في ماله فليعلم هذا الصنف من الناس أن المواساة بالمال مع الأخوة على ثلاث مراتب

أدناها أن تنزله منزلة خادمك فتقوم بحاجته من فضلة مالك فإذا سنحت له حاجة وكانت عندك فضلة عن حاجتك أعطيته ابتداء ولم تحوجه إلى السؤال فإن أحوجته إلى السؤال فهو غاية التقصير في حق الأخوة

المرتبة الثانية: أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في مالك ونزوله منزلتك حتى تسمح بمشاطرته في المال قال الحسن: كان أحدهم يشق إزاره بينه وبين أخيه

المرتبة الثالثة: وهي العليا أن تؤثره على نفسك وتقدم حاجته على حاجتك وهذه رتبة الصديقين ومنتهى درجات المتحابين ومن ثمار هذه الرتبة الإيثار بالنفس أيضاً كما روي أنه سُعي بجماعة من الصوفية إلى بعض الخلفاء فأمر بضرب رقابهم وفيهم أبو الحسن النوري فبادر إلى السياف ليكون هو أول مقتول فقيل له في ذلك فقال: أحببت أن أؤثر إخواني بالحياة في هذه اللحظة فكان ذلك سبب نجاتهم واعلم أنه إذا لم تصادف نفسك في رتبة من هذه الرتب مع أخيك فاعلم أن عقد الأخوة لم ينعقد بعد في الباطن وإنما الجاري بينكما مخالطة رسمية لا وقع لها في العقل والدين روي أن عتبة الغلام جاء إلى منزل رجل كان قد آخاه فقال أحتاج من مالك إلى أربعة آلاف فقال خذ ألفين فأعرض عنه وقال آثرت الدنيا على الله أما استحييت أن تدعي الأخوة في الله وتقول هذا وتلك درجة الدنيا أما الرتبة العليا فهي التي وصف الله تعالى المؤمنين بها في قوله "وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون"الشورى:35. أي كانوا خلطاء في الأموال لا يميز بعضهم رحله عن بعض وكان منهم من لا يصحب من قال نعلي لأنه أضافه إلى نفسه وجاء فتحي الموصلي إلى منزل لأخ له وكان غائباً فأمر أهله فأخرجت صندوقه ففتحه وأخذ حاجته فأخبرت الجارية مولاها فقال إن صدقت فأنت حرة لوجه الله سروراً بما فعل. وجاء رجل إلى أبو هريرة رضي الله عنه وقال إني أريد أن أواخيك في الله فقال أتدري ما حق الإخاء قال عرفني قال أن لا تكون أحق بدينارك ودرهمك مني قال لم أبلغ هذه المنزلة بعد قال فاذهب عني وقال علي بن الحسين رضي الله عنهما لرجل هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه أو كيسه فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه قال لا قال فلستم بإخوان وجاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم رحمه الله وهو يريد بيت المقدس فقال إني أريد أن أرافقك فقال له إبراهيم على أن أكون أملك لشيئك منك قال لا قال أعجبني صدقك قال فكان إبراهيم بن أدهم رحمه الله إذا رافقه رجل لم يخالفه وكان لا يصحب إلا من يوافقه وقال ابن عمر رضي الله عنهما أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال أخي فلان أحوج مني إليه فبعث به إليه فبعثه ذلك الإنسان إلى آخر فلم يزل يبعث به من واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة وروي أن مسروقاً أدان ديناً ثقيلاً وكان على أخيه خيثمة دين قال فذهب مسروق فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم أي أن كل واحد قضى دين الآخر بدون علم صاحبه وقال صلى الله عليه وسلم "ما تحابّ اثنان في الله إلا كان أحبّهما إلى الله أشدّهما حبّاً لصاحبه"رواه النسائي وصححه الألباني. وروي أن مالك بن دينار ومحمد بن واسع دخلا منزل الحسن وكان غائباً فأخرج محمد بن واسع سلة فيها طعام من تحت سرير الحسن فجعل يأكل فقال له مالك كف يدك حتى يجيء صاحب البيت فلم يلتفت محمد إلى قوله وأقبل على الأكل وكان مالك أبسط منه وأحسن خلقاً فدخل الحسن وقال يا مويلك هكذا كنا لا يحتشم بعضنا بعضاً حتى ظهرت أنت وأصحابك.رواه البيهقي. وأشار بهذا إلى أن الانبساط في بيوت الإخوان من الصفاء في الأخوة كيف وقد قال الله تعالى "أو صديقكم"النور:61. وقال "أو ما ملكتم مفاتحه"النور:61. إذ كان الأخ يدفع مفاتيح بيته إلى أخيه ويفوض له التصرف كما يريد وكان أخوه يتحرج عن الأكل بحكم التقوى حتى أنزل الله تعالى هذه الآية وأذن لهم في الانبساط في طعام الإخوان والأصدقاء

جعلني الله وإياكم من المتآخين في الله

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أما بعد

عباد الله: اعلموا أن من حقوق الأخ على أخيه الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات والقيام بها قبل السؤال وتقديمها على الحاجات الخاصة وهذه أيضاً لها درجات كما للمواساة بالمال الآنف ذكره فأدناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة ولكن مع البشاشة والاستبشار وإظهار الفرح وقبول المنة وقال بعضهم إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكره ثانية فلعله أن يكون قد نسي فإذا لم يقضها فكبر عليه واقرأ هذه الآية "والموتى يبعثهم الله"الأنعام:36. وقضى ابن شبرمة حاجة كبيرة لبعض إخوانه فجئ بهدية له فقال ما هذا ؟ قال لما أسديته إلي فقال: خذ مالك عافاك الله إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده في الموتى وكان في السلف من يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم ويتردد كل يوم إليهم ويمونهم من ماله فكانوا لا يفتقدون من أبيهم إلا عينه بل كانوا يرون منه ما لم يروا من أبيهم في حياته وكان الواحد منهم يتردد إلى باب دار أخيه ويسأل ويقول: هل لكم زيت هل لكم ملح هل لكم حاجة وكان يقوم بها ولا يعرفه أخوه وبالجملة ينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك أو أهم من حاجتك وأن تكون متفقداً لأوقات الحاجة غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك وتغنيه عن السؤال وإظهار الحاجة إلى الاستعانة بل تقوم بحاجته كأنك لا تدري أنك قمت بها ولا ترى لنفسك حقاً بسبب قيامك بها لذا كان الحسن يقول إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة وقال الحسن من شيع أخاه في الله بعث الله ملائكة من تحت عرشه يوم القيامة يشيعونه إلى الجنة وفي الأثر "ما زار رجل أخاً في الله شوقاً إلى لقائه إلا ناداه ملك من خلفه طبت وطابت لك الجنة" وقال عطاء تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث فإن كانوا مرضى فعودوهم أو مشاغيل فأعينوهم أو كانوا نسوا فذكروهم وقيل لابن عباس من أحب الناس إليك قال جليسي وقال سعيد بن العاص لجليسي علي ثلاث: إذا دنا رحبت به وإذا حدث أقبلت عليه وإذا جلس أوسعت له وقد قال تعالى "رحماء بينهم"الفتح:29. إشارة إلى الشفقة والإكرام ومن تمام الشفقة أن لا ينفرد بطعام لذيذ أو بحضور في مسرة دونه بل يتنغص لفراقه

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم اجعل حبنا فيك وبغضنا فيك اللهم اسلل سخائم صدورنا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا.الحشر:10. وطهر قلوبنا بالإيمان وأعنا على القيام بحقوق إخواننا علينا

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201. وأدخلنا الجنة مع الأبرار واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم .

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1435-1-3هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي