العبادة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 20 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1651 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين

أما بعد، عباد الله

اتقوا الله تعالى وأطيعوه تسعدوا في الدنيا والآخرة، واعلموا أن الله خلق الجن والإنس لعبادته كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات: 56

وفي ذلك شرفهم في الدنيا والآخرة، لأنهم بحاجة إلى ربهم، ولا غنى لهم عنه طرفة عين، وهو غني عنهم وعن عبادتهم كما قال تعالى (إن تكفروا فإن الله غني عنكم) الزمر: 7

والعبادة هي: التقرب إلى الله تعالى بما شرعه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وهي حق الله على خلقه وفائدتها تعود إليهم، فمن أبى أن يعبد الله فهو مستكبر، ومن عبد الله ومعه غيره فهو مشرك، ومن عبد الله وحده بغير ما شرع فهو مبتدع، ومن عبد الله وحده بما شرع فهو مؤمن

ولما كان العباد في ضرورة إلى العبادة، ولا يمكنهم أن يعرفوا بأنفسهم حقيقتها التي ترضي الله سبحانه لم يكلهم إلى أنفسهم، بل أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب لبيان حقيقة تلك العبادة، كما قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل: 36

فمن حاد عما بينته الرسل من عبادة الله، وعبد الله بما تهواه نفسه، فقد ضل عن سواء السبيل (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) القصص: 50

وهذا الجنس كثير في البشر وفي طليعتهم النصارى ومن ضل من هذه الأمة، فإنهم اختطوا لأنفسهم خطة في العبادة مخالفة لما شرعه الله، وهذا يتضح ببيان حقيقة العبادة التي شرعها الله على لسان رسوله، ليتبين أن كل ما خالفها فهو باطل

إن العبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى تنبني على أصول ثابته تتلخص في الآتي

أولاً: أنها توقيفية بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها بل لا بد أن يكون المشرع لها هو الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى لنبيه(فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا) هود: 112

ثانياً: أن تكون العبادة خالية من الشرك، كما قال تعالى (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) الكهف: 11

ثالثاً: أن يكون القدوة في العبادة رسول الله كما قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب: 21

رابعاً: العبادة محدودة بمواقيت ومقادير لا يجوز تعديها وتجاوزها كالصلاة مثلاً، قال تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء: 103، وكالحج قال تعالى (الحج أشهر معلومات) البقرة: 197، وكالصوم قال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة: 185

خامساً: أن تكون العبادة قائمة على محبة الله تعالى والذل له، وخوفه ورجائه، قال تعالى (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) الإسراء: 57

سادساً: العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلاً إلى وفاته، قال تعالى (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) آل عمران: 102، وقال (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) الحجر: 99

عباد الله

العبادة لها أنواع كثيرة ومن أعظمها الصلاة والزكاة والصيام والحج وهي من أركان الإسلام، فأداء الفرائض أفضل الأعمال كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله وصدق الرغبة فيما عند الله) وذلك أن الله تعالى إنما افترض على عباده الفرائض ليقربهم عنده، ويوجد لهم رضوانه ورحمته، وأعظم فرائض البدن التي تقرب إليه الصلاة كما قال تعالى (واسجد واقترب) العلق: 19، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه هو ساجد) ولكن هذه الصلاة خف ميزانها اليوم عند بعض الناس كما قال تعالى (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وءامن وعمل صالحاً) مريم: 59

إن عباد الله حقاً هم الذين يعمرون بيوتهم بطاعة الله، ويربون أولادهم ونساءهم على عبادة الله قال تعالى (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً إنها ساءت مستقراً ومقاماً) الفرقان: 64-66

والذين يدعون الله أن يصلح أزواجهم وذرياتهم (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) الفرقان: 72

عباد الله

العبادة كل ما شرعه الله من الأقوال والأعمال والنيات فهي تشمل أقوال اللسان، وحركات الجوارح، ومقاصد القلوب، بل كل حياة المسلم حتى أكله وشربه ونومه، إذا نوى بذلك التقوي على طاعة الله، وحتى معاشرته لزوجته إذا نوى بها التعفف عن الحرام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته صدقة فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) رواه البخاري ومسلم

فاتقوا الله عباد الله واعبدوه كما أمركم

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، خلق الخلق ليعبدوه وأنعم عليهم ليشكروه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أكمل الخلق عبادة لله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وكل من سار على نهجه وتمسك بهداه، وسلم تسليماً كثيراً

اما بعد، عباد الله

اتقوا الله تعالى واحذروا مما يبطل العبادة، فمن ذلك الشرك بالله عز وجل قال تعالى (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) الأنعام: 88

وأيضاً البدع والمحدثات قال صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)

فاتقوا الله وخافوا على أعمالكم من المبطلات

هذا وصلوا وسلموا على خير البرية نبينا محمد فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) الأحزاب: 56

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر و عمر و عثمان و علي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وكل أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين

اللهم أيد بالحق إمامنا، ووفقه لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة، اللهم أعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجمع به كلمة المسلمين يا رب العالمين

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمةً لشعوبهم المؤمنة، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين

اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير

اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين

اللهم ارحم موتى المسلمين، واشف مرضاهم، وفك أسراهم، وأصلح شأنهم يا رب العالمين

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون

فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون

20-01-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 6 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي