الاستقامة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 14 رجب 1436هـ | عدد الزيارات: 1520 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله واهِب العطايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أشرفُ الخلق، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ الذين أخلَصُوا المقاصِد

أيّها النّاس: إن صفاءُ المرء واستقرارُه إنما يكمن في صِدق انتمائه لدينِه وتمسّكه بشِرعةِ ربّه، بعيدًا عن مزالقِ الانحراف.

إن حادِي المؤمنِ الصادق وَسطَ الركام من المتغيّرات هو قوله تعالى:"وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"الحجر:99، وقولُه تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"الأحقاف:13

روى الإمام مسلم في صحيحه عن سفيانَ بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: قل لي في الإسلامِ قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرَك، قال: "قل: آمنت بالله، ثمّ استقِم

فانظروا -يا رعاكم الله- إلى هذه الوصيّة الجامعةِ حينما تُوضِّح هويّةَ المسلم التي ينبغي أن يحيا ويموتَ عليها، وهي الاستقامة دونَ تخاذُلٍ أو تراجع، الاستقامة الجامِعة لأركانها وركائِزها الثلاث، وهي استقامة اللسان أخذًا من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "قل: آمنت بالله"، وكذا استقامةُ القلبِ والجوارح أخذًا من قولِه -صلى الله عليه وسلم-: ثم استقِم

ثمّ اعلموا -يا رعاكم الله- أنّ أعظمَ أنواع الاستقامة هو استقامةُ المرء على التوحيدِ الخالِص، وذلك في معرفةِ الله وعبادتِه وخشيته وإجلالِه ورجائه وخوفِه ودعائه والتوكّل عليه وعدَم الإشراك به أو الالتِفات إلى غيرِه سبحانه، وقد فسَّر أبو بكر الصديقُ -رضي الله عنه- قولَ الله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا" فصلت:30.بأنهم الذين لم يلتفِتوا إلى غير الله

ومن هذا المنطلَقِ قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمعاذِ بن جبل -رضي الله عنه-: "اتَّق الله حيثُما كنتَ، وأتبِع السيّئةَ الحسنة تمحُها، وخالقِ الناسَ بخلُقٍ حسن". رواه الترمذي وحسنه الألباني . وقد قال الباري -جلّ شأنه- في ذلك:"إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين"هود:114

فاتّقوا الله -عبادَ الله-، واعلَموا أنّ العيبَ أن يكذِّب فعلُ المرء قولَه، أو أن تكونَ حاله واقعًا تخالِف مقالَه ظاهرًا، فإنّ مدَّعي الاستقامةِ على طاعةِ الله يجب أن لا يكونَ في واقعه غاشًّا ولا مضلِّلاً ولا كذّابًا ولا مرائِيًا ولا سارِقًا ولا زانِيًا ولا ظالمًا ولا معتَدِيًا ولا هاتِكًا لحُرمةٍ أو ناقِضًا لعهدٍ ولا منكِّصًا لشرعِ ربِّه أو مهمِّشًا له، وإنَّ مثلَ ذلكم الإخلالِ لهو كفيلٌ بكثرةِ الاضطرابات وضَعف الأمانةِ وتفشِّي القتل والتّخريب والاغتيالاتِ وإهدار الحقوق والاعتداءِ على الدّين والنّفس والمال والعِرض والعقل، ولا زوالَ لهذه الفواجعِ إلاّ بالرجوع إلى الله والتمسُّك بشَرعِه والنظرِ في مواضعِ الخلل، ومِن ثَمَّ ترميمها وتصحيحها؛ لنحيَا حياةً آمنة رضيَّة بعيدة كلَّ البعد عن الصّخَب والعَطَب

بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، وأستغفر الله إنّه كانَ غفّارًا

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده

وبعد

أيّها الناس: إنّ مما يعين العبدَ المسلم على الاستقامةِ والثبّات على دين الله تعالى الإكثارَ من الطاعات والقرُبات

وإن من الصيامِ المندوبِ إليه صيامَ شهر الله المحرّم الذي يُعدُّ أفضلَ الصيام بعد شهرِ رمضان لما روى مسلم في صحيحه أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: أفضل الصيامِ بعد شهرِ رمضان شهرُ الله الذي تدعونه المحرّم

ثم إنَّ أفضلَ الصيام في شهر الله المحرّم هو صيامُ يوم عاشوراء الذي قال عنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أحتسِب على الله أن يكفِّرَ السنّة التي قبلَه". رواه مسلم، وفي الصحيحينِ مِن حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ما رأيت رسولَ الله صام يومًا يتحرَّى فضلَه على الأيام إلاّ هذا اليوم يعني عاشوراء، وهذا الشهر يعني رمضان. وقد جاء عند مسلمِ في صحيحه أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسع"، ولكن الأجَل وافاه قبلَ ذلك والتَحَق بالرّفيق الأعلى بأبي هو وأمّي صلوات الله وسلامُه عليه

قال ابن القيم : وصيام عاشوراء على ثلاث حالات

الحالة الأولى: أن يصوم العاشر وحده ويجزئ ذلك

الحالة الثانية: أن يصوم التاسع مع العاشر وهذا أفضل

الحالة الثالثة: أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر وهذا أكمل

هذَا؛ وصلّوا -رحمكم الله- على خَيرِ البرية وأزكَى البشريّة محمّد بن عبد الله صاحِب الحوض والشفاعة فقال -جل وعلا-:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"الأحزاب:56، وقال -صلى الله عليه وسلم- كما عند مسلم في صحيحه: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"

اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارِك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيمَ في العالمين إنّك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة وسائر الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم اليوم، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اخزي المنافقين من الحوثيين الرافضة في اليمن وسائر أعداء الدين.

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.العنكبوت:45.

1436-7-14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي