سلامة الصدر من الأحقاد

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 11 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2481 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي لا تغيض ينابيع فضله ولا تضطرب موازين عدله له غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله "وما الله بغافل عما تعملون"البقرة:74 وأشهد أن لا إله إلا الله ملهم الرشد ومرسل الخير "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم"الحجر:21 وأشهد أن محمداً رسول الله أصفى الناس قلباً وأرقهم فؤاداً وأنداهم يداً اللهم صل على محمد وآله وأصحابه والتابعين.

أما بعد

فإن الله تبارك وتعالى اسمه ينظر إلى العباد من خلال قلوبهم، فإذا كان المرء نقيا من الغش والضغينة، بريئا من العوج والغل، أقبل عليه برحمته، وضاعف نصيبه من بركته، وكان إليه بكل خير أسرع.

والمسلم حقا مَن تمتد مشاعر حبه فتغمر ما حوله، وتفيض على الآخرين سلاما وأمنا، والجماعة المسلمة حقا هي التي تقوم على عواطف الحب المشترك، والود الشائع والتعاون المتبادل.

والمجاملة الرقيقة لا مكان فيها للفردية المتسلطة الكنود بل هي كما وصف القرآن "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم"الحشر:10 إن الخصومة إذا نمت وغارت جذورها وتفرعت أشواكها شلت زهرات الإيمان الغض وأبلت ما يوحي به من حنان وسلام

وكثيراً ما تطيش الخصومة بألباب ذويها فتتدلى بهم إلى اقتراف الصغائر المسقطة للمروءة وبعض الكبائر الموجبة للعنة وعين السخط تنظر من زاوية داكنة فهي تعمى عن الفضائل وتضخم الرذائل وقد يذهب بها الحقد إلى التخيل وافتراض الأكاذيب وذلك كله مما يسخطه الإسلام ويحذر من وقوعه ومنعه أفضل القربات فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى ، قال: إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة رواه أحمد وصححه الألباني.

وربما عجز الشيطان أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنم، ولكنه وهو الحريص على إغواء الإنسان وإيراده المهالك، لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه، حتى يجهل حقوقه أشد مما يجهلها الوثني المخرف، وهو يحتال لذلك بإيقاد نار العداوة في القلوب، فإذا اشتعلت هذه النار استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم وتلتهم علائقهم وفضائلهم فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ. رواه مسلم

ذلك أن الشر إذا تمكن من الأفئدة فتنافر ودها، وانكسرت زجاجتها ارتد الناس إلى حال من القسوة والعناد، يقطعون فيها ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض.

وقد تيقظ الإسلام لبوادر الجفاء، فلاحقها بالعلاج ، قبل أن تستفحل وتستحيل إلى عداوة فاجرة، والمعروف أن البشر متفاوتون فى أمزجتهم وأفهامهم، وأن التقاءهم فى ميادين الحياة قد يتولد عنه ضيق وانحراف، إن لم يكن صدام وتباعد، ولذلك شرع الإسلام من المبادئ ما يرد عن المسلمين عوادى الانقسام والفتنة وما يمسك قلوبهم على مشاعر الولاء والمودة ، فنهى عن التقاطع والتدابُر.

نعم قد يحدث أن تشعر بإساءة موجهة إليك، فتحزن لها وتضيق بها، وتعزم على قطع صاحبها ولكن الله لا يرضى أن تنتهي الصلة بين مسلم ومسلم إلى هذا المصير قال النبى صلى الله عليه وسلم " لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ. "صحيح مسلم عن أنس بن مالك.

والإنسان فى كل نزاع ينشب، أحد رجلين إما أن يكون ظالما، وإما أن يكون مظلوما، فإن كان عاديا على غيره، ناقضا لحقه، فينبغى أن يُقلع عن غيه وأن يصلح سريرته، وليعلم أنه لن يستل الضغن من قلب خصمه، إلا إذا عاد عليه بما يطمئنه ويرضيه وقد أمر الإسلام المرء والحالة هذه أن يستصلح صاحبه ويطيب خاطره فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه ِمِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ. رواه البخاري.

وقد اعتبر الإسلام من دلائل الصغار وخسة الطبيعة، أن يرسب الغل فى أعماق النفس فلا يخرج منها، بل يظل يموج فى جوانبها كما يموج البركان المكتوم

وكثير من أولئك الذين يحتبس الغل في أفئدتهم يتلمسون متنفسا له فى وجوه من يقع معهم فلا يستريحون إلا إذا أرغوا وازبدوا، وآذوا وأفسدوا

إن الحقد صفة الطبقات الدنيا من الخلق وأن ذوى المروءات يتنزهون عنه

لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ * وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ

إن من الوضاعة أن تلتوى الأثرة بالمرء، فتجعله يتمنى الخسارةَ لكل إنسانٍ، لا لشيءٍ، إلا لأنه هو لم يربح ثم إن المسلم يجب أن يكون أوسع فكرةً، وأكرم عاطفةً، فينظر إلى الأمور من خلال الصالح العام، لا من خلال شهواته الخاصة وجمهور الحاقدين، تغلى مراجل الحقد فى أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما يتمنونه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكف أخرى وهذه هى الطامة التى لا تدعُ لهم قرارا

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله

أما بعد

عباد الله: لقد أهاب الإسلام بالناس أن يبتعدوا عن الحقد والحسد وأن يسلكوا الحياة نهجا أرقى وأهدأ. وأمر الله رسولَه أن يستعيذ من شرور الحاسدين؛ لأن الحسد جمرةٌ تتقدُ فى الصدر، فتؤذي صاحبهَا وتؤذي الناسَ به.

والإنسان الذي يتمني زوال النعم آفةٌ على المجتمع ، ولا يُطمئن إلى ضميره فى عملٍ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعُ غُبارٌ في سبيل اللهِ و دُخانُ جهنَّمَ في جوفِ عبدٍ أبدًا ، و لا يجتمعُ الشُّحُّ و الإيمانُ في قلبِ عبدٍ أبدًا. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

هذا، وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56 وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم اجعلنا من المنشغلين بإصلاح أنفسنا ومن تحت أيدينا ومن المساهمين في إصلاح المجتمع بأقوالنا وأفعالنا، اللهم اسلل سخائم صدورنا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ولا تجعلنا حاسدين ولا محسودين واجعلنا صالحين مصلحين محسنين غير مفسدين وآمرين بالمعروف وناهين عن المنكر اللهم طهر قلوبنا من النفاق والرياء والسمعة اللهم عليك بالرافضة وجميع المنافقين اللهم طهر الأقصى من دنس اليهود

اللهم احفظ لنا إمامنا ومتعه بالصحة والعافية واحفظ لنا جنودنا على حدودنا

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201. وأدخلنا الجنة مع الأبرار واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.النحل:90. فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1435-1-11 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي