سلامة الصدر من الحقد

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 9 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 8814 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي أنزل في القرآن فضل سلامة الصدر من الحقد والحسد والبغضاء، فقال: "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم"الشعراء:88

وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العلي العليم يحب كل تقي لنقاء قلبه وصفائه

وأشهد أن نبينا محمدًا رسول الله سيد أصفياء القلوب اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أهل الصفاء والنقاء

أما بعد

أيها العبد المسلم: إذا أردت أن تكون محبوبًا عند الله وعند الناس فاجتهد أن يكون صدرك نقيًا من البغض لغيرك، سليمًا من الحقد وهو إضمار السوء والتحفز لإيذاء من سواك وإياك والحسد وهو تمني زوال النعمة عن الغير، وليس أروح للنفس ولا أطرد لهمومها ولا أقر للعينين من أن يعيش المرء في دنياه سليم الصدر والقلب، مبرأ من وساوس الضغينة وثوران الحقد، إذا رأى نعمةً تنساق لأحد رضي عنها وأحس فضل الله فيها وفقر عباده إليها، وإذا رأى أحداً يلحقه أذى رثى له ورجا أن يفرج الله كربه ويغفر ذنبه ، فصاحب الصدر السليم يحزن لآلام غيره، ويرجو العافية لمن أصيب بها وبذلك يحياء سليم الصدر أبيض الصحيفة راضيًا عن الله وراضيًا عن الحياة مستريح النفس من نزعات الحقد فإن فساد القلب بالضغائن داء عياء
وما أسرع تسرب الإيمان من القلب السقيم كما تتسرب السوائل من الإناء المثلوم ، ولنتدبر متأملين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في القلب لنعلم مبلغ وجوب العناية به والحرص على صلاحه وإصلاحه،فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"متفق عليه. فالقلب الأسود يفسد صالح الأعمال، ويطمس بهجة الأفعال، ويعكر صفو الخصال

والقلب المشرق يبارك الله تعالى في قليل عمله، وهو تبارك وتعالى إليه بكل خير أسرع فعن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسول الله أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قيل: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد"رواه ابن ماجه وصححه الألباني

ياقوم إن سلامة الصدر تفرض على المسلم وتلزمه أن يتمنى الخير للناس إن عجز عن سوقه إليهم بيده، فهو من غير شك لا يغتاب غيره ولا يسعى لشر، ومن انتحل الشر انتحالاً للناس وزوره عليهم تزويرًا فهو أفاك أثيم، قال الله عز وجل "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون"النور:19

وكان فضلاً من الله عظيمًا أن استحب ستر عيوب الخلق ولو كانوا بها متصفين حقًا، فلا يجوز التشنيع على المسلم تشفيًا ولو كان بذكره بما فيه فإن سرد الفضائح وإفشائها وكشف المستور وإظهار العورات عمل على إشاعة السيئات وتفشيها بين الناس، وليس ذلك مسلك المسلم حقاً

ولا شك أن تلمس عيوب الناس أو الصاقها بهم عن تعمد فإن ذلك قصد خبيث دنيء

وفي الاتهام بالزنا قال تعالى " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم "النور:4،5.

هكذا رتب الإسلام هذه العقوبة العاجلة لمرتكب هذه الجريمة

إذ الإفتراء على الأبرياء جريمة شنيعة.

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمدلله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه وسلم

أما بعد

عباد الله : إذا نمت جذور الخصومة وتفرعت أشواكها أشلت زهرات الإيمان وأبعدت ما يوحي به من سلام وحنان وعندئذ لا يكون في أداء العبادات المفروضة زيادة تأثير ولا تستفيد النفس منها وقاية من الشر

وإذا تمكن الشر من القلوب فتنافر ودها ارتد الناس إلى حال القسوة والعناد يقطعون معها ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض فلا يحظى المسلم بثواب الصلوات المكتوبة تماماً إلا إذا اقترنت بصفاء القلب للناس

وقد يحدث أن يشعر الإنسان بإساءة موجهة إليه فيحزن بسببها ويضيق بها ذرعاً ويعزم على مقاطعة من صدرت منه ولكن لا يرضى الله السميع البصير أن تنتهي الصلة بين المسلم والمسلم بهذا المصيرفعن أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا"رواه الترمذي وصححه

أيها المسلم من مات والبغضاء لاصقة بقلبه لا تنفك عنه فهو جدير أن يصلى حر النار فإن ما عجزت الشرائع عن تطهيره لا تعجز النار عن الوصول إلى قراره وكي أضغانه وأوزاره فاتق الله يا عبد الله وطهر صدرك وقلبك من الحقد والحسد والضغن لغيرك

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56 وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا"رواه مسلم اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم اجعلنا من المنشغلين بإصلاح أنفسنا ومن تحت أيدينا ومن المساهمين في إصلاح المجتمع بأقوالنا وأفعالنا اللهم اسلل سخائم صدورنا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ولا تجعلنا حاسدين ولا محسودين واجعلنا صالحين مصلحين محسنيين غير مفسدين اللهم اجعلنا ممن يحسن الظن بالآخرين لا من يسوء الظن بهم

اللهم احفظ لنا ولي أمرنا و جنودنا على حدودنا

"ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"البقرة:201 وأدخلنا الجنة مع الأبرار واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"النحل:90 فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم" ولذكر الله أكبروالله يعلم ما تصنعون"العنكبوت:45

1435-1-9

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي