عدم إسقاط الحدود بالشفاعة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 9 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2442 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي اهتدى بفضله المهتدون أحمده سبحانه لا يسأل عما يفعل وكل الخلائق لديه مسئولون وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق المأمون اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه

أما بعد

فيا عباد الله : العاطفة شعور يستجيب المرء لسلطانه ويخضع لدوافعه فهو يقف في صف من تربطه به رابطة قرابة أو صداقة أو طوقه بمعروف فيدافع عنه أو يشفع له أو يخاصم دونه ولو كان ذلك تجاف عن العدل أو تجن على الغير وغمط للحقوق ولقد وجه رب العزة عباده إلى التغلب على العاطفة المتطرفة وإخضاعها للدين والتمسك بالعدل حفظاً للتوازن بين المجموع قال تعالى "يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين"النساء:135. فأمرهم أن يحتكموا إلى العدل في أداء الشهادة لا إلى العاطفة وأمرهم أن يؤدوا الشهادة على وجهها دون محاباة أو مجاملة ولو كان أداء الشهادة ضد مصلحة القريب عليه ولو كان أقرب قريب وإذا كان أداء الشهادة ضد مصلحة القريب واجباً مشروعاً فهل يسوغ لمن يعتز بدينه أن يندفع متأثراً بعاطفته فيشفع في إسقاط حد من حدود الله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم منفراً عن ذلك "من حالت شفاعتُه دونَ حدٍّ من حدودِ اللهِ ؛ فقد ضادَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ، ومن خاصم في باطلٍ وهو يعلمُ ؛ لم يزلْ في سخطِ اللهِ حتى ينزعَ ، ومن قال في مؤمنٍ ما ليس فيه ؛ أسكنه اللهُ رَدْغَةَ الخَبالِ ، حتى يخرجَ مما قال" أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمر وصححه الألباني.

فالحدود إذا رفع أمرها للسلطان حرام على المرء أن يشفع في إسقاطها بجاهه أو نفوذه أو ماله متأثراً بعاطفته فإنما شرعت الحدود لمصلحة المجموع وللحد من انتشار الجرائم أو ليس من مصلحة الجسم بتر العضو الفاسد لئلا يسري الداء فيفسد الجسد كله كذلك الحدود إذا أقيمت فإنها تضمن سلامة المجموع

وللتغلب على العاطفة يأمر رب العزة بأن يشهد إقامة حد الزنى جمهور من المسلمين ، محذراً أن تحول العاطفة دون المضي في إقامة الحد قال تعالى "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"النور:2. وتجب التسوية في إقامة الحدود بين العظيم والحقير والشريف والوضيع والأمير والصعلوك وبذلك يستقيم المجتمع ويبلغ الذروة في إقامة العدل ، شفع أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إٍسقاط حد السرقة عن امرأة نسيبه فجابهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "أتشفع في حد من حدود الله ثم قام خطيباً وقال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"رواه مسلم. أما الخصومة بالباطل انسياقاً مع العاطفة فهي جناية لا يقل خطرها وضررها عن اسقاط الحد بالشفاعة لأنها ظلم شامل للمخاصم والخصم والمجتمع فالمخاصم بالباطل يظلم نفسه لأنه يعرضها بخصومته لسخط الله ومقته ويظلم مجتمعه لتجرأ غيره على الخصومة بالباطل ووضع بذور الشحناء والبغضاء بين أفراده وإشغال أرباب السلطة بالنظر في باطله وتعطيل النظر في مصالح الأمة ولذا حق عليه الوعيد الشديد بأن يبقى في غضب الله وسخطه حتى يرجع عن ظلمه ويعدل عن مخاصمته ويتوب إلى الله ربه ومن حق المسلمين جميعاً أن يقفوا صفاً واحداً في وجه المخاصم ليأخذوا على يديه درءاً لخطره ونصرة كما جاء في الحديث "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، فقال رجل : يا رَسُولَ اللَّهِ، أنصره إذا كان مَظْلُومًا، أرأيت إن كان ظالما كيفَ أنْصُرُهُ ؟ قالَ: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره "رواه البخاري . وأما رمي المؤمن بما ليس فيه إندفاعاً مع الهوى أو لمشاركة قريب أو صديق في عواطفه فيقدح المرء في دين الغير أو عرضه أو يتجسس عليه ويتبع عوراته أو يغتابه وينم عليه كل ذلك من البهتان

وظلم الإنسان للإنسان حرام ومن كبائر الذنوب وعظيم الأثام وإن خطره وضرره على المجتمع القضاء على وحدة المسلمين وإحداث التصدع في صفوفهم لذلك يقتص الله من صاحبه قصاصاً عادلاً من جنس جرمه إنتصاراً للمسلم المجني عليه، صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ونادى بأعلى صوته "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " رواه أبو داود وحسنه الألباني .

وهذا اقتصاص عاجل في الدنيا أما قصاص الآخرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال " رواه أبو داود وصححه الألباني ، والرَّدْغةُ: الوَحْلُ الكَثيرُ، والخَبالُ: الفاسِدُ، والمرادُ: أنَّ اللهَ يُعذِّبُه بِعُصارةِ أهلِ النَّارِ وصَديدِهم .

فاتقوا الله يا عباد الله وتغلبوا على العواطف الجامحة بإخضاعها لأمر الله وحذار من الشفاعة لإسقاط حد من حدود الله والمخاصمة في باطل ففي ذلك سخط الله وترفعوا عن إيذاء المسلمين ورميهم بالبهتان لتسلموا من الوعيد بالعذاب المخزي نقمة من الله

يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.الأحزاب:70-71.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المصطفى الأمين

أما بعد

عباد الله : تحدثنا عن اسقاط الحدود بالشفاعة القولية وبقي الإشارة إلى الشفاعة المقالية وهو أن يكتب مع الظالم لائحة اعتراض على الحكم لإسقاط حد من حدود الله فحذاري من كل هذا

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم احفظ إخواننا في اليمن من كيد الرافضة الحوثيين اللهم حرر صعدة ودماج من أيدي الحوثي الرافضي وطغمته أذناب الرافضة في إيران اللهم لا تجعلنا ممن يشفعوا في إسقاط حد من حدود الله اللهم اجعلنا من المنشغلين بإصلاح أنفسنا ومن تحت أيدينا ومن المساهمين في إصلاح المجتمع بأقوالنا وأفعالنا اللهم اسلل سخائم صدورنا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ولا تجعلنا حاسدين ولا محسودين واجعلنا صالحين مصلحين محسنين غير مفسدين

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201. وأدخلنا الجنة مع الأبرار واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.النحل:90. فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1435-1-9هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي