الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل يفسق ويشرب الخمر ويصلي الصلوات الخمس وقد قال صلى الله عليه وسلم "كل صلاة لم تنه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد صاحبها من الله إلا بعداً" ؟
فأجاب: هذا الحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه
وبكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بعدا بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي ، وأقرب إلى الله منه ، وإن كان فاسقا لكن قال ابن عباس: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها" . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرَّجلَ لينصرِفُ ، وما كُتِبَ لَه إلَّا عُشرُ صلاتِهِ تُسعُها ثُمنُها سُبعُها سُدسُها خُمسُها رُبعُها ثُلثُها ، نِصفُها " [صحيح أبي داود للألباني]، فإن الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر وإذا لم تنهه دل على تضييعه لحقوقها وإن كان مطيعا وقد قال تعالى {۞ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم 59]الآية
وإضاعتها التفريط في واجباتها وإن كان يصليها والله أعلم
وسئل عن أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار لأشغال لهم من زرع أو حرث أو جنابة أو خدمة استاذ أو غير ذلك فهل يجوز لهم ذلك ؟
فأجاب: لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل، ولا يؤخر صلاة الليل إلى النهار لشغل من الأشغال، إلى أن قال
بل المسلمون كلهم متفقون على أن عليه أن يصلي الظهر والعصر بالنهار، ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس، ومن أخرها لصناعة أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب فإن تاب والتزم أن يصلي في الوقت ألزم بذلك، وإن قال لا أصلي إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة أو غير ذلك، فإنه يقتل
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله."
والنبي صلى الله عليه وسلم كان أخر صلاة العصر يوم الخندق لاشتغاله بجهاد الكفار، ثم صلاها بعد المغرب، فأنزل الله تعالى:{حَـافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ} [البقرة 238]
ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة ولا غير ذلك، بل يصلي في الوقت بحسب حاله، فإن كان محدثا وقد عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله تيمم وصلى وكذلك الجنب يتيمم ويصلي إذا عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد، وكذلك العريان يصلي في الوقت عريانا، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه، وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها فيصلي في الوقت بحسب حاله، وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت يقول عمران بن حصين:"سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن صَلَاةِ الرَّجُلِ وهو قَاعِدٌ، فَقالَ: مَن صَلَّى قَائِمًا فَهو أفْضلُ، ومَن صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَائِمِ، ومَن صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَاعِدِ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: نَائِمًا عِنْدِي مُضْطَجِعًا هَا هُنَا." [صحيح البخاري] .
فالمريض باتفاق العلماء يصلي في الوقت قاعدا أو على جنب، إذا كان القيام يزيد في مرضه، ولا يصلي بعد خروج الوقت قائما، وكذلك يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء للسفر والمرض، ونحو ذلك من الأعذار، ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا يصلي فيه ولا يعيد وهذا أصح أقوال العلماء، وكذلك من نسي الطهارة وصلى بلا وضوء فعليه أن يعيد ، وكذلك إذا كان البرد شديدا ويضره الماء البارد ولا يمكنه الذهاب إلى الحمام أو تسخين الماء حتى يخرج الوقت فإنه يصلي في الوقت بالتيمم
والمرأة الحائض إذا انقطع دمها في الوقت ولم يمكنها الاغتسال إلا بعد خروج الوقت تيممت وصلت في الوقت، ومن ظن أن الصلاة بعد خروج الوقت بالماء خير من الصلاة في الوقت بالتيمم فهو ضال جاهل،وإذا استيقظ آخر وقت الفجر فإذا اغتسل طلعت الشمس فجمهور العلماء هنا يقولون: يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس ، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، وأحد القولين في مذهب مالك، والصحيح قول الجمهور؛ لأن الوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ...فإذا نسيَ أحدُكم صلاةً، أو نامَ عنْها ، فليُصلِّها إذا ذَكرَها" [صحيح الترمذي للألباني]، فالوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ
وسئل عن رجل يأمره الناس بالصلاة ولم يصل فمالذي يجب عليه ؟
فأجاب: إذا لم يصل فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل والله أعلم
وسئل عن ترك صلاة واحدة عمداً بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاء فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر ؟
فأجاب: الحمد لله نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمدا من الكبائر بل قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر
وسئل عن مسلم تراك للصلاة ويصلي الجمعة فهل تجب عليه اللعنة ؟
فأجاب: الحمد لله هذا استوجب العقوبة باتفاق المسلمين والواجب عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل
ولعن تارك الصلاة على وجه العموم جائز وأما لعنة المعين فالأولى تركها لأنه يمكن أن يتوب والله أعلم
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434/8/21 هـ