الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد؛
قال الله تعالى :" إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ "(فاطر28)
هذه الآية آية عظيمة ، وهي تدل على أن العلماء بالله وبدينه وبكتابه العظيم وسنة رسوله الكريم هم أشد الناس خشية لله وأكملهم خوفا منه سبحانه ، فالمعنى : إنما يخشى اللهَ الخشيةَ الكاملةَ العلماءُ بالله ، الذين عرفوا ربهم بأسمائه وصفاته وعظيم حقه وتبصروا في شريعته وعرفوا ما عنده من النعيم لمن اتقاه ، والعذاب لمن خالفه وعصاه ، فهم لكمال علمهم بالله هم أشد الناس خشية لله ، وأكمل الناس خوفا من الله وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فهم أكمل الناس خشيةً لله سبحانه وتعظيماً له ثم خلفاؤهم العلماء بالله وبدينه .
وهم على مراتب في ذلك متفاوتة ، وليس معنى الآية أن غيرهم لا يخشى الله ، فكل مسلم ومسلمة ومؤمنٍ ومؤمنة يخشى الله ، لكن خشية الله فيهم متفاوتة ، فكلما كان المؤمن أبصرَ بالله وأعلم به وبدينه كان خوفه لله أكثر، وكلما قل العلم وقلت البصيرة قل الخوف من الله وقلت الخشية منه سبحانه .
فالناس متفاوتون في هذا الباب تفاوتاً عظيماً حتى العلماءُ متفاوتون في خشيتهم لله ، فكلما زاد العلم زادت الخشية لله وكلما نقص العلم نقصت الخشيةُ لله ، ولهذا يقول تعالى " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ " البينة 7-8 ، وقال تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " الملك 13 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
* تجبُ تغطيةُ الوجه عن الرجل الأجنبي ، وهو من ليس محرماً للمرأة في أصح قولي العلماء ، سواء كان الأجنبي ابنَ عمٍّ أوابنَ خالٍ أو من الجيران أو من غيرِهم ، لقوله تعالى يخاطب المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يأتي بعدهم " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ " الأحزاب 53 .
وهذا يعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرَهنَّ من المؤمنات كما قال سبحانه " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ " الأحزاب 59 ، والجلباب ما يوضع على الرأس والبدن فوق الثياب ، وهو الذي تغطي به النساء الرأس والوجه والبدن كلَّه ، وما يوضع على الرأس يقال له خمار .
فالمرأة تغطي بالجلباب رأسها ووجهها وجميع بدنها فوق الثياب ، قال الله جل وعلا " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ " الآية ، النور 31 ، فقوله " إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا " فسره ابنُ مسعود رضي الله عنه وجماعةٌ بالملابس الظاهرة ، وفسره قوم بالوجه والكفين ، والأول أصح ؛ لأنه هو الموافق للأدلة الشرعية وللآيتين السابقتين ، وحمل بعضهم قولَ من فسره بالوجه والكفين إن هذا كان قبل وجوب الحجاب ، لأن المرأة كانت في أول الإسلام تبدي وجهها وكفيها للرجال ثم نزلت آية الحجاب فَمُنِعْنَ من ذلك ، ووجب عليهن ستر الوجه والكفين في جميع الأحوال ، ثم قال سبحانه " وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ " والخمر جمع خمار ، وهو ما يستر به الرأس وما حوله ، سمي خماراً لأنه يستر ما تحته ، كما سميت الخمر خمراً لأنها تستر العقول وتغيرها .
والجيبُ : الشق الذي يخرج منه الرأس ، فإذا ألقت الخمار على وجهها ورأسها فقد سترت الجيب ، وإذا كان هناك شيء من الصدر سترته أيضا ، ثم قال تعالى " وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ " إلى آخر الآية ، والزينة تشمل الوجه والرأس وبقية البدن ، فيجب على المرأة أن تغطي هذه الزينة حتى لا تَفتن ولا تُفتن ، ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالتْ : " فَبيْنَا أنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ، فَنِمْتُ، وكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِن ورَاءِ الجَيْشِ، فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائِمٍ، فأتَانِي، وكانَ يَرَانِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ يَدَهَا، فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بي الرَّاحِلَةَ حتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ " ، فعلم بذلك أن النساء بعد نزول آية الحجاب مأمورات بستر الوجه وأنه من الحجاب المراد في الآية الكريمة وهي قوله سبحانه " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ " الآية .
وأما ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن أسماء : " إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه " فهو حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به لعلل منها : انقطاعه بين عائشة والراوي عنها ، ومنها : ضعفُ بعضِ رواتِه وهو سعيدُ بن بشير ، ومنها : تدليس قتادة رحمه الله وقد عنعن ، ومنها : مخالفته للأدلة الشرعية من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب تحجب المرأة في وجهها وكفيها وسائر بدنها ، ومنها : أنه لو صح وجب حمله على أن ذلك قبل نزول آية الحجاب جمعاً بين الأدلة .
قولُ بعضِ أهلِ العلم أن المرأة الكافرة لا تكشف لها المؤمنة فهو قول مرجوح في أصح قولي العلماء لأن اليهوديات كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا الوثنيات يدخلن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجتهن ، ولم يحفظ أنهن كنّ يتحجبن منهن ، وهن أتقى النساء وأفضلهن .
* ما يقوله الناس عن سورة الزلزلة أنها تشفي المريض أو يموت ، وما قالوه أنها تسقط الولد كله لا أصل له ، بل هو من خرافات العامة الباطلة .
* المراد بالمنافقين هم الذين يتظاهرون بالإسلام وهم على غير الإسلام ، يدَّعون أنهم مسلمون وهم في الباطن يكفرون بالله ويكذبون الرسول عليه الصلاة والسلام .
وسموا منافقين لأنهم أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر ، كما في قوله تعالى " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " البقرة 8-10 ، والآيات التي بعدها في سورة البقرة .
هؤلاء هم المنافقون ، فهم يكفرون بالله ويكذبون رسله كما في قوله جل وعلا " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلًا * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء " النساء 142-143 .
والمعنى : أنهم مترددون بين الكفار والمسلمين ، تارةً مع الكفار إذا ظهر الكفر وانتصروا ، وتارةً مع المؤمنين إن ظهروا وانتصروا ، فليس عندهم ثباتٌ ولا دينٌ مستقيمٌ ولا إيمان ثابت ، بل هم مذبذبون بين الكفر والإيمان ، وبين الكفار والمسلمين .
وقد صرح الله بكفرهم في قوله تعالى " وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ * فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ " التوبة 54-55 .
نسأل الله العافية والسلامة .
وبالله التوفيق