الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛
الصلاة في اللغة: الدعاء وشاهد ذلك قوله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[التوبة 103] أي أدع لهم.
وفي الشرع: هي التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
والصلاة مشروعة في جميع الملل قال تعالى:{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ }[آل عمران 43] وذلك لأهميتها ولأنها صلة بين العبد وربه.
وقد فرضها الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به دون واسطة.
وقد أخَّرَ الله تعالى فرضيتها إلى تلك الليلة إشادة بها وبياناً لأهميتها لأنها:
أولاً: فرضت من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة
ثانياً: فرضت في ليلة هي أفضل الليالي لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ثالثاً: فرضت في أعلى مكان يصل إليه البشر
رابعاً: فرضت خمسين صلاة وهذا يدل على محبة الله لها وعنايته بها سبحانه وتعالى لكن خففت فجعلت خمساً بالفعل وخمسين بالميزان غير الخمسين التي الحسنة بعشر أمثالها؛ لأنه لو كان المراد الحسنة بعشر أمثالها لم يكن لها مزية على غيرها من العبادات إذ كل عبادة الحسنة بعشر أمثالها.
لكن يكتب للإنسان أجر خمسين صلاة وهذا فضل عظيم من الرب عز وجل بالنسبة لهذه الأمة ولا نجد عبادة فرضت يومياً في جميع العمر إلا الصلاة فالزكاة حولية والصيام حولي والحج عمري
والدليل على وجوبها قوله تعالى " {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء 103]
والشاهد قوله {كتاباً}لأن كتاب بمعنى مكتوب والمكتوب بمعنى المفروض.
ومن السنة: "أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنْه إلى اليَمَنِ، فَقالَ: ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ،... " [صحيح البخاري]
وتجب على كل مسلم والمسلم هو الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت ، هذا هو المسلم الكامل الإسلام ولكن المراد بالمسلم هنا من يشهد أن لا إله إلا الله وأن ومحمداً رسول الله.
وتجب الصلاة على كل مسلم مكلف، والتكليف في اللغة: إلزام ما فيه مشقة، ولكن في الشرع ليس كذلك لأن الشرع ليس فيه مشقة قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ }[البقرة 286] ، وهي في الشرع: إلزام مقتضى خطاب الشرع، والتكليف يتضمن وصفين هما: البلوغ والعقل، فمعنى مكلف أي بالغ عاقل، فغير البالغ وغير العاقل لا تلزمه الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل" [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي]
والحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض "أَليسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ، ... " [صحيح البخاري] ، والنفساء كالحائض في ذلك بالإجماع والعلماء مجمعون على أن الحائض والنفساء لا تلزمهما الصلاة ولا يلزمهما قضاء إلا الصوم، والنائم يقضي الصلاة بالنص والإجماع
أما النص فهو قولي وفعلي، فالقولي قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " أخرجه مسلم، فأما الفعلي فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الصلاة "صلاة الفجر" حين نام عنها في السفر. أخرجه البخاري، فإذا يقضي من زال عقله بنوم، والمغمى عليه لا يقضي إلا إذا كان أقل من ثلاثة أيام إحتياطاً، فالنائم يستيقظ إذا أوقظ وأما المغمى عليه فإنه لا يشعر وأيضاً النوم كثير ومعتاد فلو قلنا إنه لا يقضي أي النائم لسقط عنه كثير من الفروض لكن الإغماء يحصل مرة واحدة أحياناً في عمر الإنسان فقد يسقط من شيء عال فيغمى عليه وقد يصاب بمرض فيغمى عليه والأحوط أن يقضي إذا كان أقل من ثلاثة أيام نص على ذلك ابن باز رحمه الله.
مسألة: من زال عقله ببنج فإنه يقضي لأن هذا وقع باختياره والغالب في البنج أنه لا تطول مدته، ومن زال عقله بسكر فإنه يقضي فإذا كان سكره محرماً فلا شك في القضاء لأنه حصل باختياره ولأنه غير مأذون له بذلك ولأننا لو أسقطنا عنه قضاء الصلاة وهو من أهل شرب الخمر فإنه كلما أراد ألا يصلي شرب المسكر فحصل على جنايتين على شرب المسكر وعلى ترك الصلاة
فإن قلت: أليس الله يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } [النساء 43]
فالجواب: من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا كان وقت حله
الوجه الثاني: أن الله قال {حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } [النساء 43]} أي فإذا علمتم ما تقولون فافعلوها أداء إن كان في وقتها أو قضاءاً إن كان بعد الوقت
ولهذا كان الأئمة الأربعة متفقين على أن من زال عقله بسكر فإنه يقضى
مسألة: رجل سكر بدون أن يعلم أن ما شربه مسكر ؟
الجواب: يقضى لأن هذا مفعول باختيار الفاعل لكنه يسقط عنه الإثم لأنه لم يعلم به
فلا تصح من مجنون لعدم القصد لأن المجنون لا قصد له ومن لا قصد له لا نية له ومن لا نية له لا عمل له لقوله صلى الله عليه وسلم" إنما الأعمال بالنيات." [صحيح البخاري]
ويؤمر للصلاة من أتم سبعاً مع لوازمها من الطهارة وغيرها من الواجبات ويضرب حتى يصلي في كل وقت إذا أتم عشراً والضرب باليد أو الثوب أو العصا ويشترط فيه ألا يكون ضرباً مبرحاً لأن المقصود تأديبه لا تعذيبه
ومن بلغ أثناء الصلاة أو بعدها لم يعدها وكذا الصوم حيث لم يحفظ عن الصحابة أنهم يأمرون من بلغ أثناء الوقت بالإعادة
ويحرم تأخيرها عن وقتها إلا لناو الجمع ممن يحل له أن يجمع لأن الله قال {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا }(النساء 103) وإذا كانت مفروضة في الوقت فتأخيرها عن وقتها حرام.
والصواب: لا يجوز أن يؤخرها عن وقتها مطلقاً وأنه إذا خاف خروج الوقت صلى على حسب حاله وهذا اختيار شيخ الإسلام والذي يستثنى شيء واحد وهو ناو الجمع وهو تأخير صوري
ولا يكفر إلا بترك الصلاة دائماًً فإن كان يصلي فرضاً أو فرضين فإنه لا يكفر وذلك لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ. " [صحيح مسلم ]
فهذا ترك صلاة لا الصلاة ولأن الأًصل بقاء الإسلام فلا نخرجه منه إلا بيقين لأن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين فأصل هذا الرجل المعين مسلم
وقول الإمام أحمد بتكفير تارك الصلاة كسلاً هو القول الراجح
والأدلة تدل عليه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
أما الكتاب فقوله تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }[التوبة 11]
وأما الدليل من السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ. " [صحيح مسلم]
ومسألة: لا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم وعن الإمام أحمد روايتان
الصواب: أن هذا يرجع إلى اجتهاد الحاكم وشيخ الإسلام يسلك هذا المسلك أحياناً
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434/8/21 هـ