ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس التاسع عشر: باب التيمم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 18 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 3121 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى وبعد

باب التيمم

التيمم لغة القصد ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ }[البقرة جزء آية267]، تيمموا أي تقصدوا.

وشرعاً التعبد لله تعالى بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين به وهو من خصائص هذه الأمة.

ودليل مشروعيته قوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } [ النساء 43]

ودليله من السنة قول عمران بن حصين رضي الله عنه :" أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ في القَوْمِ، فَقالَ: يا فُلَانُ ما مَنَعَكَ أنْ تُصَلِّيَ في القَوْمِ؟ فَقالَ يا رَسولَ اللَّهِ: أصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ولَا مَاءَ، قالَ: عَلَيْكَ بالصَّعِيدِ فإنَّه يَكْفِيكَ. " [صحيح البخاري]

وعن عمار بن ياسر قال:" بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ" [متفق عليه].

الحكمة من مشروعيته:

هي أن الله سبحانه قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة فيما كلفهم به من العبادات، وهو رافع للحدث لقوله تعالى:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [المائدة 6]

شروط التيمم:

ويشترط للتيمم عدم الماء أو الضرر باستعماله وعدم الماء أي غير واجد للماء لا في بيته ولا في رحله إن كان مسافراً ولا ما قرب منه وإذا كان واجداً لثمنه قادراً عليه فيجب عليه أن يشتريه والدليل على ذلك قوله تعالى :{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } [المائدة 6] فالله اشترط للتيمم عدم الماء والماء هنا موجود ولا ضرر عليه في شرائه لقدرته عليه وإذا وجد الماء وليس معه ثمنه أو معه ثمن ليس كاملاً فيعتبر عادماً للماء فيتيمم

وإذا تضرر بدنه في استعمال الماء صار مريضاً فيدخل في عموم قوله تعالى: { وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ} [المائدة 6]

كما لو كان في أعضاء وضوئه قروح أو في بدنه كله عند الغسل قروح وخاف ضرر بدنه فله أن يتيمم

وكذا لو خاف البرد فإنه يسخن الماء فإن لم يجد ما يسخن به تيمم لأنه خشي على بدنه من الضرر وقد قال تعالى { وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [النساء 29] .

وإذا خشي ضرر بدنه بطلب الماء لبعده بعض الشيء أو لشدة برودة الجو فيتيمم والدليل على هذا قوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ }، وإذا خاف باستعمال الماء ضرر رفيقه تيمم، مثال ذلك: أن يكون معه ماء قليل ورفقة فإن استعمل الماء عطش الرفقة وتضرروا فنقول له تيمم ودع الماء للرفقة.

والرفيق يشمل المسلم والكافر بشرط أن يكون الكافر معصوماً والمعصوم هو الذمي والمعاهد والمسـتأمن، وكذا من خاف باستعمال الماء ضرر امرأته أو من له ولاية عليها من النساء تيمم، وكذا من كان معه حيوان وإذا استعمل الماء تضرر الحيوان أو هلك تيمم.

ومن جرح تيمم له وغسل الباقي ومن أصابه بول على بدنه ولا ماء عنده يزيلها به تيمم عن الوضوء وليس عن النجاسة ويسقط عنه وجوب إزالة النجاسة لعدم الماء وكذا لو حبس في مكان نجس كالمرحاض فيتوضأ ويصلي على حسب حاله ولا يتيمم للنجاسة

وإن حبس في مصر ولم يجد ماء ولا تراباً صلى على حسب حاله ولا إعادة عليه ولا يؤخر صلاته حتى يقدر على إحدى الطهارتين أو التراب

والدليل قوله تعالى :{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن 19] وقوله صلى الله عليه وسلم " فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ. " [صحيح البخاري]

ولا يخص التيمم بالتراب بل بكل ما تصاعد على وجه الأرض

والدليل قوله تعالى: { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا }[المائدة 6] والله سبحانه يعلم أن الناس يطرقون في أسفارهم أراضي رملية وحجرية وترابية فلم يخصص شيئاً دون شيء وهذا اختيار شيخ الإسلام وابن القيم والسعدي فالمذهب يشترط أن يكون التيمم بالتراب غير أن هؤلاء يقولون يصح بكل أجزاء الأرض والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك مر برمال كثيرة ولم ينقل أنه كان يحمل التراب معه أو يصلي بلا تيمم، والتيمم يكون بالتراب أو الرمل.

ومن شرط الصعيد أن يكون طهوراً فالتراب النجس الذي أصابه بول ولم يطهر من ذلك البول لا يصح التيمم به

لقوله تعالى:{ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا }[المائدة 6] والطيب ضد الخبيث

فالصعيد الذي يتيمم به يشمل كل ما على الأرض من تراب ورمل

لأن الله يقول :{ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا }[المائدة 6] وأنه كان صلى الله عليه وسلم يسافر في الأرض الرملية والتي أصابها مطر ولم ينقل عنه ترك التيمم ولو غصب أرضاً فإنه يصح التيمم منه

لكن قال الفقهاء رحمهم الله يكره الوضوء من ماء بئر في أرض مغصوبة

فروض التيمم:

مسح وجهه ويديه إلى كوعيه والترتيب والموالاة والنية

والدليل على ذلك قوله تعالى :{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ} [المائدة 6]

والكوع هو العظم الذي يلي الإبهام، والرسغ هو الواقع بين الكوع والكرسوع، والكرسوع هو امتداد الخنصر، والكوع امتداد الإبهام، والدليل على أن المسح إلى الكوعين قوله :{وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ} [المائدة 6] واليد إذا أطلقت فالمراد بها الكف بدليل قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [المائدة 38] والقطع إنما يكون من الكف؛ ولحديث عمار بن ياسر وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بيديه الأرض ومسح الكفين فقط ".[صحيح البخاري] .

مبطلات التيمم:

يبطل التيمم بمبطلات الوضوء أي نواقض الوضوء، مثال ذلك: إذا تيمم عن حدث أصغر ثم بال أو تغوط بطل تيممه لأن البدل له حكم المبدل، وكذا التيمم عن الأكبر يبطل بموجبات الغسل وهذا ظاهر جداً كما يبطل بوجود الماء ولو في الصلاة لا بعدها

يبطل التيمم بوجود الماء ولو في الصلاة لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}[المائدة 6] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم " إنَّ الصعيدَ الطيبَ طهورُ المسلمِ وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سنين فإذا وجد الماءَ فليمسَّه بشرتَه فإن ذلك خيرٌ" [صحيح الترمذي للألباني]

إضافة أن التيمم بدل عن طهارة الماء عند فقده فإذا وجد الماء زالت البدلية فيزول حكمها فحينئذ يجب عليه الخروج من الصلاة ويتوضأ ويسـتأنف الصلاة

أما إذا وجد الماء بعد الصلاة فلا يلزمه الإعادة

والدليل على هذا ما رواه أبو داود "خرجَ رجلانِ في سفَرٍ، فحضرتِ الصَّلاةُ وليسَ معَهُما ماءٌ، فتيمَّما صَعيدًا طيِّبًا فصلَّيا، ثمَّ وجدا الماءَ في الوقتِ، فأعادَ أحدُهُما الصَّلاةَ والوضوءَ ولم يُعدِ الآخرُ، ثمَّ أتيا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فذَكَرا ذلِكَ لَهُ فقالَ للَّذي لم يُعِد: أصبتَ السُّنَّةَ، وأجزَأتكَ صلاتُكَ. وقالَ للَّذي توضَّأَ وأعادَ: لَكَ الأجرُ مرَّتينِ" [صحيح أبي داود للألباني]

ولا يتعين تأخير الصلاة رجاء حضور الماء؛ لعوم قوله، صلى الله عليه وسلم: " ... أَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ" [صحيح البخاري]

صفة التيمم:

أن تضرب الأرض ضربةً واحدةً بلا تفريج للأصابع، وتمسح وجهك بكفيك، ثُمَّ تمسح الكفين بعضَهما ببعضٍ.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/8/17 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 328سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 327سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 326سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 325سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 324سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 323سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر