الدرس التاسع والعشرون: الحديث 19 توجيهات نبوية

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 24 ربيع الأول 1437هـ | عدد الزيارات: 2374 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

"عَنْ أَبِي العَبَّاسٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم يَومَاً فَقَالَ: يَا غُلاَمُ إِنّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحفَظك، احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ، إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عليك " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي:" اِحفظِ اللهَ تَجٍدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ، وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ، وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً"

مناقب ابن عباس رضي الله عنهما

دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " رواه أحمد، ودعا له أن يؤتى الحكمة قال ابن عباس:" ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: اللهم علمه الحكمة." رواه البخاري

وكنيته: أبو العباس واسمه عبد الله وهو من أذكى الصحابة وأشدهم حرصاً على العلم حتى إنه سئل بم أدركت العلم قال بلسان سؤول وقلب عقول وبدن غير ملول هذه الثلاثة أدرك بها رضي الله عنه علماً غزيراً واسعاً وهو حبر هذه الأمة وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم أهلاً للوصية مع صغره

أهمية الحديث

قال ابن رجب الحنبلي في كتابه (جامع العلوم والحكم) وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين حتى قال بعض العلماء : تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش فوا أسفاً من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه

لغة الحديث

قول ابن عباس رضي الله عنه (كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم) أي وراءه، يحتمل أن يكون رديفه أو يمشي وراءه أو على دابة والمقصود المعنى

قال صلى الله عليه وسلم (يا غلام إني أعلمك كلمات) يا غلام: ناداه بوصف الغلام لأنه كان صغيراً رضي الله عنه فإنه كان في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام أي قارب أن يكون بالغاً وكان سنه آنذاك عشر سنين، والغلام هو الصبي من حين يفطم إلى تسع سنين فقال يا غلام وفي هذا أيضاً تلطف لندائه والجملة مؤكدة ب(إن) لأهمية الموضوع حتى ينتبه المخاطب

قوله صلى الله عليه وسلم (أعلمك كلمات) أجمل ثم فصل والإجمال ثم التفصيل أبلغ في حفظ ما يلقى إلى المخاطب لأنه إذا أتاه الشيء مجملاً تطلع إلى معرفته تفصيلاً فيأتي التفصيل على محل قابل كما ينزل المطر على أرض يابسة فتشرب المطر بسرعة فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يذكر الشيء إجمالاً ثم يفصله

قوله صلى الله عليه وسلم (أعلمك كلمات) أي جمع كلمة والكلمات أي جملاً تحتوي على نصائح ينفعك الله بها

التوجيه الأول: قوله صلى الله عليه وسلم (احفظ الله يحفظك) معنى حفظ الله أن تحفظ حدوده وشريعته فتقوم بأمره وتجتنب نهيه وتصدق خبره وتلتزم فرائضه وتلازم تقواه فإذا حفظت الله حفظك فيحوطك في أمور الدين والدنيا فيحوطك في نفسك من الآفات العقلية والبدنية والفكرية ويحفظك في مالك فيقيه الآفات والتلف ويحفظك في أهلك فيسلمهم لك

وأما حفظ الدين لك بأن يحفظ عليك الدين بحيث لا تقدم على معصية ولا على ترك واجب وإذا قدر أنك أقدمت على هذا حفظك الله عز وجل بتوفيقه للتوبة مما أخللت به

فاحفظ الله يحفظك كن مطيعاً لربك مؤتمراً بأوامره منتهياً عن نواهيه ليوفقك الله ويجعل عملك في رضاه

التوجيه الثاني: (احفظ الله تجده تجاهك) أي أمامك يعني يدلك على ما فيه الخير فالأول حفظ في قوله (احفظ الله يحفظك) والثاني دلالة على الخير في قوله:تجده تجاهك

التوجيه الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم (إذا سألت فاسأل الله) إذا سألت مخلوق عاقل قد يعتذر وقد يعجز، بل اسأل الله القادر على الإجابة الذي يحب من عبده أن يسأله

التوجيه الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا استعنت فاستعن بالله) أي طلبت المعونة فاستعن بالله عز وجل واطلب العون منه ولهذا ندعو في كل صلاة (إياك نعبد وإياك نستعين) أي لا نعبد إلا أنت وحدك لا شريك لك ولا نطلب العون إلا منك

التوجيه الخامس: قوله صلى الله عليه وسلم (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك) صدر هذه الجملة بالأمر بالعلم لأهميتها (اعلم) أي علم اليقين (أن الأمة) المراد جميع الناس (لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك) فما دام الأمر كذلك فاسأل الله وما يجري على يد بعض الناس هو بأمره تبارك وتعالى الذي كتبه الله لك

التوجيه السادس: قوله صلى الله عليه وسلم (لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) فإذا نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك وهذه قدرية لا مفر منها ولا بد من وقوعها لأن قضاء الله ينقسم إلى قسمين قسم شرعي وقسم قدري، والقدري لا بد من وقوعه مثل المرض والفقر

التوجيه السابع : قوله صلى الله عليه وسلم (رفعت الأقلام وجفت الصحف) المراد أقلام القدر وطويت الصحف المكتوب بها

التوجيه الثامن: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) ومعنى التعرف إلى الله أن تتقرب إليه بالطاعة فلا يفقدك حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك

قوله صلى الله عليه وسلم (في الرخاء) أي رخاء الحياة كالصحة والغنى والأمن وما أشبه ذلك (يعرفك) أي معرفة خاصة في الشدة عليك عند مرضك وفقرك وخوفك وأهم شيء عند موتك أن يثبتك ويسددك وأقرب مثال على الشدائد قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار فانطبقت عليهم الصخرة ودعوا الله بصالح أعمالهم فانحدرت عنهم. رواه مسلم

التوجيه التاسع: قوله صلى الله عليه وسلم (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك) وهذا معنى الإيمان بالقضاء والقدر وهو التسليم بقضاء الله فلا تقل لو أني فعلت كذا لصار كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان

التوجيه العاشر: (واعلم أن النصر مع الصبر) النصر على الأعداء مع الصبر أي حبس النفس على قتالهم وجهادهم فيكون النصر للمقاتل ولما يدعو إليه

التوجيه الحادي عشر: قوله صلى الله عليه وسلم (وأن الفرج مع الكرب) فالفرج السعة وهذا يعني انكشاف الشدة والكرب فكلما اشتدت الأمور فاعلم أن الفرج قريب لقوله صلى الله عليه وسلم: وأن الفرج مع الكرب

التوجيه الثاني عشر: قوله صلى الله عليه وسلم (وأن مع العسر يسراً) أي كلما تعسرت الأمور عليك وعلقت قلبك بالله تيسرت لك الأمور كما قال تعالى (إن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً) ولهذا جاء عن ابن عباس وغيره لن يغلب عسر يسرين. أخرجه مالك موقوفاً على عمر بن الخطاب

فقه الحديث

أولاً: اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه الأمة

ثانياً: أهمية هذه الوصية لأنها صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم

ثالثاً: إن كان قول ابن عباس كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يعني الراحلة فنستنبط منه جواز الإرداف على الراحلة بشرط ألا يشق عليها

رابعاً: المناداة بما يقتضي العطف والانتباه والتلطف لمن هو دونه لقوله صلى الله عليه وسلم: يا غلام

خامساً: أن الجزاء من جنس العمل لقوله صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك

سادساً: أن الإنسان لا يطلب من غيره أن يسأل الله له لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا سألت فاسأل الله) اسأل أنت بنفسك ولا تقل يا فلان ادع الله لي فتحرم خير الدعاء اسأل الله كل شيء حتى جاء في الحديث (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله) أخرجه الترمذي

سابعاً: أن أقلام المقادير قد رفعت لقوله صلى الله عليه وسلم (رفعت الأقلام) لكن اسأل الله لأنك لا تدري ما الذي كتب لك

ثامناً: وجوب الإيمان بالقضاء والقدر لقوله صلى الله عليه وسلم: واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك

تاسعاً: البشارة للصابرين

عاشراً: تسلية الإنسان عند حصول المصيبة أن لا يندم على ذلك

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/3/24 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر