الدرس الحادي عشر باب الحيض

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 25 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 2887 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد

هذا الباب من أصعب أبواب الفقه عند الفقهاء

والحيض في اللغة : السيلان يقال حاض الوادي إذا سال

وفي الشرع : دم طبيعة يصيب المرأة في أيام معلومة إذا بلغت خلقه الله لحكمة غذاء الولد ولهذا لا تحيض الحامل في الغالب لأن هذا الدم بإذن الله ينصرف إلى الجنين عن طريق السرة ويتفرق في العروق ليتغذى به إذ أنه لا يمكن أن يتغذى بالأكل والشرب في بطن أمه لأنه لو تغذى بالأكل والشرب لا احتاج غذاؤه إلى الخروج هكذا قال الفقهاء رحمهم الله

والحيض دم طبيعة ليس دما طارئاً أو عارضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم" رواه البخاري ومسلم بخلاف الاستحاضة فهي دم طارئ عارض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الاستحاضة "إنها دم عرق" رواه البخاري ومسلم فإذا عرفت المرأة أنه مكتوب عليها وعلى غيرها فإنه يهون عليها قوله "لا حيض قبل تسع سنين" أي لا حيض شرعا قبل تسع سنين فإن حاضت قبل تمام التسع فليس بحيض

قوله "ولا بعد خمسين" أي ولا حيض بعد تمام الخمسين وما بعد الخمسين فليس بدم حيض قال شيخ الإسلام وابن المنذر وجماعة من أهل العلم لاصحة لهذا التحديد وأن المرأة متى رأت الدم المعروف عند النساء أنه حيض فهو حيض صغيرة كانت أو كبيرة لعموم قوله تعالى "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى" البقرة (222) فقوله "قل هو أذى" حكم معلق بعلة وهو الأذى فإذا وجد هذا الدم الذي هو الأذى وليس دم عرق فإنه يحكم بأنه حيض والله علق نهاية الحيض باليأس إذا كانت عادتها مستمرة فلا دليل على تحديد بدايته ونهايته

قوله "ولا مع حمل" أي لا حيض مع الحمل لقوله تعالى "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ" البقرة (228) والراجح أن الحامل إذا رأت الدم المطرد الذي يأتيها على وقته وشهره وحاله فإنه حيض تترك من أجله الصلاة والصوم وغير ذلك إلا أن يختلف عن الحيض في غير الحمل والحيض مع الحمل يجب التحفظ فيه وهو أن المرأة إذا استمرت تحيض حيضها المعتاد على سيرته التي كانت قبل الحمل فهو حيض أما لو انقطع عنها الدم ثم عاد وهي حامل فإنه ليس بحيض

قوله "وأقله يوم وليلة" أي أربع وعشرون ساعة فلو أنها رأت الحيض لمدة عشرين ساعة وهو المعهود لها برائحته ولونه و ثخونته فليس حيضا هذا المذهب وهذا ليس بدليل لأن من النساء من تحيض ساعات ثم تطهر فالصحيح أنه لاحد لأقله

قوله "وأكثره خمسة عشرة يوما" وهذا هو المذهب واستدلوا بالعادة والصحيح في ذلك أيضا أنه لا حد لأكثره فمن النساء من تكون لها عادة مستقرة سبعة عشر يوما أو ستة عشر يوما فإذا كان لها عادة مستقرة سبعة عشر يوما مثلا فهذا حيض أما لو استمر الدم معها كل الشهر أو انقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين أو كان منقطعا يأتي ساعات وتطهر ساعات في الشهر كله فهي مستحاضة

قوله "وغالبه ست او سبع" أي غالب الحيض ست ليال أو سبع وهذا هو الواقع فإنه عند غالب النساء يكون ستا أو سبعا

وقوله "و أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما" فلو أتاها بعد تسعة أيام بعد طهرها فليس بحيض والصحيح أنه لاحد لأقل الطهر كما اختاره شيخ الاسلام

قوله "ولا حد لأكثره" أي لا حد لأكثر الطهر بين الحيضتين لأنه وجد من النساء من لا تحيض أبدا وهذا صحيح

قوله "وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة" لأن الصوم لا يأتي في السنة إلا مرة واحدة والصلاة تتكرر كثيرا فلو ألزمت لكان ذلك عليها شاقاً ولأنها لن تعدم الصلاة لتكررها فإذا لم تحصل لها أول الشهر حصلت لها آخرها

قوله "ولا يصحان منها" أي لا يصح منها صوم ولا صلاة

قوله "بل يحرمان" أي الصوم والصلاة لأن كل ما لا يصح فهو حرام قال صلى الله عليه وسلم "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل و إن كان مائة شرط" رواه البخاري ومسلم

قوله "ويحرم وطؤها في الفرج" أي يحرم وطء الحائض في فرجها والحرام مانهى عنه الشارع على سبيل الإلزام بالترك وحكمه يثاب تاركه امتثالاً ويستحق العقاب فاعله ودليل التحريم قوله تعالى "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ" البقرة (222) وقوله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" رواه مسلم أي إلا الوطء

قوله "فإن فعل" أي وطئها في الفرج

قوله "فعليه دينار أو نصفه كفارة" أي يجب عليه دينار أو نصفه كفارة والدينار العملة من الذهب وزنة الدينار الإسلامي مثقال من الذهب والمثقال غرامان وربع والجنيه السعودي مثقالان إلا قليل فنصف جنيه سعودي يكفي فيسأل عن قيمته في السوق فمثلا إذا كان الجنيه السعودي يساوي مائة ريال فالواجب خمسون ريالاً ويدفع إلى الفقراء ووجوب الكفارة من مفردات المذهب والأئمة الثلاثة يرون أنه آثم بلا كفارة والشافعي رحمه الله قال لو ثبت هذا الحديث لقلت به يريد حديث ابن عباس الذي ضعفه بعض العلماء

قوله "ويستمتع منها بما دونه" أي يستمتع الرجل من الحائض بما دون الفرج لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل ماذا يحل للرجل من امرأته وهي حائض قال "لك فوق الإزار" رواه ابو داود قال النووي اسناده جيد

قوله "وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق" يعني إذا انقطع الدم ولم تغتسل بقي كل شيء على تحريمه إلا الصيام والطلاق أما الصيام لأنها إذا طهرت صارت كالجنب تماما والجنب يصح منه الصيام لما روته عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم"رواه البخاري ومسلم وأما عن الطلاق فالمرأة تطهر بانقطاع الدم غير أنه لا يجوز الجماع حتى تغتسل لقوله تعالى "وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ " البقرة (222)

قوله "والمبتدأة تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي" المبتدأة هي التي ترى الحيض لأول مرة ومعني قوله "تجلس" أي تدع الصلاة والصيام وقوله "أقله" أي أقل الحيض وهو يوم وليله على قول المصنف قوله "ثم تغتسل وتصلي" أي بعد أن يمضي أربع وعشرون ساعة تغتسل وتصلي ولو لم يتوقف الدم وعللوا بأن أقل الحيض هو المتيقن وما زاد مشكوك فيه فيجب عليها أن تجلس أقل الحيض وقوله "وتصلي" أي المفروضة

قوله "فإن انقطع لأكثره فما دون اغتسلت عند انقطاعه"أي انقطع الدم لأكثر الحيض كخمسة عشر يوما فما دونه كتسعة أيام إن لم ينقص عن يوم وليلةمثال ذلك امرأة جلست يوم وليلة ثم اغتسلت وصارت تصلي وتصوم الواجب فانقطع لأكثره فأقل فمثلا انقطع لتسعة أيام فتغتسل مرة أخرى ولهذا قال اغتسلت عند انقطاعه وهذا على سبيل الوجوب لاحتمال أن يكون الزائد عن اليوم والليلة حيضا وهذا على قول المصنف وإلا فلا حد لأكثره ولا لأقله

قوله "فإن تكرر ثلاثا فحيض" إذا كانت تصلي وتصوم وتبين أنها أيام حيض فإن الصلاة لا تقضى وتقضي الصوم

قوله "وتقضي ما وجب فيه" أي تقضي كل عبادة واجبة على الحائض لا تصح منها حال الحيض

قوله "وإن عبر أكثره فمستحاضه" "عبر" أي جاوز "أكثره" أي أكثر الحيض وهو خمسة عشر يوما "فمستحاضه" ويكون من مبتدأة ومعتادة

قوله "فإن كان بعض دمها أحمر و بعضه أسود" هذه علامة من علامات التمييز والتمييز التبين حتى يعرف هل هو دم حيض أم مستحاضه والمؤلف رحمه الله ذكر علامة واحدة وهي اللون والتمييز له أربع علامات

الأولى اللون فدم الحيض أسود والاستحاضة أحمر

الثانية الرقة فدم الحيض ثخين عليظ والاستحاضة رقيق

الثالثة الرائحة فدم الحيض منتن كريه والاستحاضة غير منتن لأنه دم عرق عادي

الرابعة التجمد فدم الحيض لا يتجمد إذا ظهر لأنه تجمد في الرحم ثم انفجر وسال فلا يعود ثانية للتجمد والاستحاضة يتجمد لأنه دم عرق هكذا قال بعض المعاصرين من أهل الطب

قوله "ولم يعبر أكثره" أي لم يتجاوز الأسود أكثر الحيض لأنه إذا عبر أكثره لم يصلح أن يكون حيضا فلو أن امرأة جاءها الدم لمدة خمسةٍ وعشرين يوما منها عشرون يوما أسود وخمسة أحمر فالأسود لا يصلح أن يكون حيضا لأنه تجاوز أكثر الحيض

قوله "ولم ينقص عن أقله فهو حيضها تجلسه في الشهر الثاني والأحمر استحاضه" أي لم ينقص الأسود عن أقل الحيض وأقله يوم وليلة فلو قالت المبتدأة إنه أول يوم أصابها الدم كان أسود ثم صار أحمر لمدة عشرين يوما فلا ترجع إلى التمييز لأنه لا يصلح أن يكون حيضا لنقصانه عن يوم وليلة وإن قالت أصابها الدم الأسود خمسة أيام فإنه حيض لأنه لم ينقص عن أقله ولم يزد على أكثره والباقي الأحمر استحاضة

قوله "وإن لم يكن دمها متميزا قعدت غالب الحيض" "قعدت" أي مبتدأة وغالب الحيض ستة أيام أو سبعة والأرجح أن ترجع إلى عادة نسائها كأمها وأختها وما أشبه ذلك لا إلى عادة غالب الحيض لأن مشابهة المرأة لأقاربها أقرب من مشابهتها لغالب النساء

قوله "من كل شهر"لأن غالب النساء تحيض في الشهر مرة لقوله تعالى "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ" البقرة (228) فجعل الله لكل حيضة شهر وهذا هو الغالب وتبدأ الشهر من أول دم أصابها

قوله "والمستحاضة المعتادة ولو مميزة تجلس عادتها" "المعتادة" هي التي كانت لها عادة سليمة قبل الاستحاضة ثم اصيبت بمرض الاستحاضة

مثال ذلك امرأة كانت تحيض حيضا مطردا سليما ستة أيام من أول كل شهر ثم أصيبت بمرض الاستحاضة فجاءها نزيف يبقى معها أكثر الشهر فهذه مستحاضة معتادة فعليها كلما جاء الشهر تجلس من أول يوم إلى اليوم السادس

وقوله "ولو مميزة" أي هذه المعتادة تجلس العادة ولو كان دمها متميزا فيه الحيض عن غيره

قوله "وإن نسيتها عملت بالتمييز الصالح" التمييز الصالح هو الذي يصلح أن يكون حيضا بأن لاينقص عن أقله ولا يزيد على أكثره

مثاله : امرأة نسيت عادتها هل هي في أول الشهر أو وسطه أو آخره فترجع إلى المرحلة الثانية وهي التمييز لأنها لما نسيت العادة تعذر العمل بها

قوله "فإن لم يكن لها تمييز فغالب الحيض" أي ليس لها تمييز بأن كان دمها لا يتغير فتجلس غالب الحيض

والراجح في المبتدأة أنها ترجع إلى أقاربها وتأخذ بعادتهن في الغالب من أول الشهر الهلالي ولا نقول من أول يوم أتاها الحيض لأنها قد نسيت العادة

قوله "كالعالمة بموضعه الناسية لعدده" أي كما تجلس العالمة بموضعه الناسية لعدده أي أن العالمة بموضعه الناسية لعدده تجلس غالب الحيض ولا ترجع للتمييز

مثاله : امرأة تقول إن عادتها تأتيها في أول يوم من الشهر الهلالي لكنها لا تدري هل هي ستة أيام أو سبعة أو عشرة فهي نسيت العدد وعلمت الموضع فعليها أن ترجع إلى غالب الحيض فتجلس ستة أيام أو سبعة من أول الشهر لأنها علمت أن عادتها من أول الشهر وسبق أنها ترجع إلى غالب عادة نسائها على القول الراجح

قوله "وإن علمت عدده ونسيت موضعه من الشهر" هذه المسألة عكس المسألة السابقة علمت العدد ونسيت الموضع من الشهر فعليها أن تجلس من أول الشهر على حسب عادتها

قوله "ولو في نصف جلستها من أوله" "لو" اشارة خلاف أي علمت أنها في نصفه لكن لا تدري في أي يوم من النصف هل هو في الخامس عشر أو العشرين فترجع إلى أول الشهر لسقوط الموضع وهذا هو المذهب والصحيح أنها تجلس من أول النصف لأنه أقرب من أول الشهر

قوله "كمن لا عادة لها ولا تمييز" "من" نكرة موصوفة والتقدير كمبتدأة وعرفنا هذا التقدير من قوله لا عادة لها إذا فالمبتدأة التي لا عادة لها ولا تمييز تجلس غالبه من أول الشهر وهذه فائدة قوله "كمن لا عادة لها ولا تمييز" والصحيح في المبتدأة أن دمها دم حيض مالم يستغرق أكثر الشهر فالمبتدأة من حين مجيء الحيض إليها فإنها تجلس حتى تطهر أو تتجاوز خمسة عشر يوما لقوله تعالى "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى" البقرة (222) فمتى وجد هذا الدم الذي هو أذى فهو حيض قل أو كثر وإن استغرق دم المبتدأة أكثر الوقت فإنها حينئذ مستحاضة ترجع إلى التمييز فإن لم يكن تمييز فغالب الحيض أو حيض نسائها هذا هو الصحيح

قوله "ومن زادت عادتها" "من" اسم شرط جازم يفيد العموم فيشمل كل امرأة

مثاله : امرأة عادتها خمسة أيام ثم زادت فصارت سبعة أيام

قوله "أو تقدمت" مثاله امرأة عادتها في آخر الشهر فجاءتها في أول الشهر

قوله "أو تأخرت" مثاله عادتها في أول الشهر فجاءتها في آخره

قوله "فما تكرر ثلاثا فحيض" كالمبتدأة تماما

مثال الزيادة عادتها خمسة أيام فجاءها الحيض سبعة فتجلس خمسة فقط ثم تغتسل وتصلي وتصوم فإذا انقطع اغتسلت ثانية كالمبتدأة إذا زاد دمها على أقل الحيض و إذا كان الشهر الثاني وحاضت سبعة تفعل كما فعلت في الشهر الأول و إذا كان الشهر الثالث وحاضت سبعة صار حيضا وحينئذ يجب عليها أن تقضي ما يجب على الحائض قضاؤه فيما فعلته بعد العادة الأولى فتقضي الصوم الواجب إن كانت صامت في اليومين والطواف الواجب إن كانت طافت فيهما لأنه تبين أنهما حيض وهذا مبني على ما سبق في المبتدأة وتقدم أن الصحيح أن المبتدأة تجلس حتى تطهر وعلى هذا إذا زادت العادة وجب على المرأة أن تبقى لا تصلي ولا تصوم ولا يأتيها زوجها حتى تطهر ثم تغتسل وتصلي لأن هذا دم الحيض ولم يتغير فما دام هذا الأذى موجودا فهو حيض

ومثال التقدم عادتها في آخر الشهر فجاءها في أوله فتنتظر فإذا تكرر ثلاثا فحيض وإلا فليس بشيء والصحيح أنه حيض وأنه لو كانت عادتها في آخر الشهر ثم جا ءتها في أوله في الشهر الثاني وجب عليها أن تجلس ولا تصلي ولا تصوم ولا يأتيها زوجها

ومثال التأخر عادتها في أول الشهر ثم تأخرت إلى آخره فعلى ما سار عليه المؤلف إذا جاءها في آخره لا تجلس وإن كان هو دم الحيض الذي تعرفه برائحته و غلظه وسواده حتى يتكرر ثلاثا وتصلي وتصوم فإذا تكرر ثلاث مرات أعادت ما يجب على الحائض قضاؤه والراجح أنه إذا تأخرت عادتها وجب عليها أن تجلس لكونه حيضا لأنه معلوم بوصف الله إياه بأنه أذى

قوله "وما نقص عن العادة طهر" هذا تغير العادة بنقص

مثاله : عادتها سبع فحاضت خمسة ثم طهرت فإن ما نقص طهر يجب عليها أن تغتسل وتصلي

و علامة الطهر سائل أبيض يخرج إذا توقف الحيض وعند بعضهن لا يخرج

قوله "وما عاد فيها جلسته" أي ما عاد في العادة بعد انقطاعه فإنها تجلسه بدون تكرار

مثاله : عادتها ستة أيام وفي اليوم الرابع انقطع الدم وطهرت طهرا كاملا وفي اليوم السادس جاءها الدم فإنها تجلس في اليوم السادس لأنه في زمن العادة فإن لم يعد إلا في اليوم السابع فإنها لا تجلسه لأنه خارج عن العادة وقد سبق أنه إذا زادت العادة فليس بحيض حتى يتكرر ثلاث مرات وسبق القول الراجح في ذلك

قوله "والصفرة والكدرة" سائلان يخرجان من المرأة أحيانا قبل الحيض وأحيانا بعده

والصفرة ماء أصفر كماء الجروح

والكدرة ماء ممزوج بحمرة وأحيانا يمزج بعروق حمراء كالعلقة فهو كالصديد يكون ممتزجا بمادة بيضاء وبدم

قوله "في زمن العادة حيض" أي في وقتها

والراجح أنهما ليسا بحيض مطلقا كقول أم عطية "كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا" رواه البخاري ومعنى قولها "شيئا" من الحيض وليس المعنى أنه لا يؤثر لأنه ينقض الوضوء بلا شك وظاهر كلامها العموم

قوله "ومن رأت يوما دما ويوما نقاء فالدم حيض والنقاء طهر" مثاله :امرأة ترى يوما دما ويوما نقاء فإذا أذن المغرب في اليوم الثاني رأت الطهر فالحكم يدور مع علته فيوم الحيض له أحكام الطهر لأن هذا هو مقتضى قوله تعالى "قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ" البقرة (222) فما دام الأذى وهو الدم موجود فهو حيض وإذا حصل لها النقاء منه فهو طهر وعلى هذا فيلزم المرأة أن تغتسل ثلاث مرات في ستة أيام وهذا فيه مشقة عليها والصحيح أن اليوم ونصف اليوم لا يعد طهر لأن عادة النساء أن تجف يوما أو ليلة وتترقب نزول الدم فإذا كان هذا من العادة فإنه يحكم لهذا اليوم الذي رأت فيه النقاء بأنه يوم حيض لا يجب عليها فيه غسل ولا صلاة لقول عائشة رضي الله عنها للنساء إذا أحضرن لها الكرسف وهو القطن لتراها هل طهرت المرأة أم لا فتقول "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" رواه البخاري فجفاف المرأة أربع وعشرين ساعة أو قريب من هذا لا يعد طهر لأنه معتاد عند النساء

قوله "ما لم يعبر أكثره" أي مالم يتجاوز مجموعها أكثر الحيض فإن تجاوز أكثره فالزائد عن خمسة عشر يوما يكون استحاضة

قوله "والمستحاضة ونحوها" المستحاضة على المذهب هي التي يتجاوز دمها أكثر الحيض

قوله "ونحوها" أي مثلها والمراد به من كان حدثه دائما كمن به سلس البول أو الغائط فحكمه حكم المستحاضة

قوله "تغسل فرجها" أي بالماء فلا يكفي تنظيفه بالمناديل وشبهها بل لا بد من غسله حتى يزول الدم لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش "إغسلي عنك الدم وصلي" رواه البخاري ومسلم

قوله "وتعصبه" أي تشده بخرقة ويسمى تلجما واستثفارا

قوله "وتتوضأ لوقت كل صلاة" أي يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء

قوله "وتصلي فروضا و نوافل" أي إذا توضأت للنفل فلها أن تصلي لأن طهارتها ترفع الحدث

قوله "ولا توطأ إلا مع خوف العنت" يعني أن المستحاضة لا يحل وطؤها إلا مع خوف العنت أي المشقة بترك الوطء هذا هو المذهب والصحيح أنه ليس بحرام لقوله تعالى "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ" البقرة (223)

قوله "ويستحب غسلها لكل صلاة" أي غسل المستحاضة لوقت كل صلاة لا لفعل كل صلاة هذا إذا قويت أن تغتسل لكل صلاة و لأن الاغتسال يوجب تقلص أوعية الدم وإذا تقلصت انسدت فيقل النزيف وربما انقطع بهذا الاغتسال لأن دم الاستحاضة دم عرق ودم العرق يتجمد مع البرودة

قوله "وأكثر مدة النفاس أربعون يوما" النفاس آخر الدماء وهو يخرج من المرأة بعد الولادة أو معها أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق أما بدون طلق قبل الولادة دم فساد وليس بشيء والغالب أنه إذا تم للحمل تسعون يوما تبين فيه خلق الإنسان وعلى هذا إذا وضعت لتسعين يوما فهو نفاس

وتستمر في نفاسها حتى تبلغ ستين يوماً وهذا قول مالك والشافعي وحكاه ابن عقيل رواية عن أحمد وعللوا بأن المرجع فيه إلى الوجود وقد وجد من بلغ نفاسها ستين يوما والراجح أن الدم إذا كان مستمرا على وتيرة واحدة فإنها تبقى إلى تمام ستين ولا تتجاوزه ولا حد لأقله

قوله "ومتى طهرت قبله" أي طهرت النفاس قبل مدة أكثر النفاس وذلك بانقطاع الدم

قوله "تطهرت" أي اغتسلت

قوله "وصلت" أي فروضا ونوافل

قوله "ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد التطهر" خوفا من أن يرجع الدم لأن الزمن زمن نفاس والراجح أنه يجوز وطؤها قبل الأربعين إذا تطهرت

قوله "فإن عاودها الدم" أي عاد الدم إلى النفساء بعد انقطاعه

قوله "فمشكوك فيه" أي لا ندري أنفاس هو أم دم فساد ولكل حكم

قوله "تصوم وتصلي" أي يجب عليها أن تتطهر وتصلي وتصوم

قوله "وتقضي الواجب" يعني من الصوم والصلاة إن كان يقضى

مثال ذلك : امرأة كان يوم طهرها في اليوم العاشر من رمضان ولها عشرون يوما في النفاس واستمر الطهر إلى عشرين من رمضان ثم عاودها الدم في العشر الأواخر من رمضان فيجب عليها أن تصلي وتصوم احتياطا لأنه يحتمل أنه ليس دم نفاس والراجح أنه إن كان العائد دم نفاس بلونه ورائحته وكل أحواله فليس مشكوكا فيه بل هو دم معلوم وهو دم النفاس فلا تصوم ولا تصلي وتقضي الصوم دون الصلاة وإن علمت بالقرائن أنه ليس دم نفاس فهي في حكم الطاهرات تصوم وتصلي ولا قضاء عليها

قوله "وهو كالحيض فيما يحل" يعني أن حكم النفاس حكم الحيض فيما يحل كاستمتاع الرجل بالمرأة بغير الوطء والمرور في المسجد مع أمن التلويث

قوله "ويحرم" يعني أنه كالحيض فيما يحرم كالصوم والصلاة

قوله "ويجب" يعني أنه كالحيض فيما يجب كالغسل إذا طهرت

قوله "ويسقط" يعني أنه كالحيض فيما يسقط له كالصلاة والصوم فإنهما يسقطان عنها لكن الصوم يجب قضاؤه والصلاة لا تقضى

قوله "غير العدة" يعني أن النفاس يفارق الحيض في العدة فالحيض يحسب من العدة والنفاس لا يحسب منها

مثال ذلك : إذا طلق زوجته فإنها تعتد بثلاث حيض وكل حيضة تحسب من العدة أما النفاس لا يحسب لأنه إذا طلقها قبل الوضع انتهت العدة بالوضع

قوله "والبلوغ" يعني أن الحيض من علامات البلوغ أما الحمل فليس من علامات البلوغ لأنها إذا حملت فقد علمنا أنها أنزلت وحصل البلوغ بالإنزال السابق على الحمل

قوله "وإن ولدت توأمين" أي ولدين

قوله "فأول النفاس وآخره من أولهما" أي أول الولدين خروجا

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/3/24 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر