الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: 
قوله: "ويجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض غسله واحدة تذهب بعين النجاسة" هذا تخفيف باعتبار الموضع فإذا طرأت النجاسة على أرض فإنه يشترط لطهارتها أن تزول عين النجاسة بغسلة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم لَمَّا بالَ أعرابيٌّ في المسجد " دَعُوهُ، وأَهْرِيقُوا علَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِن مَاءٍ " رواه البخاري، ولم يأمر بعدد.
وإذا كانت النجاسة ذاتَ جِرمٍ فلا بُدَّ أولا من إزالة الجِرم كما لو كانت عذرة أو دماً جف ، ثم يتبع بالماء، فإن أزيلت بكل ما حولها من رطوبة كما لو اجتثت اجتثاثا فإنه لا يحتاج إلى غسل.
قوله "وعلى غيرها سبع" أي يجزئ في غسل النجاسات على غير الأرض سبع غسلات كل غسلة منفصلة عن الأخرى فيغسل أولا ثم يعصر وهكذا إلى سبع 
قوله "إحداها بتراب في نجاسة كلب وخنزير" أي إحدى الغسلات السبع بتراب والدليل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وعبد الله بن مغفل "أمر إذا ولغ الكلب في الإناء أن يغسل سبع مرات" رواه البخاري ومسلم وفي رواية مسلم "أولاهن بالتراب" وقوله "وخنزير" الخنزير معروف بفقد الغيرة والخبث وأكل العذرة وفي لحمه جراثيم ضارة قيل إن النار لا تؤثر في قتلها ولذا حرمه الشارع والصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره فتغسل كما تغسل بقية النجاسات 
قوله "ويجزئ عن تراب أشنان ونحوه" الأشنان شجر يدق ويكون حبيبات كحبيبات السكر أو أصغر تغسل به الثياب سابقا وهو خشن كخشونة التراب ومنظف ومزيل والصحيح أنه لا يجزئ عن التراب واستعمال الأشنان خير من عدمه و ما أمسك كلب الصيد بفمه فالصحيح أنه لا يجب غسل ما أصاب فمه عند صيده لأن صيد الكلب مبني على التيسير في أصله قال شيخ الإسلام إن هذا مما عفا عنه الشارع لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بغسل ما أصابه فم الكلب من الصيد الذي صاده  
قوله "وفي نجاسة غيرهما سبع بلا تراب" أي يجزئ في نجاسة غير الكلب والخنزير سبع غسلات بلا تراب وهذا هو المذهب والصحيح أنه يكفي غسله واحدة تذهب بعين النجاسة ويطهرالمحل ما عدا الكلب فإن لم تزل النجاسة بغسلة واحدة زاد ثانيةً وهكذا 
قوله "ولا يطهر متنجس بشمس" المتنجس ما أصابته النجاسة ولا تذهب نجاسته بالشمس وهذا هو المشهور من المذهب أن الماء يشترط لإزالة النجاسة وذهب أبو حنيفة إلى أن الشمس تطهر المتنجس إذا زال أثر النجاسة بها وأن عين النجاسة إذا زالت بأي مزيل طهر المحل وهذا هو الصواب لأن النجاسة عين خبيثة نجاستها بذاتها فإذا زالت عاد الشيء إلى طهارته 
قوله "ولا ريح" اي لا يطهر المتنجس بالريح يعني الهواء هذا هو المشهور من المذهب لأنه لا يطهر إلا الماء والصحيح أنه يطهر المتنجس بالريح لكن مجرد اليبس ليس تطهيرا بل لابد أن يمضي عليه زمن بحيث تزول عين النجاسة وأثرها لكن يستثنى من ذلك لو كان المتنجس أرضا رملية فحملت الريح النجاسة وما تلوث بها فزالت وزال أثرها فإنها تطهر 
قوله "ولا دلك" أي لا يطهر المتنجس بالدلك مطلقا هذا هو المذهب والصحيح أنه يطهر بالدلك لو تنجست مرآة ثم دلكتها حتى أصبحت واضحة لا دنس فيها فإنها تطهر أما ما لا يمكن إزالة النجاسة بدلكها لكونها خشنة فهذا لا يطهر بالدلك لأن أجزاء من النجاسة تبقى في خلاله 
قوله "ولا استحالة" أي تحول من حال إلى حال أي أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة لأن عينها باقية مثاله روث حمار أوقد به فصار رمادا فلا يطهر لأن هذه هي عين النجاسة والنجاسة العينية لا تطهر أبدا 
قوله "غير الخمر" الخمر اسم لكل مسكر هكذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ، " رواه مسلم 
والخمر حرام في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين وجمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة واختاره شيخ الإسلام أنها نجسة و استدلوا بقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" المائدة (90)  والرجس يعني النجس. ونجاسةُ الخمر نجاسةٌ عينية، وهو ما عليه الجمهور، وهو الأقوى من القول بالنجاسة المعنوية. 
قوله "فإن خللت" الضمير يعود إلى الخمرة وتخليلها أن يضاف إليها ما يذهب شدتها المسكرة من نبيذ وغيره والمشهور من المذهب أنها إذا خللت لا تطهر ولو زالت شدتها المسكرة 
قوله "أو تنجس دهن مائع لم يطهر" الدهن تارة يكون مائعا وتارة يكون جامدا فإذا كان جامدا وتنجس فإنها تزال النجاسة وماحولها؛  فعن مَيمونةَ بنت الحارثِ أُمّ المؤمنينَ :" أنَّ فأرةً وقعت في سمنٍ فماتت، فسُئلَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنها ؟ فقالَ : ألقوها وما حولَها وَكُلوهُ" (صحيح البخاري)، وأمَّا السَّمْنُ المائعُ والزَّيتُ وسائرُ المائعاتِ تقَعُ فيه الميتةُ، فإنَّها لا يُؤكَلُ منها شَيءٌ، وتُرْمَى كلُّها.
قوله "وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله" يعني إذا أصابت النجاسة شيئا وخفي مكانها وجب غسل ما أصابته حتى يتيقن زوالها، فإذا كانت النجاسة أصابت أحد كُمَيِّهِ فيتحرى أيَّ الكُمَّيْنِ أصابتْهُ النجاسةُ ثم يغسله، وإذا غلب على ظنه أنها أصابت أحدَهما فيغسله وحدَه .
قوله "ويطهر بول غلام" غلام خرج به الجارية .
قوله "لم يأكل الطعام بنضحه" النضح أن يتبعه الماء دون فرك أو عصر حتى يشمله كله لحديث عائشة وأم قيس بنت محصن الأسدية أن النبي صلى الله عليه وسلم "أتي بغلام فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله" رواه البخاري ومسلم والتفريق بين بول الغلام والجارية أمر تعبدي. 
قوله "ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس" العفو التسامح والتيسير والمائع هو السائل كالماء واللبن والمطعوم مايطعم كالخبز وما أشبهه فيعفى في غير هذين النوعين كا الثياب والفرش وما أشبه ذلك عن يسير دم نجس أما المائع والمطعوم فلا يعفى عن يسيره فيهما هذا هو المذهب والراجح العفو عن يسيره فيهما كغيرهما ما لم يتغير أحد أو صافهما بالدم 
قوله "من حيوان طاهر" الحيوانات قسمان طاهر ونجس فالطاهر كل حيوان حلال كبهيمة الأنعام والخيل والظباء والأرانب ونحوها والنجس كل حيوان محرم الأكل 
قوله "وعن أثر استجمار بمحله" أي يعفى عن أثر استجمار بمحله والمراد الاستجمار الشرعي بأن يكون بثلاثة أحجار "فعن سلمانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((... نَهانا أن نستقبلَ القِبلةَ لغائطٍ أو بولٍ، أو أنْ نستنجيَ باليمينِ، أو أنْ نستنجيَ بأقلَّ مِن ثلاثةِ أحجارٍ، أو أنْ نستنجيَ برجيعٍ أو بعَظمٍ" (صحيح مسلم) فإذا تمت شروطه فإن الأثر الباقي بعد هذا الاستجمار يعفى عنه في محله ولا يطهر المحل بالكلية إلا بالماء فإذا صلى الإنسان وهو مستجمر وقد توضأ فصلاته صحيحة ولا يقال فيه أثر النجاسة لأن هذا الأثر معفو عنه في محله  فلو تجاوز محله لم يعف عنه وعلم من كلام المؤلف أن الاستجمار لا يطهر وأن أثره نجس لكن يعفى عنه في محله .
قوله "ولا ينجس الآدمي بالموت" لقوله صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن لا ينجس بالموت" رواه البخاري ومسلم 
قوله "ومالا نفْسَ له سائلةٌ متولد من طاهر" .قوله "نفس" أي دم وقوله "سائلة" أي يسيل إذا جرح أو قتل وقوله "متولد من طاهر" أي مخلوق من طاهر فهذا لا ينجس بالموت مثل العقرب والجراد فإذا سقط  في ماء ومات فيه فلا ينجس لأنه طاهر، ومفهوم قوله "متولد من طاهر" انه إذا تولد من نجس فهو نجس مثل صراصير المراحيض على المذهب نجسة لأنها متولدة من نجس .
قوله "وبول ما يؤكل لحمه وروثه" يعني أنه طاهر كالإبل والبقر والغنم والدليل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم "أمر العرنيين أن يلحقوا إبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها" رواه البخاري ومسلم ولم يأمرهم بغسل الأواني ولو كانت نجسة لم يأذن لهم بالشرب كما أذن بالصلاة في مرابض الغنم وهي لا تخلوا من البول والروث. 
قوله "ومني الآدمي" أي طاهر وهو ماء غليظ ، والدليل على طهارته أن عائشة رضي الله عنها "كانت تفرك اليابس من مني النبي صلى الله عليه وسلم" رواه مسلم "وتغسل الرطب منه" رواه البخاري ومسلم ولو كان نجسا ما اكتفت فيه بالفرك 
وقوله "ورطوبة فرج المرأة" أي طاهر وهو المذهب. 
قوله "وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر" السؤر بقية الطعام والشراب ودليل طهارته قوله صلى الله عليه وسلم في الهرة " إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وْالطَّوَّافَاتِ" صححه الألباني في إروا الغليل، والطّوَاف من يكثر الترداد ومنه الطواف بالبيت لأن الإنسان يكثر الدوران عليه وقوله "وما دونها في الخلقة طاهر" الدليل القياس على الهرة والقياس إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة وإذا كانت العلة في الهرة هي التطواف وجب تعليق الحكم به والعلة هي التطواف وهي معلومة المناسبة وهي مشقة التحرز فيجب أن يعلق الحكم بها وعلى هذا كل ما يكثر التطواف على الناس مما يشق التحرز منه فحكمه كالهرة . 
قوله "وسباع البهائم" يعني نجسة وسباع البهائم هي التي تفترس كالذئب والضبع والنمر والفهد وما أشبه ذلك مما هو أكبر من الهرة 
قوله "والطير" أي وسباع الطير كالنسر التي هي أكبر من الهرة  
قوله "والحمار الأهلي" احترازا من الحمار الوحشي لأن الوحشي حلال الأكل فهو طاهر وأما الأهلي فهو محرم نجس كما في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر أبا طلحة أن ينادي يوم خيبر إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس أو نجس" رواه البخاري ومسلم. 
قوله "والبغل منه نجسه" أي من الحمار الأهلي والبغل دابة تتولد من الحمار إذا نزا على الفرس وتعليل ذلك تغليب جانب الحظر لأن هذا البغل خلق من الفرس والحمار الأهلي على وجه لا يتميز به أحدهما عن الآخر فلا يمكن اجتناب الحرام إلا باجتناب الحلال .
  وبالله التوفيق 
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين