الدرس التاسع بـاب الـتـيــمـمـ

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 24 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 2811 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

التيمم لغة القصد

وشرعا التعبد لله تعالى بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين به وهو من خصائص هذه الامة لما رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "أعطيت خمسا لم يعطهن نبي من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ..." متفق عليه

وكانت الأمم في السابق إذا لم يجدوا ماء بقوا حتى يجدوا الماء فيتطهروا به وفي هذا مشقة عليهم وحرمان للإنسان من الصلة بربه وإذا انقطعت الصلة بالله حدثت للقلب قسوة وغفلة

وسبب نزول آية التيمم ضياع عقد عائشة رضي الله عنها التي كانت تتجمل به للنبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا العقد عاريه فلما ضاع بقي الناس يطلبونه فأصبحوا ولا ماء معهم فأنزل الله آية التيمم فلما نزلت بعثوا البعير فوجدوا العقد تحته فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه "ماهي بأول بركتكم يا آل أبي بكر"رواه البخاري ومسلم

قوله "وهو بدل طهارة الماء" أي ليس أصلا لأن الله تعالى يقول "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا" المائدة (6) فهو بدل أصل وهو الماء إذ لا يمكن العمل به مع وجود الأصل وإلا فهو قائم مقامه وهو رافع للحدث لقوله تعالى لما ذكر التيمم "مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ" المائدة (6) ولقوله صلى الله عليه وسلم "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" رواه البخاري ومسلم والطهور مايتطهر به

قوله "إذا دخل وقت فريضة أو أبيحت النافلة" أي يشترط للتيمم دخول الوقت أو اباحة النافلة وهذا هو الشرط الأول لصحة التيمم قوله "أو أبيحت نافلة" أي صار فعلها مباحا وذلك بأن تكون في غير وقت النهي فإذا كانت في وقت نهي فلا يتيمم لصلاة نفل والصواب أنه رافع فمتى تيمم في أي وقت صح لقوله صلى اله عليه وسلم "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"

قوله "وعدم الماء" هذا الشرط الثاني لصحة التيمم أن يكون غير واجد للماء لا في بيته ولا في رحله إن كان مسافرا ولا ما قرب منه

قوله "أو زاد على ثمنه كثيرا" أي إذا وجد الماء بثمن زاد على ثمنه كثيرا عدل إلى التيمم و لو كان معه آلاف الدراهم لأن هذه الزيادة تجعله في حكم المعدوم والصواب أنه إذا كان واجدا لثمنه قادرا عليه وجب عليه أن يشتريه بأي ثمن لقوله تعالى "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً" المائدة (6)

قوله "أو ثمن يعجزه" أي لا يقدر على بذله بحيث لا يكون معه ثمنه أو معه ثمن ليس كاملا

قوله "أو خاف باستعماله أو طلبه ضرر بدنه" فإذا تضرر بدنه باستعماله الماء صار مريضا فيدخل في عموم قوله تعالى "وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ" المائدة (6) كما لو كان في اعضاء وضوئه قروح أو في بدنه كله وخاف ضرر بدنه فله أن يتيمم

قوله "أو طلبه ضرر بدنه" أي خاف ضرر بدنه بطلب الماء لبعده بعض الشيء أو لشدة برودة الجو فيتيمم لقوله تعالى "ولا تقتلوا أنفسم" النساء (29)

قوله "أو رفيقه" أي خاف باستعمال الماء أو طلبه ضرر رفيقه

مثال ذلك أن يكون معه ماء قليل ورفقة فإن استعمل الماء عطش الرفقة وتضرروا فيتيمم ويدع الماء للرفقة

قوله "أو حرمته" أي خاف باستعمال الماء أو طلبه ضرر امرأته أو من له ولاية عليها من النساء

قوله "أو ماله" أي خاف باستعمال الماء أو طلبه تضرر ماله كما لو كان معه حيوان وإذا استعمل الماء تضرر أوهلك

قوله "بعطش" أي ضرر هؤلاء بعطش

قوله "أو مرض" مثاله أن يكون في جلده جروح تتضرر باستعمال الماء

قوله "أو هلاك" كما لو خاف أن يموت من العطش

قوله "ونحوه" أي من أنواع الضرر

قوله "شرع التيمم" أي وجب لما تجب له الطهارة بالماء كالصلاة

قوله "ومن وجد ماء يكفي بعض طهره تيمم بعد استعماله" يجمع بين الطهارة بالماء والتيمم

مثاله عنده ماء يكفي لغسل الوجه واليدين فقط فيجب أن يستعمل الماء أولا فيغسل وجهه ويديه ثم يتيمم لما بقي من أعضائة لقوله تعالى "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" التغابن (16)

قوله "ومن جرح تيمم له وغسل الباقي" يعني من كان في أعضائه جرح يضره الماء تيمم لهذا الجرح وغسل باقي الأعضاء وقال شيخ الإسلام لا يشترط الترتيب ولا الموالاة كالحدث الأكبر فيجوز التيمم قبل الوضوء أو بعده بزمن قليل أو كثير وهو الصحيح

قوله "ويجب طلب الماء" لقوله تعالى "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا" النساء (43)

قوله "في رحله" أي عند الجماعة الذين معه

قوله "وقربه" أي يجب عليه أن يطلب الماء فيما قرب منه

قوله "وبدلالة" أي يجب عليه أن يطلب الماء بدليل يدله عليه

قوله "فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد" أي لو كان يعرف أن حوله بئراً لكنه نسي فلما صلى وجد البئر فإنه يعيد الصلاة قوله "وإن نوى بتيممه أحداثاً" أجزأ هذا التيمم الواحد عن جميع هذه الأحداث

قوله "أو عدم ما يزيلها" مثاله أصابه بول على بدنه ولا ماء عنده يزيلها به فيتيمم والصحيح أنه لا يتيمم عن النجاسة مطلقا كما لو حبس في مكان نجس كالمرحاض فيتوضأ ويصلي على حسب حاله ولا يتيمم للنجاسة

قوله "أو خاف برد" أي خاف من ضرر البرد لو تطهر بالماء فإن وجد مايسخن به الماء أو يتقي به الهواء وجب عليه استعمال الماء أخذا بقول الله تعالى "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا" النساء (43)

قوله "أو حبس في مصر فيتيمم" المصر المدينة وإن حبس في مصر ولم يجد ماء ولا ترابا صلى على حسب حاله ولا إعادة عليه ولا يؤخر صلاته حتى يقدر على إحدى الطهارتين الماء أو التراب

قوله "أو عدم الماء أو التراب صلى ولم يعد" كما لو حبس في مكان لا تراب فيه ولا ماء ولا يستطيع الخروج منه ولا يجلب له ماء ولا تراب فإنه يصلي على حسب حاله محافظة على الوقت الذي هو أعظم شروط الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" رواه البخاري ومسلم

قوله "ويجب التيمم بتراب" فإن عدم التراب كما لو كان في بر ليس فيه إلا رمل أو طين فيصلي بلا تيمم والصحيح أنه لا يختص التيمم بالتراب بل بكل ما تصاعد على وجه الأرض لقوله تعالى "فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا" النساء (43) والصعيد كل ما تصاعد على وجه الأرض من تراب ورمل وغيرهما والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك مر برمال كثيرة ولم ينقل أنه كان يحمل التراب معه أو يصلي بلا تيمم

قوله "طهور" هذا هو الشرط الثاني لما يتيمم به وهو إشارة إلى أن التراب ينقسم إلى ثلاثة أقسام طهور وطاهر ونجس والصحيح أنه ليس في التراب قسم يسمى طاهر غير مطهر

قوله "غير محترق" هذا هو الشرط الثالث من شروط المتيمم به فلو كان محترقا كالخزف والاسمنت فلا يجوز التيمم به وهذا قول ضعيف والصواب أن كل ماعلى الأرض من تراب ورمل محترق أو غير محترق فإنه يتيمم به

قوله "له غبار" هذا هو الشرط الرابع من شروط المتيمم به وإن لم يكن له غبار لم يصح التيمم به كالتراب الرطب بل تصلي بلا تيمم والصحيح أنه ليس بشرط لعموم قوله تعالى "فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا" المائدة (6) وأنه صلى الله عليه وسلم كان يسافر في الأرض الرملية والتي أصابها مطر ولم ينقل عنه ترك التيمم أيضا في حديث عمار رضي الله عنه الذي رواه البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضرب بكفيه الأرض نفخ فيهما" والنفخ يزيل الغبار وأثر التراب

قوله "وفروضه مسح وجهه ويديه إلى كوعيه" لقوله تعالى "فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ" المائدة (6) والكوع هو العظم الذي يلي الإبهام وأنشدوا

وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط

لحديث عمار بن ياسر وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه"متفق عليه

قوله "وكذا الترتيب والموالاة في حدث أصغر" يعني أن من فروض التيمم في الحدث الأصغر الترتيب والموالاة فالترتيب أن يبدأ بالوجه قبل اليدين لقوله تعالى "فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ" فبدأ بالوجه قبل اليدين

والموالاة ألا يؤخر مسح اليدين زمنا لو كانت الطهارة بالماء لجف الوجه قبل أن يطهر اليدين لأن التيمم بدل عن طهارة الماء والبدل له حكم المبدل

قوله "وتشترط النية" الشرط في اللغة العلامة وفي اصطلاح الأصوليين ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود مثاله الوضوء شرط لصحة الصلاة يلزم من عدمه عدم الصحة ولا يلزم من وجوده وجود الصلاة لأنه قد يتوضأ ولا يصلي

قوله "لما يتيمم له من حدث أو غيره" من حدث متعلق ب "يتيمم" وذلك أن عندنا متيمم له ومتيمم عنه وقوله "أو غيره" يعني به النجاسة التي على اليدين خاصة والراجح أن التيمم مطهر ورافع فنجعله نيته حينئذ كنية الوضوء

قوله "فإن نوى أحدها لم يجزئه عن الأخرى" أي إن نوى الأصغر لم يرتفع الأكبر وإن نوى الجميع يجزئه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات"

قوله "وإن نوى نفلا أو أطلق لم يصل به فرضا"مثاله تيمم للراتبة القبلية فلا يصلي به الفريضة والتيمم على المذهب استباحة ولا يستبيح الأعلى بنية الأدنى

قوله "أو أطلق" أي نوى التيمم للصلاة وأطلق فلم ينوي فرضا ولا نفلا لم يصل به فرضا

قوله "وإن نواه صلى كل وقت فروضا ونوافل" أي إذا نوى التيمم لصلاة الفريضة صلى كل وقت الصلاة فرائض ونوافل

قوله "ويبطل التيمم بخروج الوقت" هذا شروع في بيان مبطلات التيمم وهو خروج الوقت الأول أي وقت الصلاة التي تيمم لها فإذا تيمم لصلاة الظهر بطل بخروج الوقت فلا يصلي به العصر والصحيح أنه لا يبطل بخروج الوقت وأنك لو تيممت لصلاة الفجر وبقيت على طهارتك إلى صلاة العشاء فتيممك صحيح

قوله "وبمبطلات الوضوء" هذا هو الثاني من مبطلات التيمم وهو مبطلات الوضوء أي نواقض الوضوء مثال ذلك: إذا تيمم عن حدث أصغر ثم بال بطل تيممه لأن البدل له حكم المبدل وكذا التيمم عن الأكبر يبطل بموجبات الغسل

قوله "وبوجود الماء" هذا هو الثالث من مبطلات التيمم وهو وجود الماء فيما إذا كانت تيممه لعدم الماء فإذا تيمم لعدم الماء بطل بوجوده

قوله "ولو في الصلاة" أي إذا وجد الماء وهو في أثناء الصلاة يبطل التيمم وهو الصحيح

قوله "لا بعدها" أي إذا وجد الماء بعد الصلاة لا يلزمه الإعادة

قوله "والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى" أي أنه إذا لم يجد الماء عند دخول الوقت ولكن يرجو وجوده في آخر الوقت فتأخير التيمم إلى آخر الوقت أولى ليصلي بطهارة الماء والمراد بقوله "آخر الوقت" أي الوقت المختار فالصلاة التي لها وقت اختيار ووقت اضطرار هي صلاة العصر فوقت الاختيار الى اصفرار الشمس والضرورة إلى غروبها

قوله "وصفته" أي وصفة التيمم فلا تقبل العبادة إلا إذا كان صفتها موافقة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم

قوله "أن ينوي" النية ليست صفة إلا على سبيل التجوز لأن محلها القلب

قوله "ثم يسمي" أي يقول بسم الله والتسمية هنا كالتسمية في الوضوء وهي سنة على القول الصحيح لأن التيمم بدل والبدل له حكم المبدل

قوله "ويضرب التراب بيديه" والصواب أن يقال ويضرب الأرض سواء كانت ترابا أم رملا

قوله "مفرجتي الأصابع" أي متباعدة لأجل أن يدخل التراب بينها غير أن الأحاديث الوارة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب بيديه ليس فيها أنه فرّج فيها أصابعه وطهارة التيمم مبنية على التسهيل والتسامح ليست كطهارة الماء وهذا هو الصحيح

قوله "يمسح وجهه بباطنها وكفيه براحتيه" أي بباطن الأصابع ويترك الراحتين فلا يمسح بهما والصحيح أن تمسح وجهك بيديك كلتيهما وتمسح بعضهما ببعض

قوله "ويخلل أصابعه" أي وجوبا والصحيح أنه لم يثبت في حديث عمار المتفق عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم خلل أصابعه والكيفية التي توافق السنة أن تضرب الأرض بيديك ضربة واحدة بلا تفريج للأصابع وتمسح وجهك بكفيك ثم تمسح الكفين ببعضهما البعض

وبالله التوفيق

1434/3/23 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر