الدرس 92 باب ما جاء في السحر 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 16 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1481 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعدُ :

قول المصنف:" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ." الحديث في الصحيحين واللفظ للبخاري.

قوله صلى الله عليه وسلم : "اجتنبوا" أي ابتعدوا ، ولفظة "اجتنبوا " أبلغ من : لا تفعلوا ؛ لأن الاجتناب يعني ترك الشيء وترك الأسباب الموصلة إليه .

قوله :"السبع"أي المعاصي السبع .

قوله :"الموبقات " يعني المهلكات قال تعالى:" وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا "(الكهف 52)، أي: مكانَ هلاكٍ ، وسميت الكبائر موبقات ؛ لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من عقوبات ، وفي الآخرة من العذاب

قوله " قالوا يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ "

كان الصحابة رضي الله عنهم أحرصَ النَّاسِ على العلم ، وإذا ما ألقى إليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الشيء مبهما طلبوا تفسيره وتبيينه ، فلما حذَّرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات قالوا ذلك لأجل أن يجتنبوه، فأخبرهم ، وعلى هذه القاعدة أن الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على العلم ، لكن إذا كانت هناك حكمة في إخفائه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبرهم كقوله صلى الله عليه وسلم " إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ. " من حديث أبي هريرة الذي رواه الشيخان ، ولم يرد تبيينها من النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح. وقد حاول بعضُ الناس أن يصحح حديث سرد الأسماء التسعة والتسعين ولم يصب.


وقوله "قالوا يا رسول الله وما هن؟" سألوه عن تبيينها ؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يتجنب الشيء إلا بعد أن يعرفه ، قال : الشرك بالله ، قدمه لأنه أعظم الموبقات فإن أعظم الذنوب أن تجعل لله ندا وهو خلقك. والشرك بالله يتناول الشرك بربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته.

فمن اعتقد أن مع الله خالقا أو معينا فهو مشرك، أو أن أحدا سوى الله يستحق أن يعبد فهو مشرك وإن لم يعبده، فإن عبده فهو أعظم، أو أن لله مثيلا في أسمائه فهو مشرك، أو أن الله استوى على العرش كاستواء الملك على عرش ملكه أو أن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزول الإنسان إلى أسفل بيته من أعلى فهو مشرك
قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (النساء 116).

قوله :"والسحر" أي من الموبقات، وهذا محل الشاهد من الحديث ، لأن السحر كفر وشرك بالله عز وجل ، وعطفه على الشرك من باب عطف الخاص على العام ، وإلا فالسحر نوع من أنواع الشرك من أجل الاهتمام بتجنبه .

قوله صلى الله عليه وسلم :" وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ".

القتل إزهاق الروح، والمراد بالنفس البدن الذي فيه الروح، والمراد بالنفس هنا نفس الآدمي وليس نفس البعير والحمار وما أشبهها
وقوله : "التي حرم الله" أي حرم قتلها إلا بالحق، أي بفعل موجب للقتل، كقتل المشرك المحارب والنفس بالنفس والزاني بعد الإحصان، ويلتحق بالتحريم قتل المعاهد ، كما صح في الحديث :"مَن قَتَلَ مُعاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عامًا." صحيح البخاري

قوله صلى الله عليه وسلم :" وأكل الربا "

الربا في اللغة الزيادة، ومنه قوله تعالى :" فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ" (فصلت 39) يعني: زادت.

وفي الشرع: تفاضل في عقد بين أشياء يجب فيها التساوي، ونسأ في عقد بين أشياء يجب فيها التقابض
والربا: ربا فضل أي زيادة، وربا نسيئة أي تأخير، وهو يجري في ستة أموال بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله :"الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، " رواه مسلم ، فهذه هي الأموال الربوية بنص الحديث وإجماع المسلمين، وهذه الأصناف الستة إن بعت منها جنسا بمثله جرى فيه ربا الفضل وربا النسيئة، فلو زدت واحدا على آخر فهو ربا فضل، أو سويته لكن أخرت القبض فهو ربا نسيئة، وربما يجتمع النوعان كما لو بعت ذهبا بذهب متفاضلا والقبض متأخر فقد اجتمع في هذا العقد ربا الفضل وربا النسيئة، وعلى هذا، فإذا بعت جنسا بجنسه فلا بد من أمرين التساوي، والتقابض في مجلس العقد

وإذا اختلفت الأجناس واتفقت العلة أي اتفق المقصود في العوضين فإنه يجري ربا النسيئة دون ربا الفضل فذهب بفضة متفاضلا مع القبض جائز، وذهب بفضة متساويا مع التأخير ربا لتأخر القبض
قال صلى الله عليه وسلم :"فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ. " رواه مسلم .

و الربا يجري في غير الأصناف الستة، وأن العلة هي الكيل والادخار مع الطعم، وهو أن يكون قوتا مدخرا، وهذا بالنسبة للبر والتمر والشعير
وبالنسبة للذهب والفضة العلة هي الجنس والثمنية

وأما الملح فقال شيخ الإسلام إنه يصلح به القوت أي فهو تابع له فالعلة ليس أنه قوت، لكنه من ضرورياته، ولهذا لو طحنت برا ولم يكن فيه ملح لم يبق إلا أياما يسيرة فيفسد، فإذا كان فيه الملح منعه من الفساد، فيقول لما كان يصلح به القوت جعل له حكمه

قوله صلى الله عليه وسلم :" وأكل مال اليتيم " يعني التعدي فيه، وعبر بالأكل ؛ لأنه أهم وجوه الانتفاع، كما قال تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا "(النساء 10)" ، واليتيم هو الذي مات أبوه قبل بلوغه، سواء كان ذكرا أم أنثى.

وبالله التوفيق .

1434/3/15 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر