الدرس 93 باب ما جاء في السحر 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 16 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1777 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعدُ

قول المصنف:" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ." أخرجه البخاري ومسلم .

قوله "والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ " التولي بمعنى الإدبار والإعراض، ويوم الزحف أي يوم تلاحم الصفين في القتال مع الكفار، وسمي يوم الزحف لأن الجموع إذا تقابلت تجد أن بعضها يزحف إلى بعض، كالذي يمشي زحفا كل واحد منهم يهاب الآخر، فيمشي رويدا رويدا.
والتولي يوم الزحف من كبائر الذنوب إذا فرَّ إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال، كما قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"(الأنفال 16،15)

قوله :" وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" ، القذف بمعنى الرمي، والمراد به هنا الرمي بالزنا، والمحصنات هنا الحرائر.

والغافلات وهن العفيفات عن الزنا البعيدات عنه، اللاتي لا يخطر على بالهن هذا الأمر

والمؤمنات احترازا من الكافرات، والذي عليه جمهور أهل العلم أن قذف الرجل كقذف المرأة، وإنما خص بذلك المرأة لأن الغالب أن القذف يكون للنساء أكثر إذ البغايا كثيرات قبل الإسلام، وقذف المرأة أشد لأنه يستلزم الشك في نسب أولادها من زوجها، فيلحق بهن القذف ضررا أكثر فتخصيصه من باب التخصيص بالغالب.

قوله :" وعن جندب مرفوعا : حدُّ الساحرِ ضربةٌ بالسيفِ ، رواه الترمذي وقال : الصحيح أنه موقوف " ،

والحديث ضعَّفَ سندَه ابنُ حجر في الفتح ؛ لذا صرفت النظر عن شرحه.
قوله :" وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة قال : فقتلنا ثلاث سواحر .

الحديث ليس في صحيح البخاري ، وإنما ورد في سنن أبي داود وصححه الألباني بهذا اللفظ :" اقتلوا كل ساحر" ، " فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر"

كتب عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، إلى الأمراء الأجناد في الشام أن يقتلوا كل ساحر ؛ لضررهم الذي لا يُزالُ إلا بقتلهم ، ولرُبَّما يُظهرون التوبة وهم كاذبون كالمنافقين ، والساحر يقتل كفرا ولا يستتاب.

قول المصنف :" وصح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت " ، أورد المصنف هذا الأثر غير معزو ، وقد رواه مالك في (الموطأ) والشافعي في (المسند) وابن أبي شيبة في (المصنف)، غير أن الهيثمي في (مجمع الزوائد) قال : هو من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين وهي ضعيفة وبقية رجاله ثقات.

وقوله :" وكذلك صح عن جندب قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " .
المراد بالثلاثة: عمرُ، وحفصةُ، وجندبُ الخير ، أي صح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . والذي صح هو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي رواه أبو داود وصححه الألباني ، أما رواية جندب فقد ضعَّفَ سندَه ابنُ حجر ، ورواية حفصة ضعفها الهيثمي .

والقول بقتلهم موافقٌ للقواعد الشرعية ؛ لأن المراد من قتل السحرة الذين يستخدمون الجن ويعبدونهم ، ويدعون الغيب ، وهذا هو الغالب في السحرة ، ولأنهم يسعون في الأرض فسادا، وفسادهم من أعظم الفساد ، لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في الأرض وإذا قتلوا سلم الناسُ من شرهم، وارتدع الناسُ عن تعاطي السحر.
قول المصنف: "فيه مسائل" :

"الأولى: تفسير آية البقرة: وهي قوله تعالى:"وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ " (البقرة 102)،

أي نصيب.

الثانية : تفسير آية النساء ، وهي قوله تعالى :"يؤمنون بالجبت والطاغوت(النساء 51) ، وفسر عمربن الخطاب ، رضي الله عنه ، الجبتَ بالسحر ، والطاغوت بالشيطان .

الثالثة : تفسير الجبت والطاغوت والفرق بينهما ، وسبق في المسألة الثانية تفسير عمربن الخطاب رضي الله عنه في الجبت والطاغوت .

الرابعة : أن الطاغوت قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس ، تؤخذ من قول جابر الطواغيت كهان، وكذلك قول عمر: الطاغوت الشيطان، فإن الطاغوت إذا أطلق فالمراد به شيطان الجن، والكهان شياطين الإنس.

الخامسة : معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي ، وقد سبق بيانها .

السادسة : أن الساحر يَكْفُر ، تؤخذ من قوله تعالى:" وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ " (البقرة آية 102)

السابعة : أنه يقتل ولا يستتاب ، الساحر في الغالب يتعاطى أمورا شركية تتعلق بالجن ، ولهذا وجب قتله من غير استتابة .

الثامنة : وجود هذا في المسلمين على عهد عمر رضي الله عنه ، فكيف بعده! ، تؤخذ من قوله : كتب عمر أن اقتلوا كل ساحر ، فكلما بعد الناسُ عن زمن الرسالة استولتْ على بعضهم الضلالةُ والجهالةُ.

وبالله التوفيق .

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/3/15 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر