الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
فقد اشتهر قيام بعض المؤسسات والمحلات التجارية بنشر إعلانات في الصحف وغيرها عن تقديم جوائز لمن يشتري من بضائعهم المعروضة ، مما يغري بعض الناس على الشراء من هذا المحل دون غيره أو يشتري سلعاً ليس له فيها حاجة طمعا في الحصول على إحدى هذه الجوائز التي قد يحصل عليها وقد لا يحصل .
وهذا النوع من القمار محرم شرعاً ومؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل ، لما فيه من الإغراء والتسبب في ترويج سلعته وإكساد سلع الآخرين المماثلة ممن لم يقامر مثل مقامرته والجائزة التي تحصل من طريقه محرمة لكونها من الميسر المحرم شرعاً وهو القمار . فالواجب على أصحاب التجارة الحذر من هذه المقامرة وليسعهم ما يسع الناس ، وقد قال الله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا*وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا " النساء 29 ، 30
وهذه المقامرة ليست من التجارة التي تباح بالتراضي بل هي من الميسر الذي حرمه الله لما فيه من الغرر والخداع وأكل المال بالباطل ولما فيه من إيقاع الشحناء والعداوة بين الناس كما قال الله سبحانه " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ" المائدة 90 ، 91 .
* نوصي الطلاب بالجد في طلب العلم وحفظ الوقت عما يضر ويشغل عن طلب العلم النافع والاجتهاد في العمل بالعلم وأن يكونوا من المسارعين إلى الصلوات في الجماعة مع التخلق بالأخلاق الفاضلة والحرص على بر الوالدين والإحسان إلى أهل البيت من الإخوة والأخوات .
ومن أهم المهمات في حق طالب العلم أن يكون حسن الأخلاق طيب السيرة مهتماً بدينه حريصاً على المحافظة على الصلوات في الجماعة ، يحفظ لسانه وجوارحه عن كل ما يخالف شرع الله سبحانه ويحرص على بذل المعروف والخير والكف عن الشر والأذى ، هكذا يكون طالبُ العلم الصادق وهكذا يكون الشاب النجيب يتحرى الأخلاق الفاضلة والسيرة الحميدة ويتباعد عن الأخلاق الذميمة والسيرة السيئة أينما كان في البيت وفي الطريق ومع زملائه وفي كل حال .
ونوصي الأساتذة بالجد في توجيه الطلبة إلى الخير والحرص على تحضير الدروس والعناية بها وتفهيم الطلبة لها ، وأن يكون الأستاذ قدوة صالحة لتلاميذه في كل خير .
* أسبابُ قسوةِ القلبِ الذنوبُ والمعاصي وكثرةُ الغفلةِ وصحبةُ الغافلين والفساقِ ، كلُ هذه الخلال من أسباب قسوة القلوب ، ومن لين القلوب وصفائها وطمأنينتها طاعةُ الله جل وعلا وصحبةُ الأخيار ، وحفظ الوقت بالذكر وقراءة القرآن والاستغفار ، ومن حفظ وقته بذكر الله وقراءة القرآن وصحبة الأخيار والبعد عن صحبة الغافلين والأشرار يطيب قلبه ويلين قال تعالى" أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "الرعد 28 عندما تكون في مجلس يكون فيه غيبة ولا تستطيع القيام منه ، تنصحهم وتقول : هذا لا يجوز والغيبة محرمة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " مَن ردَّ عَن عِرضِ أخيهِ ردَّ اللَّهُ عن وجهِهِ النَّارَ يومَ القيامةِ " (قلت: رواه الترمذي عن أبي الدرداء ، وصححه الألباني) ، والمؤمن لا يحضر مجالس الشر فإن كنت تستطيع إخبار جلسائك بأن هذا لا يجوز وأن الواجب تركه فافعل ذلك وأخلص لله في العمل ، وإن كنت لا تستطيع فقم ولا تحضر الغيبة ولو استنكروا قيامك وإذا سألوك فقل قمت لأجل هذا لقول الله تعالى "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " الأنعام 68 .
* الأغاني كلها محرمة ولا يجوز الاستماع لها لأنها من لهو الحديث المذكور في قوله تعالى " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" لقمان 6 ، 7 ، ولهو الحديث هو الغناء وما يصحبه من آلات الطرب عند أكثر أهل العلم ، ولأن ذلك من أسباب مرض القلوب وقسوتها وغفلتها عن الله عز وجل والدار الآخرة ولأنها من أسباب الضلال والإضلال ومن أسباب الاستهزاء بدين الله ومن أسباب الاستكبار عن سماع القرآن والإعراض عنه ، فهي لها نتائج خبيثة وعواقب سيئة فينبغي للمؤمن أن لا يستمعها بالكلية لا من الإذاعة ولا من غير الإذاعة ولا من الأشرطة ، ولهذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه " الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع " ، (قلت : الحديث رواه أبو داود رقم (4342) بهذا اللفظ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ" قال الهيثمي :" هذا الحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بكل تقدير" أ.هـ)
معنى قوله تعالى "وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ " مريم 71 ، الورود : المرور كما بيَّنت ذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ينجي الله المتقين ويذر الظالمين فيها جثيا ، ولهذا قال سبحانه " ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا" مريم 72 ، فالكفار يساقون إليها والعصاة منهم من ينجو ومنهم من يخدش ويسلم ومنهم من يسقط في النار ولكن لا يخلد فيها بل لعذابهم أمد ينتهون إليه ، وإنما يخلد فيها الكفار خلوداً أبدياً يقول الله عز وجل في سورة البقرة في حق الكفار " كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ " البقرة 167 ، وقال في سورة المائدة " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ " المائدة 36 ، 37 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة نسأل الله العافية والسلامة من حال أهل النار
* الولاء والبراء معناه محبة المؤمنين وموالاتهم وبُغض الكافرين ومعاداتهم والبراءة منهم ومن دينهم هذا هو الولاء والبراء كما قال الله سبحانه في سورة الممتحنة " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ " الممتحنة 4 .
وليس معنى بغضهم وعداوتهم أن تظلمهم أو تتعدى عليهم إذا لم يكونوا محاربين ، وإنما معناه أن تبغضهم في قلبك وتعاديهم بقلبك ولا يكونوا أصحاباً لك ، لكن لا تؤذيهم ولا تضرهم ولا تظلمهم وتنصحهم وتوجههم إلى الخير كما قال الله عز وجل " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ " العنكبوت 46 ، وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وهكذا غيرهم من الكفار الذين لهم أمان أو عهد أو ذمة لكن من ظلم منهم يُجازى على ظلمه ، وإلا فالمشروع للمؤمن الجدال بالتي هي أحسن مع المسلمين والكفار مع بغضهم في الله للآية الكريمة السابقة ولقوله سبحانه " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ " النحل 125 .
ويشرع له أن يدعوهم إلى الله ويعلمهم ويرشدهم إلى الحق لعل الله يهديهم بأسبابه إلى طريق الصواب ، ولا مانع من الصدقة عليهم والإحسان إليهم لقول الله عز وجل " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " الممتحنة 8 .
ولما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن تصل أمها وهي كافرة في حال الهدنة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على الحديبية .(قلت : ورد في الصحيحن عن أسماء رضي الله عنها قولها: " قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ. ")
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.