الدرس 192 باب الشركة 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 18 ربيع الثاني 1441هـ | عدد الزيارات: 823 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

يقول المؤلف رحمه الله " والوضيعة على قدر المال " أي ما يوضع من القيمة والخسارة على قدر المال بخلاف الربح فعلى ما شرطاه فلو جاء أحدهما بخمسة آلاف والثاني بخمسة عشر ألفا فالمال أرباع الأول له الربع والثاني ثلاثة أرباع فإذا اتفقا على أن تكون الخسارة أنصافا فهذا لا يصح لأن الخسارة يجب أن تكون على قدر المال فإذا خسرت الشركة فعلى صاحب الخمسة آلاف ربع الخسارة وعلى صاحب الخمسة عشر ثلاثة أرباع الخسارة فلا يصح أن تكون الخسارة على خلاف ذلك ولهذا قال " والوضيعة على قدر المال " أما الربح فيكون على ما شرطاه يعني لو أن أحدهما جاء بأربعين ألفا والثاني بعشرين ألفا وقالا الربح بيننا مناصفة فهنا اختلف الربح عن قدر المال فهذا يصح فالربح على ما شرطاه والوضيعة على قدر المال .

قوله " ولا يشترط خلط المالين " لكن لو عمل كل واحد منهما بماله فلا بأس لأن المقصود الربح لا الخلط ونفى هذا المؤلف وقاعدة العلماء أنهم لا ينفون شيئا إلا لوجود خلاف فيه لأنه إذا لم يكن خلاف فالسكوت عن ذكره يغني عن نفيه غير أنه إذا وجد الخلاف فإنهم يذكرون النفي دفعا لهذا الخلاف فلا يشترط خلط المالين كما قال المؤلف لأن الشركة حاصلة بدون الخلط إذ المقصود الربح وهذا هو الصحيح .

قوله " ولا كونهما من جنس واحد " يعني في النقدين أي الذهب والفضة فلو أتى أحدهما بذهب والثاني بفضة فلا بأس بشرط عدم تفاوت سعر الذهب والفضة فما ذهب إليه المؤلف صحيح لكن بشرط ألا يزيد سعر الذهب ولا ينقص بأن يكون مقررا من قبل الدولة وإلا فلا يجوز وفي الوقت الحاضر الذهب غير مقدر وعلى ذلك فلا يجوز .

قوله " الثاني المضاربة " الثاني أي من أنواع شركة العقود والمضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض أي السير فيها ، قال الله تعالى " وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله " المزمل 20 ، وكل تجارة مضاربة أي يضرب الإنسان في الأرض وخصت بهذا النوع من المعاملة اصطلاحا لا لغة .

قوله " لمتجر به " أي دفع المال لمن يتجر به .

قوله " ببعض ربحه " بالربع أو الثمن أو الخمس بحسب ما يتفقان عليه .

مثال ذلك : أعطى رجل مائة ألف ريال وقال له خذه واتجر بها ولك ثلاثة أرباع الربح فيصح المهم أن يكون معلوما مشاعا .

قوله " وإن قال والربح بيننا فنصفان " أي إن قال المضارب وهو رب المال " والربح بيننا فنصفان فهو نصفان نصف للعامل ونصف للمضارب وهذا مقتضى البينة وهو التساوي ولهذا لو أعطيت جماعة دنانير وقلت هذه بينكم فإنهم يمتلكونها بالتساوي .

قوله " وإن قال ولي أو لك ثلاثة أرباعه أو ثلثه صح " والباقي للآخر لأن المال بين اثنين فإذا حدد نصيب أحدهما تبين حق الآخر فإذا قال لي ثلثه فهذا يصح لأنه إذا أخذ الثلث فالباقي للآخر .

قوله " وإن اختلفا لمن المشروط فللعامل " يعني اتفقا ثلاثة أرباعه لك والباقي لي ثم اختلفا أحدهما يقول ثلاثة أرباعه مشروطة لي والثاني يقول مشروطة لي فالقول قول العامل لأن الربح إنما حصل بفعله فكان هو أولى به وهذا قول الإمام أحمد بن حنبل .

والصحيح أنه للعامل ما لم يدع خلاف العادة فإن ادعى ما يخالف العادة فلا يقبل فإذا كانت العادة أن الأرباع الثلاثة في مثل هذه التجارة لرب المال فالقول قول رب المال .

مثال ذلك : الجزء المشروط ثلاثة أرباع ادعى العامل أنها له وادعى صاحب المال أنها له والعادة أن المضاربة لا يعطى فيها العامل إلا الربع فهنا العرف يشهد لصاحب المال فيؤخذ بقول صاحب المال إذاً إذا اختلفا في تعيين المشروط له فالقول قول العامل .

وإن اختلفا في قدر المشروط مع اتفاقهما على المشروط له فالقول قول رب المال .

قوله " وكذا مساقاة ومزارعة ومضاربة " يعني اختلف المساقي والمزارع وقلنا في الدرس السابق أن المساقاة هي أن يدفع الإنسان أرضه ونخله لشخص يقوم عليها بجزء من الثمرة .

والمزارعة أن يدفع إنسان أرضه البيضاء التي ليس فيها زرع إلى فلاح يزرعها وله نصف الزرع مثلا والفرق بينهما المساقاة على أشجار والمزارعة على أرض تزرع .

فإذا اختلفا لمن المشروط في المساقاة والمزارعة فللعامل على رأي الإمام أحمد وعلى الراجح ينظر إلى القرائن فيعمل بها وإن اختلفا على قدره فالقول قول صاحب الأرض في المزارعة وصاحب النخل في المساقاة .

مثال ذلك : أعطيتُ فلاحا هذا البستان بما فيه من نخيل وعنب ورمان ليقوم عليه بربع ما يخرج منه يعني لي ثلاثة الأرباع فهذه مساقاة .

ومثال المزارعة عندي أرض ليس فيها شيء أعطيتها شخصا يزرعها شعيرا أو ما أشبه ذلك بالنصف ونحوه فهذه مزارعة وإذا اختلفا في القدر فالأصل أن الربح في المضاربة والنماء في المساقاة والمزارعة أنه تابع لأصله والقول قول رب المال مع اليمين لقوله صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " رواه البيهقي وأصله في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه .

وإذا فسدت المضاربة فالصحيح أن للعامل سهم المثل فلو اتجر إنسان بهذا المال فله نصف الربح لأن العامل إنما عمل على أنه شريك لا على أنه أجير .

قوله " ولا يضارب بمال الآخر إن أضر الأول ولم يرض "

قوله " ولا يضارب " الفاعل المضارب فالمضارب لا يضارب بمال الآخر .

مثاله : أعطيت رجلا مالا يتجر به مضاربة فذهب إلى آخر وقال أعطني مالا مضاربة فلا يجوز إن أضر الأول ولم يرض فإن رضي جاز وإلا فلا هذا قول المؤلف وإضرار الأول يحصل بأحد أمرين :

الأول أن ينشغل المضارب بالمضاربة الثانية عن المضاربة الأولى مع اختلاف المال .

الثاني أن يشتري مالا من جنس ما ضاربه الأول عليه حتى تُتخم الأسواق من هذا النوع من المال فيرخص فكل هذا ضرر .

مثال ذلك : أعطيت رجلا مائة ألف ريال مضاربة في الأرز ثم ذهب إلى آخر وأخذ منه مائة ألف ريال مضاربة في الأرز فهذا يضر بالأول لأن السوق إذا امتلأ بالأرز يرخص السعر فيتحقق الضرر بالأول إما إذا أخذ المائة ألف مضاربة من شخص آخر ليشتري بها سيارات فهي لا تؤثر على الأرز لكن ربما ينشغل هذا المضارب بالاتجار بالسيارات لا سيما إذا علم أن ربحها أكثر فيترتب على ذلك أن يترك المضارب الأول .

وقوله " ولم يرض " فإن رضي فلا بأس لأن الحق له .

قوله " ولا يضارب " أي يحرم أن يضارب بمال الآخر بالشرطين المذكورين وهما أن يضره وألا يرضى وإلا فلا بأس .

وإن أقدم العامل وضارب بمال الآخر مع الضرر ففي هذه الحالة يقول المؤلف " فإن فعل رد حصته في الشركة " أي إذا ضارب العامل بمال لشخص وربح فإن هذا الربح يضاف إلى ربح المضاربة الأولى فيكون المضارب الأول شريكا هذا على قول المؤلف .

والصحيح أنه لا يضيف ربحه من المضاربة الثانية إلى ربح المضاربة الأولى بل هو له لكنه آثم .

وشيخ الإسلام ابن تيمية لا يقر المؤلف على قوله .

وبالله التوفيق

1440-12-23هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر