الدرس91 باب ما جاء في السحر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 15 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1548 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعدُ :

مناسبة هذا الباب للأبواب السابقة أنَّ المصنف ، رحمه الله ، في الأبواب السابقة ذكر أنواعا من الشرك ووسائله ، ولما كان السحر نوعاً من أنواع الشرك عقد له هذا الباب ؛ لأن السحر لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق الشياطين ، فالسحرة يخضعون للشياطين ، ويستعينون بهم في سحرهم ، وهذا شرك بالله .
السحرُ لغةً ما خفي ولطف سببه، ومنه سمي السَّحَرُ لآخر الليل ؛ لأن الأفعال التي تقع فيه تكون خفية، وكذلك سمي السحور لما يؤكل في آخر الليل لأنه يكون خفيا فكل شيء خفي سببه يسمى سحرا ، وأما في الشرع فالسحر عبارة عن عزائم ورقى وعقد يؤثر في بدن المسحور بالقتل أو بالمرض أو الإخلال بعقله ، أو يفرق بين الزوجين أو يأخذ الزوج عن زوجته ، فلا يستطيع الوصول إليها ، قال تعالى :" ومن شر النفاثات في العقد " فالساحر يعقد العقد بالخيط ثم ينفث فيها من ريقه ويستعين بالشيطان ، ويؤثر هذا بإذن الله في المسحور ، كما قال تعالى :"وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ " البقرة:102 وقد سحر النبي صلي الله عليه وسلم ، وأثر فيه السحر وصار عليه الصلاة والسلام يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله ، فعن عَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: سُحِرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى كانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما يَفْعَلُهُ، حتَّى كانَ ذَاتَ يَومٍ دَعَا ودَعَا، ثُمَّ قالَ: أشَعَرْتِ أنَّ اللَّهَ أفْتَانِي فِيما فيه شِفَائِي، أتَانِي رَجُلَانِ: فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأْسِي والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقالَ أحَدُهُما لِلْآخَرِ ما وجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ، قالَ: ومَن طَبَّهُ؟ قالَ لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، قالَ: فِيما ذَا، قالَ: في مُشُطٍ ومُشَاطةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قالَ فأيْنَ هُوَ؟ قالَ: في بئْرِ ذَرْوَانَ فَخَرَجَ إلَيْهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَقُلتُ اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقالَ: لَا، أمَّا أنَا فقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وخَشِيتُ أنْ يُثِيرَ ذلكَ علَى النَّاسِ شَرًّا ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ. رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

والسحر المحرم على نوعين : سحر حقيقي ، وهو ما ذكرناه آنفا ، النوع الثاني : سحر تخييل ، ليس له حقيقة ، وإنما هو خيال وشعوذة كما قال تعالى في سحرة فرعون :" سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ "(الأعراف 116) وكما قال تعالى عن موسى عليه السلام :" ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ "(طه 66)

وقد ذكر المصنف في الباب آيتين :

الآية الأولى: قوله تعالى:" وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ " (البقرة آية 102)

أي الساحر ليس له نصيب من الجنة ، وهذا دليل على أنه كافر ، فالسحر كفر بالله ، لقوله تعالى :" وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ " البقرة 102

الآية الثانية: قوله تعالى:" يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ " (النساء 51)

قوله تعالى "يؤمنون " أي اليهود

قوله"بالجبت" أي السحر كما فسرها عمر بن الخطاب

واليهود كانوا من أكثر الناس تعلما للسحر وممارسة له، ويدعون أن سليمان عليه السلام علمهم إياه، وقد اعتدوا، فسحروا النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله "الطاغوت" قال عمر: الطاغوت: الشيطان . أي هو رأس الطواغيت ، والطاغوت مشتق من الطغيان ، وهو مجاوزة الحد من معبود أو متبوع أو مطاع .

قوله:" وقال جابر " الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان، في كل حيٍّ واحدٌ " ، والكاهن هو الذي يدعي علم الغيب ، وكانوا في الجاهلية يتخذون حكاماً من الكهان يحكمون بين الناس ، وكان هؤلاء الكهان تنزل عليهم الشياطين التي تسترق السمع كما قال تعالى :" هلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ " (الشعراء 221- 222)

وبالله التوفيق.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/3/14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي