الدرس90 باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان 6

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 15 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 3121 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛

قوله : ورواه البرقاني في صحيحه" هو الحافظ الكبير أبو بكر محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الشافعي ، ولد سنة 336هـ ومات سنة 425هـ ، قال الخطيب : كان ثبتاً ورعاً ، لم نر في شيوخنا أثبت منه ، عارفا بالفقه ، كثير التصنيف ، صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان ، وجمع حديث الثوري ، وحديث شعبة وطائفة ، كان حريصاً على العلم ، منصرفَ الهمَّةِ إليه .

قوله :" وزاد " أي على رواية مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين " وهم ولاة السوء فإنهم يتبعون ويتأثر بهم ويستعان بهم على الباطل ؛ فلذلك خاف على أمته منهم ، ويراد بهم الضالون من الأمراء والعلماء والعباد والدعاة ، فإذا قاد الأمةَ هؤلاء قادوها إلى الهلاك ، أما إذا قاد الأمةَ دعاةُ الحقِّ قادوها إلى الصلاح والسلامة .

قوله :" وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة " أي إذا وقع القتال بين المسلمين فإنه لا يرفع إلى يوم القيامة عقوبةً لهم ، وقد وقع كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فمنذ أن قتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه والقتال مستمرٌ بين المسلمين ، وسيستمر إلى يوم القيامة، ولكن يكثر تارة ويقل أخرى ويكون في جهة ويرتفع عن أخرى.

قوله :"ولا تقومُ السَّاعةُ حتى يلحقَ حيٌّ من أمتي بالمشركين " الحي واحد الأحياء ، وهي قبائل ، قال صلى الله عله وسلم:" لاتقومُ السَّاعةُ حتَّى تَلحقَ قبائلُ من أمَّتي بالمشرِكينَ " صحيح الترمذي للألباني، ، والمعنى أنهم ينزلون معهم في ديارهم ، وقد وقع هذا كما أخبر به صلى الله عليه وسلم ، ففيهم من ذهب إلى بلاد الكفار ولم يرجع.

قوله :"وحتَّى تعبدَ فئامُ من أمتي الأوثانَ "الفئام: الجماعات، والأوثان: كل ما عبد من دون الله .

قوله :"وإنه سيكون في أمتي كذَّابون ثلاثون، كلُّهم يزعم أنه نبي" هذا فيه إخبار منه صلى الله عليه وسلم بظهور المتنبئين الكذبة ، وقد حصل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم ، وأول ما ظهر في حياته صلى الله عليه وسلم اثنان: مسيلمة الكذاب في اليمامة ، والأسود العنسي في اليمن ، أما الأول فإنه قد تبعه قومٌ من أهل اليمامة ، ولما بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة جهز له جيشا بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه فقضى عليه ، وقد قتل يومئذ من المسلمين من أفاضلهم ومن قرَّاء القرآن العددُ الكثير، وأما الثاني وهو الأسود العنسي فقد قتله المسلمون قبل موت النبي.

ثم ظهر طليحة الأسدي وادَّعى النبوة ، وظهرت سجاح التميمية وادَّعت النبوة ، لكن الله مَنَّ على طليحة فتاب وجاهد في سبيل الله ، وكذلك سجاح تابت إلى الله ، ثم ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان وقتله الله على أيدي المسلمين ، ولا يزال المتنبئون الكذبة يظهرون بين الحين والآخر إلى أن ظهر منذ سنين رجلٌ في باكستان يسمَّى غلام أحمد القدياني ادَّعى النبوة وتبعه قومٌ وصار له اتباع الآن يسمون القديانية ، وقد كفَّرهم المسلمون ونبذوهم .

قوله :" وَأنَا خَاتَمُ النبيينَ ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي " خاتم النبيين أي آخر النبيين ، كما قال تعالى :" مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ " (الأحزاب 40)

قوله :"ولا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الحقِّ منصورة".

الطائفة: الجماعة.
وقوله "على الحق" جار ومجرور خبر تزال.
قوله " منصورة " خبر ثان ، ويجوز أن يكون حالا، والمعنى لا تزال على الحق، وهي كذلك أيضا منصورة
قوله "لا يضرُّهم من خذلهم " خذلهم أي لم ينصرهم ويوافقهم على ما ذهبوا إليه، وفي هذا دليل على أنه سيوجد من يخذلهم، لكنه لا يضرهم لأن الأمور بيد الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم " واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ"، رواه الترمذي وصححه الألباني .
قوله "حتَّى يأتيَ أمرُ اللهِ" وذلك بالريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، ثم يبقى الأشرار فعليهم تقوم الساعة، وهذه الريح تقع في آخر الزمان.

فيه مسائل
"الأولى: تفسير آية النساء"

وهي قوله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ " (النساء 74)، وسبق تفسيرها

"المسألة الثانية: تفسير آية المائدة "

وهي قوله تعالى :" قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ " (المائدة 60)

الشاهد هنا قوله :" وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ "

"المسألة الثالثة : تفسير آية الكهف "

وهي قوله تعالى :" قال الذين غَلَبُوا على أمرِهم لنتخذنَّ عليهم مسْجِداً " (الكهف21)، وسبق بيان معناها.

"المسألة الرابعة : وهي أهمها : ما معنى الإيمان بالجبت والطاغوت في هذا الموضع، هل هو اعتقاد قلب ؟ أو هو موافقة أصحابها مع بغضها ومعرفة بطلانها ؟."

أما إيمان القلب واعتقاده فهذا لا شكَّ في دخوله في الآية ، وأما موافقة أصحابِها في العمل مع بُغْضِها ومعرفةِ بطلانها فإنْ كان وافقَ أصحابَها بناءً على أنها صحيحةٌ فهذا كفر وإن كان وافق أصحابَها ولا يعتقد أنها صحيحةٌ فإنه لا يَكْفُرُ.

"المسألة الخامسة : قَوْلُهُمْ :إنَّ الكفارَ الَّذين يعرفون كفرَهم أهدى سبيلاً مِنَ المؤمنين "

، يعني أن هذا القول كفر وردة ؛ لأن من زعم أن الكفار الذين يعرف كفرهم أهدى سبيلا من المؤمنين فإنه كافر ؛ لتقديم الكفر على الإيمان.

"المسألة السادسة : وهي المقصود بالترجمة أنَّ هذا لا بدَّ أن يُوجدَ في الأُمَّةِ ، كما تقرر في حديث أبي سعيد "

حديث أبي سعيد هو قوله صلى الله عليه وسلم :" لتتبعُنَّ سَنَنَ مَنْ كان قبلكم .." الحديث .

"المسألة السابعة : تصريحه بوقوعها ، أعني عبادة الأوثان ".

الترجمة التي أشار إليها ، رحمه الله ، وهي قوله :" باب ما جاء أنَّ بعضَ هذه الأمةِ يعبدُ الأوثانَ."

"المسألة الثامنة : العجب العجاب خروج من يدعي النبوة ، مثل المختار، مع تكلمه بالشهادتين وتصريحه أنه من هذه الأمة ، وأن الرسول حق ، وأن القرآن حق ، وفيه أن محمدا خاتم النبيين ، ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح وقد خرج المختار في آخر عهد الصحابة وتبعه فئام كثيرة."

المختار هو ابن أبي عبيد الثقفي، خرج وغلب على الكوفة في أول خلافة ابن الزبير رضي الله عنه وأظهر محبة آل البيت، ودعا الناس إلى الثأر من قتلة الحسين وتتبعهم، وقتل كثيرا ممن باشر ذلك أو أعان عليه، فانخدع به العامة، ثم ادعى النبوة وزعم أن جبريل يأتيه ، وهذا من العجب العجاب أن يدعي النبوة وهو يؤمن أن القرآن حق وفي القرآن أن محمدا خاتم النبيين فكيف يكون صادقاً ؟ وكيف يصدق مع هذا التناقض.

"المسألة التاسعة : البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية كما زال فيما مضى، بل لا تزال عليه طائفة".

يؤخذ هذا من آخر الحديث " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".

"المسألة العاشرة : الآية العظمى أنهم مع قلتهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم "

وهذه آية عظمى أن الكثرة الكاثرة من بني آدم على خلاف ذلك، ومع ذلك لا يضرونهم " كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ " (البقرة 249)

"المسألة الحادية عشرة : أن ذلك الشرط إلى قيام الساعة." وقد سبق إيضاح ذلك.

"المسألة الثانية عشرة: ما فيه من الآيات العظيمة ، منها إخباره بأن الله زوى له المشارق والمغارب ، وأخبر بمعنى ذلك ، فوقع كما أخبر، بخلاف الجنوب والشمال وإخباره بأنه أعطي الكنزين ، وإخباره بإجابة دعوته لأمته في الاثنتين، وإخباره بأنه مُنِعَ الثالثة ، وإخباره بوقوع السيف وأنه لا يرفع إذا وقع ، وإخباره بإهلاك بعضهم بعضا ، وسبي بعضهم بعضا ، وخوفه على أمته من الأئمة المضلين ، وإخباره بظهور المتنبئين في هذه الأمة، وإخباره ببقاء الطائفة المنصورة ، وكل هذا وقع كما أخبر مع أن كل واحدة منها أبعدُ ما يكون في العقول."

فمما في هذا الحديث إخباره بأن الله سبحانه وتعالى زوى له المشارق والمغارب، ووقع كما أخبر بخلاف الجنوب والشمال، فإن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم امتدت نحو الشرق والغرب أكثر من امتدادها نحوالجنوب والشمال، ومنها إخباره أنه صلى الله عليه وسلم أعطي الكنزين ، وهما كنزا كسرا وقيصر، ومنها إخباره بإجابة دعوته لأمته في الاثنتين، وهما ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضا إلخ، ومنع الثالثة، وهي ألا يجعل بأس هذه الأمة بينها ، فإن هذا سوف يكون كما صرح به حديث عامر بن سعد عن أبيه " إن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل، فركع فيه ركعتين وصلينا معه، ودعا دعاء طويلا، وانصرف إلينا فقال سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها " أخرجه مسلم عن سعد رضي الله عنه، أي منعني إياها

ومن الآيات التي تضمنها هذا الحديث إخباره بوقوع السيف في أمته، وأنه إذا وقع فإنه لا يرفع حتى تقوم الساعة، وقد كان الأمر كذلك ، ومنها إخباره بإهلاك بعضهم بعضا وسبي بعضهم بعضا، هذا أيضا واقع، ومنها خوفه على أمته من الأئمة المضلين، والأئمة جمع إمام ، والإمام من يقتدى به إما لعلمه ، وإما لسلطته ، وإما لعبادته، ومنها إخباره بظهور المتنبئين في هذه الأمة ، وأنهم ثلاثون، والمراد بهؤلاء المدعين هؤلاء الذين يكون لهم شوكة وصولة وشبهة وإلا المدعون للنبوة كثيرون لا يحصون ، ومنهم سجاح التميمية وقد تابت ورجعت عن غيها، ومنهم طريحة الأسدي وقد تابعه جمع غفير من أسد ثم هداه الله وتاب ، ومنهم جماعة آخرون، ومنها إخباره ببقاء الطائفة المنصورة ، وهذا كله وقع كما أخبر عليه الصلاة والسلام، قال المصنف رحمه الله:" مع أن كل واحدة منها أبعد ما يكون في العقول".

"المسألة الثالثة عشرة :حصر الخوف على أمته من الأئمة المضلين."

وجْهُ هذا الحصرِ أن الأئمة ثلاثة أقسام: أمراء وعلماء وعُبَّاد، فهم الذين يخشى من إضلالهم لأنهم متبوعون فالأمراء لهم السلطة والتنفيذ، والعلماء لهم التوجيه والإرشاد، والعُبَّاد لهم تغرير الناس وخداعهم بأحوالهم ، فهؤلاء يطاعون ويقتدى بهم، فيخاف على الأمة منهم لأنهم إذا كانوا مضلين ضل بهم كثير من الناس، وإذا كانوا هادين اهتدى بهم كثير من الناس .

"المسألة الرابعة عشرة : التنبيه على معنى عبادة الأوثان"

يعني أن عبادة الأوثان لا تختص بالركوع والسجود لها، بل تشمل اتباع المضلين الذين يحلون ما حرم الله فيحله الناس، ويحرمون ما أحله الله فيحرمه الناس

وبالله التوفيق

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/3/14هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي