ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

العدالة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 26 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1961 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ للهِ أحكمِ الحاكمين، وأسْرَعِ الْحَاسبين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له قضى بين عبادِه بالحقِّ، ودعاهم إلى نُصْرَة الحق " وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ " الحج 40، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه خيرَ من حملَ ميزان العدل، واحتكم إليه خصمان، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها، وبعدُ؛

عبادَ اللهِ: يقول الله عز وجل " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " (النحل:90)، هذا إخبارُ عن الله عز وجلَّ أنَّه يأمرُ بالعدل المطلقِ الشاملِ لكلِّ حالٍ من الأحوال التي يتعرضُ لها الفردُ في المجتمع، حاكماً أو محكوماً غنياً أو فقيراً قوياً أو ضعيفاً رجلاً أو امرأة فهم جميعاً خلق الله .

ومن صفات الله التي تتعلق بهذا المقام صفتان :

أولاهما:أنه وصف نفسه بأنه الحق.

والثانية: أنه العدل، والحق والعدل شرطان يتوقف عليهما صلاح الأمة وبدونهما ترتد إلى أسفل مكان وأسوأ حال.

فالحقيقة الأساسية في سلوك المؤمن هي إحساسه دائماً بوجود الله مع كل خطوة يخطوها وكل همسة يهمسها فلا تزن الدنيا في نفسه مثقال ذرة حين امتلأت نفسه بمحبة الله وبالخوف منه، إنه يتذكر دائماً أن الله العدلَ سوفَ يحاسبه عاجلاً أو آجلاً وأن أعماله تحصى عليه لا تخفى منها خافية، ثم هي موزونة يوم القيامة لإقامة العدل بين الخلائق وهو يعتقد أن ميزان الله ميزان دقيق يزن الذرةَ من الأعمال ويَجزي عليها خيراً أو شَرًا.

فَكيفَ يَغْفَلُ البَعْضُ عنْ هذا كلِّه!، وقد قال سبحانه وتعالى : " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ " الأنبياء:47 ، ذلكم هو شعور المؤمن الذي ينبغي أن يكون، لا يتجه إلى الناس وإنما هو يستحضر رهبةَ الله في قلبه حينَ يقدمُ على عمل أو يضطلع بمسئولية، هذا أبو بكر رضي الله عنه يقول للناس يوم تولى الخلافة : أيها الناس الصدق أمانة والكذب خيانة الضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه " صححه شعيب الأرناؤوط.

عباد الله : لقد تناول القرآن مشكلة التعامل المادي بين الناس فشرع إقامتها على أساس العقود وألا تترك سائبة يسهل على الذمم الخربة إنكارها ثم أمر كاتب العقد أن يكون عادلاً "وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ " البقرة:282. وأمر المملي لشروط العقد أن يلتزم كذلك العدل " فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ " البقرة:282. ثم اشترط العدالة فيمن يشهد لإثبات الحق وأن يجعل قول الحق نصب عينيه دون أن يراعي قرابة أو يفرط من أجل منفعة " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ "الأنعام:152. ويأتي أخيراً دور القاضي الذي يجد بين يديه العقد المملى بالعدل المكتوب بالعدل الموثق بشهادة العدل فيتوجه إليه القرآن بآية تدوي في قلوب القضاة إلى يوم القيامة "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ "النساء:58. وليس القاضي من يشغل وظيفة القضاء فحسب، بل كل من حكم بين اثنين. غيرَ أن الإسلام قد ركز قدراً كبيراً من الاهتمام على جانب العدل بين الرعية، ودعا الإمام والحاكم أن يلتزم العدالة المطلقة بين الناس لأن الظلم فضلاً عن مرارته في الدنيا على أنفس المظلومين هو ظلمات يوم القيامة في أعين الظالمين .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ الذي هدانا للإسلامِ " وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ " (الأعراف 43)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد

أيها المسلمون: هذا هو دينكم يأمركم بالعدل ويجعله شريعة لكم ويحرم عليكم الظلم ويخوفكم عواقبه فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربِّه عَزَّ وَجَلَّ أنه قال: " يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا" رواه مسلم.

عباد الله: على كل مسلم أن يقف من نفسه ومن أخيه ومن أهله ومن الناس موقفَ القاضي الذي يصدر الحكم وينتظر العواقب والنفس أمارة بالسوء إلا من رحم ربي فالعاقل من أنصف من نفسه قبل أن ينتصف الله منه

وأنتم مدعوون إلى أن تحاسبوا أنفسكم وتحكموا لها أو عليها كما أنكم مدعوون أن تلتزموا جانب العدل في علاقتكم بإخوانكم وأبنائكم وأهليكم لا تظلم أخاك ولا تجامل بعض أهلك على حساب بعض لكيلا تزرع الحقد والبغضاء في قلوبهم وتورثهم النزاع والشحناء فيما بينهم ثم يبقى لك غضب الله عند لقائه واذكروا دائماً أن الله قد حكم بين العباد وأنكم لستم إلا منفذين لأحكامه " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " النور:63 ، واستمعوا إلى أدب النبوة يحدد لكم المنهاج ويخوفكم عاقبة الظلم فعن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " رواه البخاري ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا " رواه مسلم

اللهم اجعلنا من العادلين في أقوالنا وأفعالنا ولا تجعلنا ظالمين ولا تسلط علينا الظالمين واجعل الخوف منك نصْبَ أعيننا وصلى الله على نبينا محمد.

1435-3-26هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي