ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

تعلم العلم الشرعي

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 26 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 2404 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله بَدَّدَ بالعلمِ ظلماتِ الجهلِ الحالكةِ، أحمدُه سبحانه، جعل العلمَ طريقاً إلى العزَّةِ والسعادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه، رسولُ الهُدى وبحرُ العلوم الزاخرة، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله؛ إن أشرف ما تنافس فيه المتنافسون وأفضل ما بذلت فيه الجهود طلب العلم فهو الروح يمد الجسم بالحيوية وهو النور الوضاء يبدد ظلمات الجهل ويهدي إلى السبيل كما قال تعالى {أفمن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}[الأنعام:122]. وقال تعالى في الإشادة بالعلماء وتفضيلهم على من سواهم {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر:9ل]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدنيا ملعونة معلون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما " (حسنه الألباني)، والعلم النافع يا عباد الله يشمل علوم الدين والدنيا معاً إذ أن في علوم الدنيا التي اقتضت حكمة الله عمارتها ما يكون في الأخذ بطرف منه رفع مستوى الأمة حيث يجوب أفرادها آفاقاً من المعرفة أصبحت من الضروريات وما تتطلبه الحياة فكما تحتاج الأمة إلى الوعاظ والقضاة وأهل الحسبة تتطلب الطبيب الحاذق والمهندس البارع والباحث في طبقات الأرض وغيرهم.

غير أن ما ورد في القرآن والسنة من فضل العلم إنما يعني العلم الشرعي الذي يرسم طريق السعادة في حياة الخلود كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (رواه البخاري).

وإن مما يحز في نفس كل مسلم غيور على دينه انصراف الأكثرين عن هذا العلم الشرعي الذي به حياة القلوب والذي يترتب عليه معرفة الأحكام الشرعية وبيان الحلال والحرام بالإضافة إلى أثره في التهذيب النفسي والسمو الروحي وما ذاك إلا للنظرة المادية التي طغت على النفوس وللحرص على تأمين المستقبل بزعمهم وكان نتيجة ذلك انصراف الأكثرين عن علوم الدين حتى أضحى البلد في أزمة من العلماء العاملين وفي أزمة من المعلمين الواعين والوعاظ والمرشدين المثقفين والقضاة اللامعين وسوف يأتي اليوم الذي تلحق فيه البقية الباقية من العلماء بربهم ثم تكون المأساة المروعة وهي ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول "إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا"رواه البخاري. إنها مأساة مخيفة ومشكلة تتطلب المبادرة بالحلول العاجلة فرأس مال المسلم دينه ولا طريق إلى التعرف إليه إلا بمعرفة الدين والتمرس فيها ولا حياة لأمة ولا سعادة أو فلاح إلا إذا عنيت برأس مالها فنمته وحافظت عليه وطالبت أن يكون في طليعة ما يعني به من أمور الإصلاح

يا عباد الله: تأملوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"رواه ابن ماجه وصححه الألباني. فيا لسعادة من أخذ به ففاز بالربح العظيم

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب النهج القويم والخلق العظيم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه

أما بعد

عباد الله: إن في دنيا المدارس مدرسة أخرجت إلى الدنيا طرازاً من المتعلمين ينشرون العلم والمعرفة ويهدون بهداية الله إلى السبيل السوي إنها يا عباد الله المدرسة الأولى التي كانت حصناً للدين في مبدأ نشأته مدرسة النبوة في دار الأرقم تشع بنور النبوة ويعمر بقلوب أهلها الإيمان.

وكانت المدرسة الثانية في مسجد المدينة ولم تكن المدرستان وحدهما وقفاً على إشاعة العلم والمعرفة بل أصبح في كل بيت مدرسة يأخذ الرجل على عاتقه تعليم أهله ومن يقع تحت مسئوليته يعلمهم ما يبلغه من الدين عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ويأخذهم بتطبيقه كما وصفت هذا الواقع أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فقالَتْ:" يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ؛ لَمَّا أنْزَلَ اللَّهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بهَا. " (صحيح البخاري)،أي: إنهَُنَّ طبقْنَ العلم بالعمل

وفي قصة الغامدية التي أصرت على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطهرها بالحد أكبر برهان على تأثير النفوس بالدين وفي قصة تحريم الخمر أيضاً حيث كانت الكؤوس مترعة في أيدي البعض فدخل عليهم من أخبرهم بتحريم الخمر وقرأ الآية الكريمة {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة:91]. فأراقوا الكؤوس في الحال وقالوا بلسان واحد انتهينا ربنا انتهينا، هكذا كانت مدارسهم وهكذا كان الأثر الطيب لتطبيق العلم والتربية الصالحة المصلحة الهادفة الراشدة .

فاتقوا الله يا عباد الله، واحزموا الأمر وصلوا الحاضر بالماضي؛ لتبلغوا أرفع مدارج العزة في العاجلة وخيرَ منازل المقربين في العقبى.

نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يكون حجة لنا لا علينا.وأن يوفقنا وولاة أمرنا لما يحب ويرضى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصل اللهم على نبينا محمد.

1435/3/26هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي