الحمد لله الذي هدانا للإسلام وهيَّأَ لنا وسائلَ حجِّ بيته الحرام، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره ونسأله أن يغفر لنا جميع الذنوب والآثام وأن يوفقنا لأداء مناسكنا ويجعلنا ممن قام بواجبه نحو ربه وخاف طول المقام بين يدي الملك العلام ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه. 
أما بعد؛
عباد الله: اتقوا الله وتمسكوا بدينه الذي رضيه لعباده وشرعه لهم وقبله منهم ، فالمسلم إذا عرف دينه وقام بما يجب عليه فقد سار على نور من ربه إلى دار السلام ومن رغب عنه فقد غرق في بحار الظلام، قال تعالى:{أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم} [الملك:22].
وقد بني الإسلام على خمسة أركان: الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم وحج بيت الله الحرام.
 وقد أوجب الله الحج على المستطيع إذا كان مسلماً بالغاً حراً صحيحاً لقول الله تعالى:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران:97].
 وشرع الله العبادات لمصالح عباده لا لحاجته لها فالله هو الغني المغني فإنه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية قال تعالى:{لن ينال الله لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} [الحج:37].  شرع العبادات رحمة لعباده وإقامة لمصالحهم ليتنعم بها الطائعون ويحمد مغتنمها الشاكرون ويتحسر على فواتها المفرطون والعاصون ويوم التغابن يعض الظالم على يديه يقول: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وقد بين الله منافع الحج لعباده في الدنيا والآخرة.
 ففي الدنيا سعة الرزق وسعة خلف النفقة ومكافحة الفقر والإقتداء بالأنبياء قال تعالى:{ليشهدوا منافع لهم} [الحج:28].
 وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"  تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ ". [صحيح النسائي للألباني] . 
وأما نفعه في الآخرة فجنات الخلد التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفي الحديث " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " [رواه البخاري ومسلم].
وعلى الحاج أن يختار رفيقاً صالحاً من أهل العلم والتقوى يعينه على أداء نسكه على الوجه الأكمل لعل الله يقبل حجه؛ فأهل العلم والصلاح هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، وليحذر من الرفث والفسوق والعصيان والجدال وليحذر من إيذاء المسلمين ومضارتهم، فمن ضار مسلماً ضاره الله ولا سيما وفود بيت الله والمتلبسين بطاعته من طواف وسعي ووقوف ورمي.
وإذا دخلت العشر فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا من بشرته شيئا حتى يضحي إلا المتمتع فإنه يقصر من شعره لإحلاله من عمرته لأنه نسك إلا الناسي أو من جهل الحكم فلا شيء عليه ومن تعمد أثم وأضحيته صحيحة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحيكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى نحمده ونشكره ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه الذين محبتهم وأتباعهم علينا فرض.
أما بعد؛
عباد الله: اعلموا أن للحج أركانًا وواجباتٍ ومسنوناتٍ ينبغي أن يعرفها المسلم؛ ليكون على بصيرة من أمره خوفاً أن يفسد حجه وهو لا يشعر فأركان الحج أربعة هي الإحرام والوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي.
وواجباته سبعة وهي الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل والمبيت بمنى ليالي التشريق ورمي الجمار مرتبة والحلق أو التقصير وطواف الوداع إلا أنه خفف عن الحائض والنفساء
وأركان العمرة ثلاثة وهي الإحرام والطواف والسعي وواجباتها الإحرام من الميقات أو الحل لمن أهله دونه والحلق أو التقصير والباقي سنن أقوال وأفعال.
 فمن ترك ركنا بطل نسكه إلا أن يتداركه مثل الإحرام أو طواف الإفاضة أما الوقوف بعرفة فإنه إذا طلع فجر يوم العيد ولم يقف بعرفة بطل نسكه ومن ترك واجباً جبره بدم فإن لم يجد صام صوم تمتع ثلاث  أيام في الحج وسبعة إّذا رجع ومن ترك مسنوناً لا شيء عليه.
عباد الله: اعلموا أن بين أيديكم موسماً تقال فيه العثرات وتغفر فيه الزلات وترفع فيه الأصوات بالدعوات ويشترك فيه السائر إلى بيت الله الحرام والمقيم على الطاعات فيا ذوو الهمم العالية أكثروا في هذا الموسم من التهليل والتسبيح والاستغفار وتلاوة الآيات واسألوه أن ينصر الإسلام والمسلمين وأن يرحم الأحياء والأموات وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا وأن يعصمنا من الخلاف والشتات وأن يعز الإسلام والمسلمين ويحمي حوزة الدين ويذل الشرك والمشركين والمنافقين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ولات أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك وحاذر غضبك واتبع رضاك اللهم تقبل عمل المسلمين واجعل حجهم مبروراً وذنبهم مغفوراً وسعيهم مشكوراً اللهم ابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ، اللهم أصلح أحوال المسلمين ووفقهم لما يسعدهم في الدنيا والدين وأقر عيونهم بصلاح دينهم ودنياهم وذرياتهم .
اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسائر الفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين{ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.} [البقرة:201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم:{وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون} [العنكبوت:45].
1434/12/1 هـ