التحذير من أخطار السيارات

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 9 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 3224 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علماً وقضى بما يريد حكمة وحكماً أنعم بالنعم ابتلاء وامتحاناً فمن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد، وأشهد أن لا له إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الرسل وخلاصة العبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على الرشد والتسديد وسلم تسليماً

أما بعد

أيها الناس اتقوا الله تعالى وقيدوا نعمه عليكم بشكرها وحسن التصرف فيها فإن الشكر به ازدياد النعم وحسن التصرف فيها به تتمحض نعما. أما إذا كفرت النعم فذلك سبب زوالها ومعول هدمها. قال الله عز وجل "لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور"سبأ:15-17.، وقال سبحانه "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"النحل:112.

أيها الناس: هذان مثلان لبلدين أنعم الله عليهما بنضارة الدنيا ورغد العيش بدلوا نعمة الله كفرا فأعرضوا عن دين الله وارتكبوا محارم الله فأبدلهم الله بنعمه نقما وبرغد العيش نكدا أفتظنون أنكم إذا كفرتم بنعم الله ناجون وعما وقع فيه أولئك سالمون كلا فسنن الله في عباده واحدة ليس بين الله وبين أحد من الناس نسبا فيراعيه واسمعوا قول الله عز وجل: "فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا"فاطر:42-43. وقول الله عز وجل: "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها"محمد:10. وقول الله سبحانه في الحكم العام الشامل: "وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد"إبراهيم:7.

عباد الله: إن مما أنعم الله به علينا في هذا العصر تلك السيارات التي ملأت المدن والقرى والبراري وقادها الصغير والكبير والعاقل والسفيه فهل نحن شكرنا هذه النعمة وهل نحن أحسنا التصرف فيها؟ لننظر. لقد استعمل بعض الناس هذه السيارات في أغراضه السيئة والوصول إلى مآربه السافلة فصار يفر بها إلى البراري ليتناول ما تهواه نفسه بعيدا عن الناس وعن أيدي الإصلاح ويخرج بها عن البلد ليضيع ما أوجب الله عليه من إقامة الصلاة في وقتها فهل يصح أن يقال لمثل هذا إنه شاكر لنعمة الله وهل يصح أن نقول إنه سالم من عقوبة الله كلا فهو لم يشكر نعمة الله ولم يسلم من عقوبته وليست عقوبة الله للعبد أن تكون عقوبة دنيوية مادية فهناك عقوبة أشد وهي عقوبة قسوة القلب وكونه يرى ما هو عليه من انتهاك المحرمات وإضاعة الواجبات يراه وكأنه لم يفعل شيئا يعاقب عليه بعد موته فلا يكاد يقلع عنه

ولقد استعمل بعض الناس هذه السيارات فلم يحسن التصرف فيها فوكلها إلى قوم صغار السن أو صغار العقول تجده يقود السيارة وهو صغير السن لا يكاد يرى من نافذتها وتراه يسوق السيارات وهو كبير السن ولكنه صغير العقل متهور لا يراعي الأنظمة ولا يبالي بالأرواح، سرعة جنونية في البلد وخارج البلد ونعني بالسرعة الجنونية كل سرعة تزيد على ما كان ينبغي أن يسير عليه ويختلف بحسب المكان وازدحام السكان فليست السرعة في البلد كالسرعة خارجه وليست السرعة في مكان كثير المنعطفات والمنافذ الشارعة فيه كالسرعة في مكان خال. تجده يسير مخالفا للأنظمة يحاول أن يجاوز من أمامه وهو لم يضمن السلامة يسير في الخط المعاكس لاتجاهه وهو لغيره فيوقع من قابله في الحيرة أو التلف

إن كل عاقل ليعجب أن تعطى قيادة السيارات لهؤلاء الصغار الذين لا يستطيعون التخلص في ساعة الخطر وإن كل عاقل ليعجب من هؤلاء المتهورين الذين لا يراعون حرمة نظام الدولة ولا حرمة نفوس المسلمين مع أن الفرق في مراعاة النظام والسير المعتدل أمر بسيط فلو قدرنا أن شخصا أراد أن يسير بسرعة تبلغ مائة كيلو في الساعة فسار بسرعة ثمانين فمعناه أنه لم يتأخر سوى اثنتي عشرة دقيقة في سير ساعة كاملة وست دقائق في سير نصف ساعة وثلاث دقائق في سير ربع ساعة وما أيسر هذا التأخر الذي به وقاية النفس والمال من الخطر والذي يمكن أن يزول بأن يتقدم في مشيه بمقدار هذا التأخر

أيها الناس لقد كثرت الحوادث من أجل هذه الأمور كثرة فاحشة فأصبح المصابون بها ما بين كسير وجريح وميت ليس بالأفراد فحسب ولكن بالأفراد أحيانا وبالجملة أحيانا ثم يترتب على هذه الحوادث خسائر مالية وخسائر روحية وندم وحسرة في قلوب مسببي هذه الحوادث إن كانت قلوبهم حية تخشى الله وترحم عباد الله وتريد أن تسلك مع الناس بالسيرة الحسنة

وقاني الله وإياكم شر الحوادث وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا

أما بعد

عباد الله: إن النفس إذا فقدت بهذه الحوادث لزم من ذلك

أولاً: إخراج هذا الميت من الدنيا وحرمانه من التزود بالعمل الصالح والاستعتاب من العمل السيئ

ثانياً: فقد أهله وأصحابه بالتمتع معه في الحياة

ثالثاً: إرمال زوجته وإيتام أولاده إن كان ذا زوجة وعيال

رابعاً: غرامة ديته تسلم إلى ورثته

خامساً: وجوب الكفارة حقا لله تعالى فكل من قتل نفسا خطأ أو تسبب لذلك أو شارك فيه فعليه الكفارة فلو اشترك اثنان في حادث وتلف به شخص فعلى كل واحد منهما كفارة كاملة والكفارة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد كما هو الواقع في عصرنا فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما يوما واحدا إلا من عذر شرعي فإن أفطر قبل إتمامها ولو بيوم واحد من دون عذر وجب استئنافهما من جديد وهذه الكفارة حق لله تعالى لا تسقط بعفو أهل الميت عن الدية فأهل الميت إذا عفوا عن الدية إنما يملكون إسقاط الدية إن رأوا في إسقاطها مصلحة، وأما الكفارة فلا يملكون إسقاطها لأنها حق الله عز وجل وهذه الكفارة أيضا تتعدد بتعدد الأموات بسبب الحادث فإن كان الميت واحدا فشهران وإن مات اثنان فأربعة أشهر وإن مات ثلاثة فستة أشهر وهكذا لكل نفس شهران متتابعان

فاتقوا الله تعالى في أنفسكم واتقوا الله في إخوانكم المسلمين في أنفسهم وأموالهم واتقوا الله تعالى بطاعته وطاعة ولاة أموركم بالمعروف واعلموا أن مخالفة نظام الدولة ليس مخالفة لبشر فقط ولكن مخالفة للبشر ولخالق البشر فإن الله تعالى أمر بطاعة ولاة الأمر في غير معصية الله قال الله تعالى: " يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " النساء 59 .

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المجاهدين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين الذي شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة وجازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وإحسانا برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

ملحوظة : ألقيت هذه الخطبة لأول مرة في عام 1400هـ

1434-10-8هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية