الحمد لله أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا، الحمد لله في البدء والختام، والحمد لله على التمام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبدُهُ ورسولُهُ، بدرُ التمامِ، ومسكُ الختامِ ، ورضي الله عن صحبه البررةِ الكرامِ والتابعين ومن تبعهم بإحسان، ما تعاقب الليلُ والنَّهارُ.
أما بعد؛
الحمدُ لله الذي منَّ على الحجيج بأداء فريضةِِّ الحج ـ جعل الله حجهم مبرورا، وسعيهم مشكورا، وتقبلَ الله منَّا ومنكم صالحَ الأعمال، نهنئكم على أداء المناسك بكل يسر وسهولة، وأمن واطمئنان، ولله الفضل والمنة ، وإن الوعي والتعاون من قبل الحجيج مع الجهات المسؤلة ، لا سيما مع رجال الأمن ، كان له الأثر الفاعل في أن يخرج الحج هذا العام في صورة طيبة ؛ حيث أدى الجميع مناسكهم بطريقة منظمة.
أيها المسلمون؛ لقد انتهى موسم الحجِّ الذي أدَّى فيه المسلمون الركنَ الخامسَ من أركان الإسلام ومبانيه العظام، وكثيرٌ منهم زارَ مسجدَ رسولِ الله ﷺ وتشرفوا بالسلام عليه وعلى صاحبيه، وعادوا سالمين غانمين، وبالأجر وحسن الثواب موفورين مستبشرين بفضل الله ونعمائه أن يسر لهم حج بيته الحرام وأعانهم على حجهم وأراهم مناسكهم.
عبادَ الله؛ إنَّ نعمَ الله على هذه البلاد لا تعدُّ ولا تحصى، ولله الحمدُ والمنَّةُ، فهي بلاد الحرمين ومهبطُ الوحي ومنبعُ الرسالة، ومنطلقُ الدعوة الإسلامية، وعلى ثراها عاش رسولُ الله محمد ﷺ؛ وإن من النعم التي تجددت لهذه البلاد المباركة بل للمسلمين جميعا نجاح موسم حج هذا العام على كافة الأصعدة؛ فالحمد لله على فضله وإنعامه {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ }[النحل53] فإن الله قد سهل الحج ويسره فاستتب الأمن وعبدت الطرق وجاء الحجاج برا وجوا وبحرا.. { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. [الحج 27]
عباد الله ؛ يقول الله سبحانه: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ } [البقرة 200].
فالمؤمن دائما في حال ذكر، ومراقبة ومعية لله في ذكره وشكره وتكبيره ، يخرج من طاعة إلى طاعة ، وفي حال استنفار ،فيتسابق لتحصيل الأجر، وكسب الحسنات، فيكون قلبه دائما معلقا بطاعة ربه ورضا خالقه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين .
هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أمرنا بالتزود من العلم وبين لنا فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً رسول رب العالمين الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد؛ فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى.
عباد الله؛ ونحن على أبواب الاختبارات الدراسية لفِتيَانِنا وفَتَياتِنا وفقهم الله إلى كل خير فيجدر بالآباء والأمهات، أن يكونوا عونًا لأولادهم في مُذَاكرتهم، وتَهيئة ما يناسبهم، وأن يَزْرعوا فيهم التَّفاؤل مع الجِدِّ في التحصيل، وأنْ ينظِّموا أوقاتهم، ويُبْعدوا عنهم الشَّواغل التي تضيع وقتهم من غير فائدة؛ ومما تجدر الإشارةُ إليه في أيام الاختبارات أنَّ الفترة التي تَعْقب أداء الاختبارات مِن أصعب ما يمرُّ بالفتى والشابِّ اليافع؛ إذْ يَجد فيها الطُّلاَّبُ مِن الفراغ وانشغال الأهل عنهم، ما يخفف عليه الرقابة والمتابعة، وقد يصحبون رفقاءَ سوءٍ يؤثرون فيهم بسيء الأخلاق والعادات، أو يوقعونهم في شَرَكِ الفساد والمهلكات، وقد يُؤْذون أنفسهم ويضرون غيرهم بتنقُّلهم في الشوارع وتهورهم بالمركبات، ومِن هنا فالحرْصَ الحرصَ على العناية بأبنائنا في هذه الفترة المهمة بتشجيعهم وحثهم على المذاكرة واستغلال أوقاتهم من جهة، ومتابعتهم بعد الانتهاء منها ، والحرص على عودتهم باكرا إلى منازلهم ؛ حفاظًا على صَلاحهم ، وتحقيقا لسلامتهم مِن كل سُوء ومكروه. ولا يُقبلُ التهاونُ في هذا، فهم أغلى ما نملك، نَسأل الله بمَنِّه وكرَمِه أنْ يَحفظهم، وأن يوفِّقهم في اختباراتهم، ويكلِّل اجتهادهم بالتفوُّق والنجاح.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]. وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَ الْحُجَّاجِ حَجَّهُمْ، وَاجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُورًا وَسَعْيَهُمْ مَشْكُورًا، وَذَنْبَهُمْ مَغْفُورًا، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَمِّنْ حُدُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَجَمِيعَ وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.