المباهاة بكثرة الأطعمة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 19 شوال 1446هـ | عدد الزيارات: 272 القسم: الخطب الكتابية

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70 71]

أما بعد:

يقول سبحانه وتعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف 31]

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ؛ والبعدِ عن الإسراف والتبذير .

عباد الله : نعم الله علينا كثيرة : ظاهرةٍ وباطنةٍ ، ومن تلكَ النِّعمِ : نعمةُ الطعامِ ، فهوَ قوامُ حياةِ الإنسانِ ، وغذاءُ بدنِه ومصدرُ قوتِه وطاقتِه ، فلا حياة للإنسان دون طعام ، وأَمرَنا سبحانَه وتعالى أَنْ نتأمَّلَ في بديعِ إيجادِ هذا الطعامِ ومراحلِ تكوينِه ، فقالَ جلَّ وعلا : { فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِه * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُم } . [عبس 24-32]

عباد الله :إن نعمة الطعام من أجل النعم ، ونحنُ مسؤولونَ عنهَا ومحاسبونَ عليهَا ، وعلى تأديةِ الشكرِ لمسدِيها جلَّ وعلا {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم 7]

وقدَ أمرَنا اللهُ جلَّ وعلا بالمحافظةِ على نعمةِ الطعامِ وعدمِ الإسرافِ فيهَا وإهدارها ، كما يحصل في كثير من ولائم الزواجات وغيرها من الإسراف والمبالغة في كثرة الطعام وتعدد أصنافه ، كما حذَّر ربُّنا جلَّ وعلا من التبذيرِ ونفَّرَ منه ، ووَصَفَه في كتابِه بأقبحِ الصفاتِ ، وَجَعلَ المبذرَ أخًا للشيطانِ ، لأن أضرارَه كثيرةٌ وخطيرةٌ .

ولقد جاءتْ نصوصُ كثيرةٌ تُحذِّرُ من الإسرافِ والتبذيرِ ، وتأمرُ بالتوسُّطِ في النَّفقةِ والاعتدالِ فيهَا ، ومِنْ ذلكَ قَولُه تعَالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } [الإسراء: 26، 27] ، قال ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه : " التبذيرُ هو الانفاقُ في غيرِ حقٍّ ، أمَّا الانفاقُ في الحقِّ فلا يُعدُّ تبذيرًا " . وقال الشافعي رحمه الله : ( التبذير إنفاقُ المال في غير حقِّه ) وقال مجاهدُ رحمه اللهُ : " لو أنْفقَ إنسانٌ مالَه كلَّه في الحقِّ لم يكنْ مبذراً ، ولو انْفقَ مُدًّاً في غيرِ الحقِّ كانَ مُبذِّراً " . ، قال عطاء رحمه الله في قَولُه تعَالى : {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف:31]: (نُهوا عن الإسراف في كل شيء).

والإسرافُ: هو مجاوزةُ الحدِّ أيًّا كان ، وقال الراغب الأصفهاني : ( السَّرَفُ : تجاوزُ الحد في كلِّ فعلٍ يفعله الإنسان ، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر ) وقَولُه تعَالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا }[الفرقان:67] ، وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا : قيلَ وَقالَ ، وإضاعَةَ المالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤالِ ) رواه البخاري ومسلم ، وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم :( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا ، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ ) حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه .

والإسرافُ والتبذيرُ مرضانِ من الأمراضِ الفتَّاكةِ التي تنخرُ في قوِّةِ المجتمعِ وصلابتِه ، فمنْ لا يجدُ شيئًا يتقوَّى به على أمورِ دينِه ودنياهُ، وشَاهَدَ مَنْ يُسرفُ ويُبذِّر ويرمي نعمَ اللهِ تعالى هنا وهناكَ ، فإنَّه يضيقُ صدرُه ، ويصيبُه الحُزنُ .

كما أن الإسراف والتبذير من أعظم أسباب زوال النعمة وفقدها ، يقول الله تعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [النحل 112] .

كما أن بقاء النّعم التي أنعم الله بها علينا، ومنها نعمة الطعام إنما يكون بشيء واحد، هو شكر صاحب الفضل والإنعام سبحانه وتعالى القائل:{كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ15]، والشكر يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح.

فالشُّكرَ يحفظُ النِّعمةَ ويُنمِّيها ، ويجلبُ رضَا مُسدِيهَا ومُولِيها ، والنِّعمةُ إذَا شُكرتْ قرَّت وإذا كُفِرتْ فرَّت . فاتقوا الله عباد الله واحترموا نعمة الله واشكروه عليها حتى تدوم لكم .

هذا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، أما بعد؛

عباد الله : إنَّ الواجب على المسلمَ أن يكون معتدلًا متوسّطًا مقتصداً في أموره كلِّها ، لا إسرافَ وتبذير ولا تَقْتِيرَ ؛ لأنه ينطلق في ذلك من تعاليم الإسلام التي تأمرُه بالاعتدال والتوازن والاقتصاد في جميع الأمور ، وتنهاه عن الإسراف والتبذير ومجاوزةِ الحَد.

ثمَّ اعلموا أن من أفضل الأعمال وأزكاها عند ربكم : الإكثارَ من الصلاة والتَّسليم على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذلَّ الشِّرك والمشركين ، اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين ، اللهم مَنْ أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فاشغله في نفسه ، واجعل تدميره في تدبيره يا رب العالمين . اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات . اللهم وفِّق ولي أمرنا ، وولي عهده لما تحبه وترضاه ، وهيئ لهما البطانة الصالحة ، اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لما تُحبُّ وترضى واجعلهم رحمةً على رعاياهم وشعوبهم ، اللهم احفظ ووفق جنودنا ورجال أمننا وسدد رميهم وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم احفظ علينا نعمك ، ووفقنا لشكرك وطاعتك ، { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } [الأعراف 23] ، { ربنا آتِنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنَا عذاب النار } [البقرة 201]. وأقم الصلاة .

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 4 =

/500
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي