الدرس 207 باب الغصب

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 4 ربيع الأول 1443هـ | عدد الزيارات: 456 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

قول المصنف " الغصبُ هو الاستيلاءُ على حقِّ غيرِه قَهْرًا بغير حقٍّ"

الغصب لغة: أخذ الشيء ظلمًا، فهو مصدر: غصب يغصب غصبًا ، بمعنى : قهرَ، وفي الاصطلاح : هو كما عرفه المصنف.

فقوله" حقّ غيرِه" سواء كان مِلْكًا أو اختصاصًا، فالملك كالدراهم والسيارات والمعدات والعقارات، والاختصاص : كالشيء الذي لا يملك لكن صاحبه أخصه به، مثل : كلب الصيد ، فإن كلب الصيد لا يملك ؛ ولذلك لا يباع ولا يشترى، وللفائدة الحيوانات المفترسة لا يجوز بيعها ولا شراؤها مثل الأسد والضبع والذئب.

وقوله: "قهرًا" خرج به السرقة والنهب والاختلاس؛ لأنَّ هذه ليست قَهْرًا.

قوله :"بغير حق" ومثال الاستيلاء بحق : أخذ الوليُّ أموالَ اليتامى وحفظها والاتجار بها لمصلحة اليتيم.

قوله: "من عقار ومنقول" مثال العقار: الأرضين، والبيوت ، ومثال المنقول: السيارات والأثاث والمعدات، والدليل على التحريم قوله صلى الله عليه ولم:" مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَومَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ. " أخرجه مسلم ، فالغصب محرم بإجماع المسلمين، لقوله تعالى:"وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ" (البقرة 188)، فيلزم الغاصب أن يتوب إلى الله، ويرد المغصوب إلى صاحبه، ويطلب منه العفو، لقوله صلى الله عليه وسلم:" مَن كَانَتْ له مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ،..." رواه البخاري، وإن كان تالفًا ردَّ بدله، وهناك أشياء من الغصب تعتبر من كبائر الذنوب، وهي التي ورد فيها الوعيد مثل اقتطاع الأرض و أكل أموال اليتامى .

قوله:"وإن غصب كلبًا يقتنى أو خمر ذميّ ردَّهما "، قوله: " كلبًا يقتنى " أي يحل اقتناؤه، وهو كلب الصيد والحراسة، وما عداهما يحرم اقتناؤه، ولا يجوز اقتناء الكلب تشبها بالكفار وتفاخرا به، وينقص من أجر المسلم كل يوم قيراط، والكلب من أخبث الحيوانات من حيث النجاسة، فإن نجاسته لا تطهر إلا بغسله سبع مرات إحداها بالتراب ، ومن اقتنى كلبًا عقورًا فاعْتدى على المارَّةِ ضَمِنَ .

قوله: "أو خمر ذميّ " الذمي هو الكافر الذي أقام في بلاد الإسلام مؤمنا على ماله ونفسه ويدفع الجزية، فإذا غصب خمر ذميّ وجب عليه ردُّه إذا لم يكن مجاهرًا، وإذا نقض الذمي العهد فيعتبر حربيًا ، ويكون خمره هدرا، وإن غصب خمر مسلم فهدر ، إذا كان له السلطة في التغيير باليد ، وإلا فلا يحل له أن يتجرأ على حق السلطان ويفتات عليه.

قوله:"ولا يرد جلد مَيْتَة " الصحيح أنه يجب ردُّه إذا ادَّعى صاحب الجلد أن بإمكانه الانتفاع به بعد دبغه، والله حرَّم الميتةَ ولم يحرمْ الجلدَ بعد دبغه؛ لأنه يصبح طاهرًا، ولأنَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَجَدَ "شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بجِلْدِهَا؟ قالوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، قالَ: إنَّما حَرُمَ أكْلُهَا."صحيح البخاري

قوله :"وإتلاف الثلاثة هدر"، الثلاثة : يعني الكلب ، وخمر الذمي وجلد الميتة. أي لا يضمن المتلف، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ،"، أخرجه مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه، فالكلب والخمر لا قيمة لهما شرعا ، دليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم بيعه ،أما جلد الميتة فيدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"إنَّ اللَّهَ ورَسولَه حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ والمَيْتَةِ، " أخرجه البخاري، فلا قيمة لها شرعًا ما لم يدبغ.

قوله:"وإن استولى على حُرٍّ لم يضمنه" أي أخذ حُرَّاً واستولى عليه حتى جعله كالرقيق له ثم مات الحُرُّ فلا يضمنه؛ لأنَّ الحُرَّ ليس بمال بخلاف العبد فإنه يضمنه، ومثله لو استولى على سيارة أو بيت أو ما أشبه ذلك فإنه يضمنه، والصحيح أنه يضمن الحر الصغير؛ لأنه لا يملك الدفاع عن نفسه بخلاف الكبير.

قوله:" وإن استعمله كرهًا وحبسه فعليه أجرته" أي أكرهه على خدمته، أو البقاء في دكانه فعليه أجرته؛ لأنه أتلف منفعته ظلما وعدوانا. وإنْ حبسه فمات في الحبس فإنه يضمن بدية، ومثله لو حبسه فنزلت به صاعقة فمات فإنه يضمن.

قوله:"ويلزم رد المغصوب بزيادته" أي يجب شرعا على الغاصب رد المغصوب ومَؤُونةُ ردَّه على الغاصب.

قوله" بزيادته " يعني لو زاد المغصوب زيادة متصلة أو منفصلة، فإن الزيادة لمالكه.

قوله:"وإن غرم أضعافَه" يعني لو غصب شعيرًا فخلطه بِبُر فيلزمه تخليصه ولو كانت قيمة التخليص أضعاف قيمة الشعير.

قوله: " وإن بنى في الأرض أو غرس لزمه القلع وأرش نقصها وتسويتها والأجرة "، إذا طالب المالك فعلى الغاصب فعل ذلك؛ لأن المالك يريد أن يغرس نوعا أفضل وبناءً أفضل، إلا إذا تبين أن هدف المالك المضارة بالغاصب فلا ، إذْ لا ضرر ولا ضرار.

قوله :" أرش نقصها "، يلزم الغاصب دفع أرش النقص في الأرض ، وهو الفرق بين القيمتين قبل الغرس وبعده.

قوله : " وتسويتها " أي رد الأرض كما كانت قبل البناء والغرس.

قوله:" والأجرة " أي أجرة الأرض مدة استيلاء الغاصب عليها.

قوله:" ولو غصب جارحًا أو عبدًا أو فرسًا فحصَّلَ بذلك صيدًا فلمالكه " ، الجارح يطلق على الكاسر مثل كلب صيد ، قال تعالى:" وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ " (المائدة 4)، فإذا غصب إنسان كلب صيد وصاد به فإن الصيد للمالك،وقوله "أو عبدًا"، فلو غصب عبدا وقال له : اذهب وصد لنا طيرًا ، فذهب وصاد فيكون الصيد للمالك، وقوله:"أو فرسا"، الفرس لا يصيد، بل يُصاد عليه، والصائد هو الغاصب، فالصيد للغاصب وعليه أجرة الفرس.

قوله:"وَإِنْ ضَرَبَ المَصُوغَ، وَنَسَجَ الغَزْلَ، وَقَصَّرَ الثَّوْبَ، أَوْ صَبَغَهُ، وَنَجَرَ الخَشَبَ وَنَحْوَهُ، أَوْ صَارَ الحَبُّ زَرْعاً، أو البَيْضَةُ فَرْخاً، وَالنَّوَى غَرْساً، رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ، وَلاَ شَيْءَ لِلغَاصِبِ".

قوله " وَإِنْ ضَرَبَ المَصُوغَ " يعني غصب حُليًا من ذهب وجعله دنانيرَ أو غصب حُليَّ فضة وضربه ، وجعله دراهمَ فيجب عليه أن يرد هذه الدنانير أو الدراهم إلى المالك وعليه أرش النقص، فيقال مثلا : هذه الدنانير تساوي مائة ريال ، والمصوغ الذي حوَّله إلى دنانير يساوي مائتي ريال ، فيرد الدنانيرَ ومائةَ ريال.

قوله : " وَنَسَجَ الغَزْلَ " لو نسج الغزل وهو خياط كما لو غصب غزلا من صوف أو وبر أو شعر ثمَّ حوَّله إلى نسيج فهو لمالكه وليس للغاصب شيء ؛ لأنه ظالم.

وقوله: "وَقَصَّرَ الثَّوْبَ " أي غسله بعد أن كان وسخًان وسوف تزداد القيمة ، لكن الزيادة لمالك الثوب وليس للغاصب شيء ؛ لأنه ظالم ، وقوله :"أو صبغه" إذا صبغ الثوب فالصبغ لمالك الثوب، والصحيح أن للغاصب قيمة صبغه .

وقوله :"وَنَجَرَ الخَشَبَ" مثاله: إنسان غصب أعمدة من الخشب ونجرها أبوابا فقيمة الزيادة للمالك، والنجارة التي تتساقط عند النجر لتسوية الباب قد يكون لها قيمة ويضمنها الغاصب ؛ لأنه ظالم ؟

وقوله: "وَنَحْوَهُ،" كما لو حوَّل الحديد إلى أبواب ، فإذا غصب صاجات من حديد وحولها إلى أبواب فتكون للمالك والغاصب لا يستحق شيئا.

وقوله:" أو صار الحب زرعا " فهو لمالك الحب لا للغاصب؛ لأن هذا الزرع هو عين مُلكه لكنه تحول بإرادة الله.

وقوله: " أو صارت البيضة فرخا" لو أن إنسانا غصب بيضة ووضعها تحت طائر وصارت فرخا، فالفرخ لمالك البيضة؛ لأنه عين مُلكه.

قوله :" والنوى غرسًا" النوى هو نواة التمرة ، فإذا غصب نوى ووضعه في الأرض فصار غرسا ، فالغرس لصاحب النوى.

قوله:"رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ،" ولا شيء للغاصب؛ لأنه ظالم.

قوله:" ويلزمه ضمان نقصه" أي نقص المغصوب مطلقًا، فلو غصب حبرا واستعمله فيلزمه ضمان نقصه.

وبالله التوفيق

1443/3/4هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحرم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر