الدرس 2 بيان معنى كلمة لا إله إلا الله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 24 شعبان 1441هـ | عدد الزيارات: 616 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

أمة العرب الذين بُعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم سلكوا مسلك من قبلهم في العناد والكفر والضلال والتكذيب ونبينا عليه الصلاة والسلام طيلة ثلاثة عشر سنة في مكة ظل يدعوهم إلى توحيد الله وإلى ترك الشرك بالله فلم يؤمن به إلا القليل وبعد الهجرة إلى المدينة استمروا في طغيانهم وقاتلوه يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب عنادا وكفرا وضلالا ولكن الله جلَّت قدرته أيد نبيه والمؤمنين وأعانهم وجرى ما جرى يوم بدر من الهزيمة على أعداء الله والنصر لأولياء الله ثم جرى ما جرى يوم أحد من الامتحان الذي كتبه الله على عباده وحصل ما حصل من الجراح والقتل للمسلمين لأسباب بينها الله في كتابه ثم جاءت واقعة الأحزاب بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أهل الكفر فأعز الله جنده ونصر عبده وأنزل بأسه بالكفار ، ثم جاءت غزوة الحديبية عام ست من الهجرة وحصل فيها ما حصل من الصلح بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل مكة والمهادنة عشر سنين حتى يأمن الناس ويتأملوا دعوة النبي عليه الصلاة والسلام وما جاء به من الهدى ثم نقضت قريش العهد فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم عام ثمان من الهجرة في رمضان وفتح الله عليه مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا .

فهذا الدين العظيم وهو الإسلام يحتاج من أهله إلى صبر ومصابرة وإخلاص لله ودعوة إليه وإيمان بالله ورسله وانقياد لشريعته قولا وعملا وعقيدة وأصله وأساسه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والإيمان بأركان هذا الدين العظيم التي دلَّ عليها كتاب الله ، قال تعالى ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ) البقرة 177 .

ولما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) رواه البخاري ومسلم .

فلابد مع الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين والإيمان بجميع الملائكة والكتب المنزلة على الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والإيمان بالقدر خيره وشره والإيمان باليوم الآخر والبعث بعد الموت والجنة والنار وأن ذلك حق لابد منه .

وتوحيد الله وعبادته وعدم الإشراك به هو سبب دخول الجنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له " دلني على عمل أدخل به الجنة وأنجو من النار ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : تعبد الله لا تشرك به شيئا ... " رواه الترمذي وصححه الألباني .

وعبادة الله وعدم الإشراك به هذا هو معنى لا إله إلا الله ، قال تعالى " فاعلم أنه لا إله إلا الله " محمد 19 ، يعني : اعلم أنه المستحق للعبادة وأنه لا عبادة لغيره وإنكار المشركين لها يبين معناها لأنهم إنما أنكروها لما علموا أنها تبطل آلهتهم وتبين أنهم على ضلالة ، قال الله تعالى عنهم " إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون " الصافات 35 ، 36 فعلموا أنها تبطل آلهتهم وتبين زيفها وأنها لا تصلح للعبادة ولهذا أنكروها .

وكثير من الناس يظن أن قول لا إله إلا الله أو أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يكفيه ولو فعل ما فعل وهذا من الجهل العظيم فإنها ليست كلمات تقال بل كلمات لها معنى لابد من تحقيقه بأن يقولها ويعمل بمقتضاها فإذا قال لا إله إلا الله وهو يحارب الله بالشرك وعبادة غيره فإنه ما حقق هذه الكلمة فقد قالها المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول وهم مع ذلك في الدرك الأسفل من النار كما قال تعالى " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " النساء 145 ، لماذا ؟ لأنهم قالوها باللسان وكفروا بها بقلوبهم ولم يعتقدوها ولم يعملوا بمقتضاها فلا ينفعهم قولها بمجرد اللسان وهكذا من قالها من اليهود والنصارى وعبَّاد الأوثان لا تنفعهم حتى يؤمنوا بمعناها وحتى يخصوا الله بالعبادة وحتى ينقادوا لشرعه .

وبعد أن يحقق العبد التوحيد يقوم بما أوجب الله عليه من الأوامر والنواهي والاستقامة على شرعه ، قال تعالى " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " فصلت 30 ، والمعنى أنهم قالوا ربنا الله ثم استقاموا على ذلك ووحدوه وأطاعوه واتبعوا ما يرضيه وتركوا معاصيه فلما استقاموا على ذلك صارت الجنة لهم وفازوا بالكرامة .

ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بدعاة الباطل ودعاة الشرك الذين دعوا غير الله وأشركوا بالله وعبدوا المخلوقين من دون الله وزعموا أنهم بذلك لا يكونوا كفارا لأنهم قالوا لا إله إلا الله بألسنتهم ونقضوها بأعمالهم وأقوالهم الكفرية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل " رواه مسلم ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لابد من توحيد الله والإخلاص له والكفر بما يعبد من دونه وإنكار ذلك والبراءة منه .

فكل من أتى بناقض من نواقض الإسلام أبطل هذه الكلمة لأن هذه الكلمة إنما تنفع أهلها إذا عملوا بها واستقاموا عليها فأفردوا الله بالعبادة وخصوه بها وتركوا عبادة ما سواه واستقاموا على ما دلت عليه من معنى فأطاعوا أوامر الله وتركوا نواهي الله ولم يأتوا بناقض ينقضها وبذلك يستحقون كرامة الله والفوز بالسعادة والجنة والنجاة من النار .

ومن أتى بمعصية من المعاصي التي دون الشرك نقص دينه وضعف إيمانه ولكنه لا يكفر كمن زنى أو شرب الخمر وهو يؤمن بتحريمهما فإن دينه يكون ناقصا وإيمانه ضعيفا وهو على خطر من دخول النار والعذاب فيها إذا مات على ذلك ولم يتب لكنه لا يخلد فيها إذا كان قد مات موحدا مسلما فالمخالفة لأمر الله قسمان :

قسم يوجب الردة والكفر ويبطل الإسلام بالكلية كالنواقض .

وقسم لا يبطل الإسلام ولكنه ينقصه ويضعفه ويكون صاحبه على خطر من غضب الله وعذابه إذا لم يتب وهو المعاصي التي يعرف مرتكبها أنها معاصي ولكن لا يستحلها فهذا تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء الله غفر له لقوله تعالى " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء 116 .

رزقنا الله وجميع المسلمين الاستقامة على دينه وأعاذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه سميع قريب .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

25 - 8 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر