فضل الحج

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 24 جمادى الأولى 1441هـ | عدد الزيارات: 1239 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوب إليه ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.

أما بعد؛

أيها الإخوة المؤمنون؛ يقول تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا } أي : مشاة {وعلى كل ضامر} أي : ركبانا " { يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} [الحج 27 ، 28].

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام فرضه الله تبارك وتعالى على المستطيع يكفر منكره ، فُرض في العمر مرة فمن زاد فهو متطوع لقوله صلى الله عليه وسلم " الحج مرة فمن زاد فتطوع " (رواه أحمد وصححه الألباني ).

وهو واجب على الفور أي من حين الاستطاعة فمتى تحققت الاستطاعة بالبدن وبالمال فلا يجوز التأخير والتسويف لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " تعجلوا بالحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " (صححه الألباني) ، أي : ما يعرض له من مرض أو فقر أو موانع . فمن وجد الاستطاعة فليبادر، وقد ثبتت الفرضية بالقرآن الكريم وفي السنة النبوية الصحيحة وبالإجماع ،أما القرآن فقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر} أي : أنكر فرضية الحج ولم يعتقد أنه ركن وفريضة { فإن الله غني عن العالمين}[آل عمران 96 ، 97 ].

وأما الأحاديث منها ما رواه أبو هريرة وابن عباس رضي الله تعالى عنهما قالا : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا " أي : فرض عليكم الحج فحجوا ، فقام رجل فقال يا رسول الله : أفي كل عام ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد السائل السؤال ثلاثا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ، ثم بعد المرة الثالثة قال صلى الله عليه وسلم : " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال صلى الله عليه وسلم " ذروني ما تركتكم عليه فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " (رواه مسلم).

وأما الإجماع فإجماع الأئمة من عصر الصحابة إلى يومنا هذا أن الحج فريضة كفريضة الصلاة وكفريضة الزكاة .

وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة في السنة العاشرة من الهجرة ، فعن قتادة رضي الله عنه قال : سألت أنس بن مالك : كم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : حج حجة واحدة واعتمر أربع عمر " ( صحيح البخاري)

عباد الله ؛

الله تبارك وتعالى لا يأمرنا بأمر ولا يفرض علينا فريضة إلا لخيرنا وسعادتنا ومصالحنا قال تعالى { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } [الحج 28] .

فللحج فوائد عظيمة وآثار كبيرة تعود على الفرد والمجتمع والأمة بالخير العميم ، منها:

تعويد للمسلم على الصبر وتحمل الشدائد وتدريب عملي على صعوبة العيش وعلى ترك أسباب الراحة والرفاهية حتى إذا ما دعا داعي الجهاد خرج سبَّاقا لبذل كل غالي ورخيص في سبيل الله تبارك وتعالى.

وفي الحج تقوية للإيمان وتهذيب للنفوس وتكفير للذنوب قال صلى الله عليه وسلم : " من حج فلم يرفث ولم يفسق " .. أي الكلام الفاحش والفسوق هو الخروج عن طاعة الله وارتكاب الذنوب ، " رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " (رواه مسلم) ، أي : رجع طاهرا من الذنوب والآثام .

ومن المعلوم أن الذنوب والآثام هي التي تتعلق بحقوق الله عز وجل أما حقوق العباد فلابد فيها من الأداء لصاحب الحق أو الإبراء منه .

وفي الحج يُقبل المسلم على تلك البقاع الطاهرة والأماكن المقدسة وهو متجرد من زينة الدنيا لا تشغله بهائجها الزائلة ولا تفتنه ، فها هو حاسر الرأس ملبيا ضارعا مستغفرا يهزه جلال الموقف فيخشع قلبه وتفيض بالدمع عيناه .

وفي الحج المساواة التامة والأخوة الإنسانية تتجلى بأحلى صورها وأظهر معانيها لا فرق بين غني وفقير ولا بين أبيض وأسود ولا بين رئيس ومرؤوس فتتركز هذه المعاني في نفوس المسلمين بشكل تطبيقي عملي لا نظري .

ويكتسب المسلم في الحج ثقافة واسعة وخبرة حيث يلتقي بإخوته المؤمنين القادمين من سائر بقاع الأرض فيتعرف أخبارهم ويتحسس مشاعرهم .

وفي الحج أيضا يرى المسلم تلك البقاع التي شهدت مولد الإسلام، واعتزت بموقف رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وصحابته الأطهار الأبرار، الذين ضحوا بكل ما يملكون في سبيل هذا الإسلام، فتحرك في نفوس المسلم كوامنُ العزة والكرامة، ودوافع الجهاد باستعادة مجدنا السليب، وإعادة عزتنا وكرامتنا والتحرر من التبعية لغيرنا .

ويرى المسلم كم ضحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقاع المقدسة .

وأما الفوائد العامة التي تعود على الأمة منها تلاقي المسلمين من سائر بقاع الأرض وتعارفهم وتآلفهم والعمل على جمع الكلمة وتوحيد الصفوف .

وفي الحج أيضا تكتل وتوحد حيث يشعر المسلمون جميعا أنهم يدينون بدين واحد ويؤمنون برب واحد ونبي واحد لباسهم واحد وقبلتهم واحدة وأهدافهم واحدة ويلهجون بلسان واحد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .

فتتجلي الوحدة الجامعة والقلوب المتلاقية وصدق الله العظيم حيث يقول:{ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } [الحج 28].

هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية :

الحمد لله العلي القدير العزيز القاهر، وأصلي وأسلم على الخليل الخاتم. وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد:

اتقوا الله واعلموا أنه يسن الإكثار من الحج والعمرة لقوله صلى الله عليه وسلم " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر كما ينفي الكير خبث الحديد " (رواه النسائي وصححه الألباني) .

ولقوله صلى الله عليه وسلم " الحج والعمرة كفارة لما بينهما " (رواه النسائي وصححه الألباني) ، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "(رواه البخاري ومسلم)

ويستحب لمن عزم على الحج قبل خروجه أن يوصي أهله بتقوى الله عز وجل وذلك بأن يلازموا الطاعات وأن يتجنبوا الآثام وعليه أن يتوجه إلى الله عز وجل بالتوبة الصادقة النصوح التي لا تتحقق إلا بشروط منها: العزم على عدم العودة والندم على ما فات والإقلاع التام عن الذنب {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور 21] .

وإذا كان هناك مظالم للناس فعليه أن يردها إليهم أو يتحللها منهم قبل سفره فإن الله عز وجل يقدم حقوق العباد على حقوقه ، وفي الحديث " من كانت عنده مظلمة لأخيه فليؤدها له أو يتحلل منه قبل أن يأتي يوم لا مال فيه ولا شفاعة ، فإن كان له عمل صالح أُخذ منه بما يقابل مظلمته وإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطُرحت عليه وطُرح في النار " (صححه الألباني) .

وعليه أن يختار من ماله الطيب الحلال لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا " (رواه مسلم )، كما عليه أيضا أن يختار الصحبة التقية الصالحة .

{ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } [البقرة 201]

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

24 - 5 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة