الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
قول المصنف:" قال ابن مسعود رضي الله عنه من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمُه فليقرأ قوله تعالى:﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [الأنعام 151] إلى قوله ﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ . [الأنعام 153] "
هذا الأثر أخرجه الترمذي، والبيهقي و الطبراني من طريق محمد بن فضيل، عن داود الأودي، عن عامر الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الشعبي إلا داود تفرد به محمد بن فضيل. وداود الأودي يحتمل أنه ابن يزيد، ويحتمل أنه ابن عبد الله؛ ابن فضيل يروي عنهما، وكلاهما يروي عن الشعبي. جاء في الأوسط للطبراني بأن داود هو ابن يزيد، وهو ضعيفُ الحديث. ولكن الراوي عن محمد بن فضيل هو: خالد بن يوسف السمتي, وهو ضعيف، فاحتمال التصريح منه بأن داود هو ابن يزيد محل توقف. ولم ينسب في غيره من المصادر-فيما وقفت عليه-. بينما المزي ذهب إلى أنه ابن عبد الله: فإنه في التهذيب لما ترجم لابن فضيل رمز لروايته عن داود بن عبد الله الأودي: بـ (ت)، ولم يرمز لروايته عن ابن يزيد شيئاً. وكذلك فإنه: لما ترجم لداود بن عبد الله رمز لروايته عن الشعبي: بـ (ت)، ولما ترجم لداود بن يزيد رمز لروايته عن الشعبي: بـ (ق). ويقوي ما ذهب إليه المزي: أن الراوي الثقة أو الصدوق إذا روى عن اثنين [متفقي الاسم] أحدهما ضعيف والآخر ثقة، فإنه إذا أبْهَمَ غلب أنه يعني الثقة، وإلا عد عمله في التدليس، ومحمد بن فضيل لم يوصف بالتدليس.
قوله " قال ابن مسعود من أراد ... الخ " ، الاستفهام هنا للحثِّ والتشويق ، واللام في قوله فليقرأ للإرشاد
قوله " وصية محمد " الوصية بمعنى العهد ولا يكون العهد وصية إلا إذا كان في أمر هام
قوله محمد صلى الله عليه وسلم " أي رسول الله محمدَ بن عبد الله الهاشمي القرشي ، وهذا التعبير من ابن مسعود يدل على جواز مثله مثال قال محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصية محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينافي قوله تعالى " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " النور 63 ، لأن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم هنا أي مناداته فلا تقولوا عند المنادات يا محمد ولكن قولوا يا رسول الله أما الخبر فهو أوسع من باب الطلب ولهذا يجوز أن نقول أنا تابع لمحمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله " التي عليها خاتمه " خاتم بمعنى التوقيع
وقوله " وصية محمد صلى الله عليه وسلم " ليست وصية مكتوبة مختوماً عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص بشيء ويدل لذلك أن أبا جحيفة قال :" قُلتُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: هلْ عِنْدَكُمْ شيءٌ مِنَ الوَحْيِ إلَّا ما في كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: لا والذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، ما أعْلَمُهُ إلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا في القُرْآنِ، وما في هذِه الصَّحِيفَةِ، قُلتُ: وما في الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وفَكَاكُ الأسِيرِ، وأَنْ لا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بكَافِرٍ." رواه البخاري
فلا يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بهذه الآية وصية خاصة مكتوبة لكن ابن مسعود رضي الله عنه يرى أن هذه الآيات قد شملت الدين كله فكأنها الوصية التي ختم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبقاها لأمته .
وهي آيات عظيمة إذا تدبرها الإنسان وعمل بها حصلت له الأوصاف الثلاثة الكاملة " العقل والتذكر والتقوى "
وبالله التوفيق
10 - 2 - 1434هـ