ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الإخلاص في العمل

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 7 رجب 1436هـ | عدد الزيارات: 1741 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً. (الأحزاب:70-71)

عباد الله: اعلموا أن الدنيا ممر، وأن الآخرة هي المستقر، فاستبقوا الخيرات قبل فواتها، وحاسبوا أنفسكم على زلاتها وهفواتها، وكفوها عن الإغراق في شهواتها، فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، فالله الله في السرائر، فما ينفع في فسادها جمال الظاهر

أيها المسلمون:

في زخم الحياة وتراكم مشاغل الدنيا قد يغفل الإنسان عن وظيفته الأساسية التي من أجلها وُجِدَ، والغاية التي من أجلها ولد، ألا وهي عبادة الله سبحانه وطاعته: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ. (الذاريات:56)

فأرسل الله الرسل وأنزل الكتب وخلق الإنسان وسخر له ما في السماوات والأرض، كل ذلك لأجل القيام بحق العبودية، ووعد بالجنة من أطاعه وتوعد بالنار من عصاه، وأخبر -جل في علاه- أن يومًا تعرض فيه الخلائق على الله، وتنشر فيه الصحف، وتوزن الأعمال، فينظر كل لميزانه بإشفاق ووجل، يتمنى كمال عمله وحسن ما قدم، لعلَّ ميزانه أن يثقل بالحسنات، سيأتي يوم يكون فيه الحساب والجزاء بالأعمال، وللذرة قيمة وميزان، وللحسنة تأثير؛ يشح بها المرء على أمه وأبيه، وزوجه وبنيه وأخيه: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي. (الفجر:23-24)

والمقصر يندم على تقصيره وفي يوم القيامة مواقف وعرصات، وأهوال وكربات، ووزن للحسنات والسيئات، لن ينجو منها إنس ولا جان إلا بالعمل، فماذا قدمت لحياتك الأخرى يا عبد الله؟! ما مقداره ونوعه وما مدى كماله وصحته، عن معاذ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيدي وقال: "يا معاذ: والله إني لأحبك، أوصيك -يا معاذ- لا تدعنَّ في دبر كل صلاه تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". رواه أبو داود وصححه الألباني

فهذا إرشاد نبوي كريم بأن ندعو الله بعد الفراغ من الصلاة، ونسأله حسن عبادته، وقبل ذلك يقول الخالق -جل في علاه-: الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. (الملك:2)

ولئن كان الكثير من المسلمين حريصين على أداء عباداتهم وما افترضه الله عليهم، فإن القليل منهم هم الحريصون على أدائها بإحسان، كاملة السنن والواجبات والأركان، سالمة من الخلل والنقصان، واسمعوا حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها". رواه أبو داود وحسنه الألباني

بل إن من المصلين من تُلَفُّ صلاته كثوب خَلِق فيرمى بها في وجهه، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل: "ارجع فصلِّ فإنك لم تصل"رواه البخاري. مع أنه أتى بأفعالها الظاهرة

عباد الله: حق على كل مسلم يرجو لقاء الله ويطمع في جنته ويستجير به من ناره أن يسعى لإحسان عمله في تمام وكمال وذلك بالإخلاص لله والمتابعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم

ومما ينبغي العناية به بجانب الإخلاص أن تكون العبادة المؤداة سالمة من الرياء، مرادًا بها وجه الله وحده، وفي الحديث القدسي قال الله -تبارك وتعالى-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه". رواه مسلم

أما الشرط الثاني من شروط صحة العبادة فهو المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمراد بها تأدية العبادة على الصفة التي جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير زيادة ولا نقصان، فالتعبد بما لم يشرعه الله ولم يرد صحيحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو البدعة التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة -رضي الله عنها-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".رواه البخاري ومسلم، ولفظ البخاري: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". والله تعالى يقول: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. (الشورى:21)

عباد الله: ومما تحسن به العبادات الواجبات تكميلها بالنوافل التي من جنسها، فأركان الإسلام عبادات متحتمات ومن جنسها نوافل ومستحبات، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ.رواه مسلم

ألا فاتقوا الله -عباد الله-، وأحسنوا فيما تقدمون، وحافظوا على أعمالكم، ولا تكونوا كأقوام لا يرضون أن تنتقص من دنياهم شعرة، لكنهم لا يبالون بما نقص من دينهم مهما كان من القلة أو الكثرة، فرضوا الحياة الدنيا عن الآخرة "فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ". (التوبة:38)

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني بما فيهما من الآيات والحكمة، هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله توالت نعمه، وأحاطتنا مننه، وحقت علينا عبادته، نسأله أن يوزعنا شكر نعمه، وأن يوفقنا للصالحات ويسعدنا في الدنيا وبعد الممات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا .

أما بعد:

أيها المسلمون: إذا استشعر المسلم أن هذه العبادة أمر الله وفيها رضاه، قد رضي سبحانه أن تكون من الإنسان زلفى له وقربة منه، يرفع بها الدرجات، ويمحو بها السيئات، كان هذا أدعى للإنسان أن يهتم بعبادته ويعظمها ويحسنها، فليحذر المسلم من تقديم العبادة بشكل هزيل أو مظهر عليـل؛ لأن الواجب تعظيم شعائـر الله: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ. (الحج: 32)

ولذا كان الإحسان أعلى مراتب الدين لاستشعار مراقبة الله للعبد، كما في الحديث المخرج في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلـم- قال: " الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ"

وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها النبي -صلى الله عليه وسلم نسأل الله تعالى أن يكتبنا من المحسنين الذين قال عنهم: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ. (يونس: 26)

وقال: فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ. (المائدة: 85)

هذا، وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة محمد بن عبد الله، الهادي البشير، والسراج المنير، رسول الله وخاتم أنبيائه، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن صحابة نبيك أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، ولا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وردهم إليك ردًّا جميلاً، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين والمظلومين والمضطهدين في دينهم وفي ديارهم في كل مكان . اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم بأسك ورجزك إله الحق، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين ووفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وانصر اللهم من نصر الدين، واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين ، اللهم وفق وليّ أمرنا إلى ما تحب وترضى.اللهم ادحر الرافضة في اليمن وفي كل مكان .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.(البقرة:201)، وعذاب القبر وشر فتنة المسيح الدجال، وفتنة المحيا والممات، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1436-7-6 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي