ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

خلق المسلم

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 5 رجب 1436هـ | عدد الزيارات: 1633 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه ونستَهديه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.} [آل عمران: 102]

عباد الله؛ إنَّ المسلمين اليومَ بحاجةٍ لمراجعةِ منهَج المدرسةِ الأخلاقيّة العظمى، القائمة على الأخوة، والمتضمنة لمبادئَ المحبَّة والوئام ، يقول تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.} [الحجرات:10] ، ويقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم:" ... وكونوا عبادَ الله إخوانا." [صححه الألباني]

ذلكم أنّ تلك المبادئَ الكريمة تقودُ الأمّةَ إلى كلّ خير، مبادئ هي أساسُ استقامة مجتمعاتهم، ولهذا يقول الحكماء: وكلُّ قومٍ إذا تحابّوا تواصَلوا، وإذا تواصَلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عمِلوا، وإذا عملوا عَمَّرُوا، وإذا عَمَّرُوا عُمِّرُوا وبُورك لهم؛ ولهذا ففي أفضلِ عصرٍ وأعظم دولة صلاح وازدهار يقول المولى جلّ وعلا في شأنِ الأنصار مع المهاجرين:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.} [الحشر:9]، ومن هذا المنطلقِ وجَّه نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم رسالتَه الخالدةَ لهذه الأمّة حيث يقول: "لا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا ... " متفق عليه.

أمةَ الإسلام؛ في ظلِّ هذا المنهجِ العظيم يجب أن يعيشَ المسلم في مجتمعه، يزاولُ حياتَه، ويقومُ بنشاطاته، وهو مرتبطٌ بإخوانه المسلمين برابطةٍ هي أعظمُ الروابط، وآصِرة هي أوثقُ الأواصِر، يقول صلى الله عليه وسلم: " المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا ، وشبَّك بين أصابعه." متفق عليه.

إخوةَ الإسلام؛ يقول صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمِن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه " متفق عليه، ويقول صلى الله عليه وسلم موجِّهًا أمَّته بهذه الوثيقة الخالدة العظيمة: "وإنَّ أمَّتكم هذه جُعِلَ عافيتُها في أوَّلها، وسيصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنةٌ فيرقِّق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنةُ فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشِف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُدْخَلَ الجنةَ ويُزَحزَح عن النار فلتأتِه منيّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناسِ الذي يحبُّ أن يؤتى إليه" [ أخرجه الشيخان]

قاعدةٌ نبويّة محمّدَّية تتضمَّن كلَّ المعاني الخيِّرة والمبادئ الطيبة والأخلاق الكريمة، قاعدةٌ يوجِّهها أكملُ الناس خُلُقًا وبِرًّا وفضلاً، تقتضي هذه القاعدةُ الاتِّصافَ والالتزامَ بمعاني الألفة والإخاءِ والرَّأفة والرحمة والرِّفقِ والعطف وحُسن العشرة والمعاملة والإيثار والمواساة وتفريج الكرُبات وقضاء الحاجات، وفي هذه المعاني السَّامية والفضائل العالية يقول نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام واصفًا ما ينبغي أن يكونَ عليه المجتمعُ: "مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائُر الجسَد بالسَّهر والحمَّى " [متفق عليه]، ويقول أيضاً: " ومن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربة فرَّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن سَتَر مسلمًا ستَره الله في الدّنيا والآخرة " [متفق عليه]

ويقول الله تعالى في وجوب البُعد عن التحاسُد والتباغض في مجتمعات المسلمين، وبتحريمِ الإضرار والإيذاء للمؤمنين:{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا.} [الأحزاب:58]

ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تحاسَدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانًا. المسلم أخو المسلم؛ لا يظلِمه ولا يخذله ولا يحقّره. بحسب امرئٍ من الشرّ أن يحقرَ أخاه المسلم. كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمُهُ وماله وعرضه" [رواه مسلم]

أحبتي في الله، هذه ثوابتُنا الإسلاميّة، وتلك أصولُ بناء المجتمعاتِ المحمديَّة، أصولٌ تحارِب العبثَ بالأمن، وتصادِم الإضرارَ بالبلاد والعباد، وتمنَع الإفسادَ والفسادَ. ألاَ فليكُن كلُّ مسلمٍ ملتزِمًا بهذه المعاني السامية، متَّصِفًا بهذه التوجيهاتِ الكريمة، ليحيا في مجتمعه محِبًّا محبوبًا، رحيمًا مرحومًا، عندئذ يحيا حياةً طيّبة ويعيش عيشة مرضيّة، فربُّنا جلّ وعلا يقول:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ} [التوبة:71]

ونبيّنا صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتى تحابّوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما في السنّة والبيان، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه .

الخطبة الثانية:

الحمد لله وليِّ الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له وأشهد أنَّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله.

أمّا بعد؛ أيها الموحدون؛ إنَّ أعداءَ هذا الدّين لا يألون في الفساد والإفساد لأهل الإسلام، فهم في عملٍ دؤوب لزرع روحِ التباغُض بين المسلمين، وبذرِ أسباب التدابُر بين المؤمنين. وإنَّ الواجبَ على المسلمين في كلِّ مكان أن يثبُتُوا على وصايا هذا الدين كالجبال الراسيات، وأن يُلزِموا أنفسَهم بتلك التوجيهاتِ المباركات، وإنَّ أهلَ الإسلام وهم يعيشون نعمة الإسلام محسودُون من أعداء الإسلام؛ لذا حَريٌّ بهم في كلِّ مكان الاجتماعُ على السنّة والهدى، والتعاونُ على البرّ والتقوى، وأن يحذَر الجميع أسبابَ التدابرُ والتباغض وطرقَ التنازع والتفرُّق؛ حتى يسلمَ للناسِ دينهم، وتسلمَ لهم دنياهم، ويعيشوا في ظلِّ أمن وأمان ورغدٍ ورَخاء.

هذا وصلوا على نبيكم اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم وفق وليَّ أمرِنا ووليَّ عهده لما تحب وترضى، {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة:201].

1436/4/7 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي