ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

العلاج بالقرآن

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 20 جمادى الآخرة 1436هـ | عدد الزيارات: 1770 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله وليِّ النِّعَم ومُعقِّباتها، ومانِحِ القلوب أسباب العافية بصدق نيَّاتها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تُبرِئُ الأبدانَ من اعتلالاتها، وأشهد أن نبيَّنا وحبيبَنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، خيرُ من طبَّ الأدواءَ بأزكَى علاجاتِها، صلَّى الله عليه وعلى آله البالغين في الرُّقَى نهاياتها، وأصحابِه الكرام فُرسان الهداية ودُعاتها، والتابعين المُقتفين آثارهم في عوائد الأمور وبداياتها، ومن تبعهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا

أما بعد؛ فاتقوا الله -يا عباد الله-، واستمسِكوا من التقوى بالعُروة الوُثقى؛ فما أزكَى مغبَّاتها، واعتبِروا صحة الأبدان قبل العِلَل وآفاتها، "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى"البقرة:197

عباد الله: ضربت أمتُنا الإسلامية عبر حضارتها الإنسانية السامِقة المثلَ المُبهِر في ميادين الاستشفاء الأصيل المُعتمِد على نور الكتاب والسنة، القاضِيَيْن بإخراج الناس روحًا وذاتًا من دَرَك الأدواء، ولكن في هذا العصر الزخَّار بشتَّى التحدِّيات، المُضطرِب بمَشُوب المقاصد والنيَّات، أسفَرَ عن قضية علاجيَّة عقديَّة، ومسألةٍ مهمَّةٍ سنيَّة؛ تلكُم -أيها الأحبة الأكارم- دوائية الرُّقْية الشرعية، والأدعية النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحيَّة

وتكمُن أهميتها القُصوى في كون جوهرها علاج الأبدان والنفوس التي ليس لها دون التفريط فيها عِوَضٌ أو بدل، يقول -صلى الله عليه وسلم- "من باتَ آمنًا في سِرْبه، مُعافًى في بدنه، عنده قُوتُ يومه؛ فكأنما حِيْزَت له الدنيا بحذافِيرها" أخرجه الترمذي وحسَّنه الألباني

معاشر المسلمين وفي هذا الزمان عمَّت أمراضٌ مُتفاقِمة، جمًّا من الأقطار وفيها توغَّلَت، وأمَّتْها العِللُ وتغلغلَت؛ من صَرَعٍ ومسٍّ وسحرٍ وعينٍ، ونفسٍ وحسدٍ مُفضٍ إلى حَيْن، وقد أشرَقَت الآيات القرآنية بأعظم برهان، والنصوص الحديثية بأروع بيان، والشاهد من الواقع والعَيَان أنهما البلسَمُ والشفاء لكل داءٍ عَيَاء، يقول سبحانه "قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ"فصلت:44، ويقول -صلى الله عليه وسلم- في معرِضِ تقرير الرُّقَى والحثِّ عليها "اعرِضُوا عليَّ رُقاكم، لا بأسَ بالرُّقَى ما لم تكن شركًا" أخرجه الإمام مسلم

وكم من مريضٍ أشرفَ على الهَلَكات والممات، ولم تُجدِ في عِلَّته فخامةُ المِصحَّات، ولا براعةُ الأطباء، واستطبَّ بالرُّقية الشرعية، فحقَّق الله له البُرءَ والشفاء.

ويقول العلامة ابن القيم -رحمه الله- "فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية إذا أحسن العليلُ التداوي به، وكيف تُقاوِمُ الأدواءُ كلامَ ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدَّعَها، أو على الأرض لقطَّعَها

إخوة الإيمان وفي إغفال كثيرٍ من شرائح المُجتمع آثارَ الرُّقيَة الشرعية، والجوانب الإيمانية والعَقَدية لدى المرضى انجَفَل كثيرٌ منهم إذا بطَّأَ بهم الشفاء، وفدَّحَتهم الآلام والأدواء، وقرَّحَهم السِّقامُ والرَّهَق، وغدَوا من العجز والضراعة في وَهَق -عافاهم الله-، انجَفَلوا بقصدٍ أو بغيره إلى أحلاسِ الشعوذة والدَّجَل والطلاسِم والخُرافات والسحر والخُزعبلات والمخالفات

وعلى إثر تلك التجاوزات الشرعية، لزِمَ أن لا يتعرَّضَ لهذا العلم الشرعي إلا ذو ديانةٍ مشهورةٍ، وأمانةٍ منشورة، وسيرةٍ مُثْلَى مشكورة، وأن يكون الرَّاقِي رحيمًا رقيقًا بالمرضى رفيقًا، غاضًّا أطرافه دون موضع الداء خصوصًا لدى النساء، مع الحَذَر من دواعي الاختلاء المُحرَّم، وما يدعو إلى الفتنة والالتزام بالضوابط الشرعية في هذا المجال

وقد عدَّ أهل العلم شروطًا ثلاثة للرُّقية الصحيحة

أولها أن تكون بأسماء الله وصفاته وآياته القولية

الثاني أن تكون بلغةٍ عربية واضحةٍ المباني مفهومةِ المعاني

الثالث أن يُعتقَد أن الرُّقيَة لا تُؤثِّر بذاتها؛ بل بتقدير الله تعالى

أيها الإخوة الأحبة المُسترقُون، أيها المُتلهِّفون للعافية عليكم بالرُّقاة الصادقين الأخيار، وهم وَفرٌ -بحمد الله-، المُتمسِّكين بالمنهج الصحيح في العلاج، والأملُ أن تحظَوا بالفَرَج والانبِلاج، والأكملُ أن يرقِيَ المريضُ نفسَه؛ لأنه أدعى لمقام الذلِّ والافتقار

شكى عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعًا في جسده، فأرشده -عليه الصلاة والسلام- قائلاً "ضع يدَكَ على الذي تألَّم من جسدك وقل بسم الله، ثلاثًا، وقل سبع مراتٍ أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجِد وأُحاذِر" أخرجه الإمام مسلم

ناهِيكم عن تحصين البيوت والأولاد بالأوراد الشرعية، والأذكار الصباحية والمسائية؛ فهي الحِصن الواقي -بإذن الله-، مع التوكُّل الجازِم على المولى البصير السميع، وتفويض الأمر لتدبيره المُحكَم البديع، وليس معنى ذلك ترك الأسباب وحُسن التدبير؛ كلا، وإنما حقيقته عدمُ الاعتداد بمُكْنة الرَّاقي وكفايته، والاعتمادُ في حصول السبب على توفيق الله وعنايته، "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ"الزمر:36

فاليقينُ في الله أجلُّ العزائمِ قدرًا، وأجلاها في حُلَك الحيرة بدرًا

مع اتخاذ السبب الدوائي من الطبِّ الحديث، سواءٌ أكان المرضُ عضويًّا أم نفسيًّا، لقوله -صلى الله عليه وسلم- "تَدَاوَوا ولا تَداوَوا بحرام" أخرجه أبو داود وصححه الألباني

أمة الإسلام الرُّقية الشرعية تطبيقًا وعلاجًا تستوجِبُ استِنفار الهِمَم، وتبرِئَة الذِّمَم في سائر الأقطار للضبط والتأصيل، والبيان والتفصيل، تحت مِظلَّةٍ راسِخةٍ علمية، مكينةٍ رسمية، تنطلقُ بهذا العلم الدوائي إلى معارِج النور والانتفاع، والتألُّق والإبداع، حفظًا للأفراد والمجتمعات، وغيرةً لجانب العقيدة العتيدة، وحِيَاض الشريعة البديعة الفريدة

ذلكم وإنا لنحمدُ الله سبحانه على ما تنعَمُ به هذه البلادُ المباركة من عنايةٍ بتحقيق الرُّقية الشرعية، وفق الضوابط المرعيَّة والآداب السنيَّة، في تعقُّبٍ يقِظ لأهل الشَّعْوَذة والدَّجَل، ومن في مسلكهم من أهل الزَّيْغ والضلال والدَّخَل، تصحيحًا للمسار، وكشفًا للدُّخَلاء

وإن الغَيُور ليُبارِك هذه التوجُّهات الميمونة الحديثة حِيال تنظيم أمر الرُّقَى ومتابعة الرُّقاة، في الوقت الذي كثُر فيه الأدعياء والمُتخرِّصون والمُتاجِرون الذين وصل بهم الحال إلى استِنفار وسائل الاتصال الحديثة، والقنوات الفضائية لنشر الأضاليل

وإنه لا بُدَّ لصدِّ هذا الطوفان الجارِف من تأهيل كل مُتصدٍّ لهذا المجال وحُصوله على ما يُؤهِّلُه لذلك؛ من شهاداتٍ شرعية، وتزكيَاتٍ علمية من جهات الاختصاص

والله المسؤول أن يُبارِك في صادق الجهود، وتحقيق كل أملٍ منشود، إنه جوادٌ كريم

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا. الإسراء 82

بارك الله لي ولكم في آيِ الكتاب، وبسنَّة النبي المُصطفى الأوَّاب، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل خطيئةٍ وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله، أسبغ على عباده النِّعَم الدُّرَر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلمُ خفيَّات القلوب من أسرَّ ومن جهَر، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله الشافعُ المُشفَّع في المحشَر، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله النُّجُب الغُرَر، وأصحابه النُّبَلاء الخِيَر، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين

أما بعد فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوه كما أمر، وصُونوا عقيدتكم عن كل ثَلْمٍ وكَدَر، واعلموا أن أحسن الحديث كتابُ الله، وخير الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحدثاته

إخوة العقيدة ومما ينطوِي عليه حِفظُ جَنابِ التوحيد التنويهُ بآثار اليقين المتين الذي لا تشرَفُه أوهامُ التطيُّر والعرَّافين، والكَهَنة والدجَّالين، ومن سلَّط على نفسه المُعتقَدات الباطلة، وتشاءمَ من الشهور والأيام، والطيور وأضغاث الأحلام، وتعلَّق بالنجوم والمطالع والأبراج، بزعمِ دفعِ المكروه والانفِراج؛ فقد عَبَثَت به الشياطين، ويُخشَى على دينه من رنَقٍ كمين، "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ"يونس:107

فجلَّ الله وتقدَّسَ في عُلاه، لا رادَّ لما قضاه، ولا مُؤثِّر في الكائنات سِواه

وكيف تتهاوى العقول إلى هذا الحضيض من اللامعقول في عصرِ الارتقاءِ العلمي، والتفجُّر المعلوماتي

أمة الاستشفاء بالقرآن أنتم أطباء المُعضِلات والأسقام، أنتم بقرآنكم الحَكَمُ المَرْضِيُّ لكل اعتلالٍ مَرَضيّ، تحمِلون للعالَم المُثخَن بالجِراح والأتراح الدواء الشافي، وتُضمِّدون العِلَل بالترياق الكافي، فيغدو العالمُ رافِلاً في ثياب السِّلْمِ والأمن والعافية، ومقارِف السلام والتراحُم الضافية

أمة القرآن إن الله مُؤيِّدُكم ونصيرُكم، ومُعينُكم وظهيرُكم، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ"يونس:57

ألا وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على سيد البشر كما أمركم المولى -عز وجل- فقال تعالى "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"الأحزاب:56

وقال -عليه الصلاة والسلام- "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا " أخرجه مسلم

اللهم صلِّ وسلِّم على سيد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا، اللهم وفِّقه لما تحب وترضى، وهيِّء له البطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه

اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك ، واتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمةً على عبادك المؤمنين

اللهم ادفع عنَّا الغلاء والوَباء والرِّبا والزِّنا والزلازِل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن، عن بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضيك آمالنا، واختِم بالصالحات أعمالَنا، وبالسعادة آجالَنا، اللهم فرِّج همَّ المهمومين ، ونفِّس كربَ المكروبين

اللهم أصلِح أحوال أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل مكانٍ

اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعهم، واجعلهم غنيمةً للمسلمين وعبرةً للمُعتبِرين يا قوي يا عزيز،

اللهم أنقِذ مُقدَّسات المسلمين من المُحتلِّين المُعتدين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات

اللهم وفِّق أولادنا فلذات أكبادنا وارزقهم التوفيق والنجاح في أمورهم كلها، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. البقرة 201

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن

20 - 6 - 1436هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي