الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمًا لم تزَل تترى، أحمده - سبحانه - وعَدَ عبادَه المُتطهِّرين جناتٍ ألفافًا، فطُوبى لمن صانَ لمحارمِه أعراضًا، وأعرض عن الدنايا إعراضًا، الحمد لله حمدًا زاكِيَ الأثر، مُردَّد الذِّكر بالآصال والبُكَر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نسمو بها مقاصد وأغراضًا، وثباتًا على التُّقى وحِفاظًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، بعثَ اللهُ به العفافَ والطُّهرَ  صلَّى عليه البارئ وعلى آله الطاهرين الطيبين، وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا.
أما بعد، فيا عباد الله: أنفَسُ ما يُنحَلُ من الوصايا: تقوى الله -عز وجل-، فالتقوى -رحمكم الله- لصيانة المحارم أوثقُ العُرى "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى"البقرة:197  
أيها المسلمون: قصدَت شريعتُنا الغرَّاءُ تحقيق أعظم المصالح، وتزكية النفوس، فصاغَت مجتمعًا شريفًا وعن مساقط الأدران عَزوفًا، وبذلك قادَت أمتُنا المباركةُ حفظَ الأعراض يقول الملك العلاَّم: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"آل عمران:110
ومن تلك الخيرية الزكيَّةِ أنْ جعل اللهُ تعالى انتهاكَ الأعراض قرينَ الشركِ وقتل النفس المعصومة، يقول -جلَّ اسمه-: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا"الفرقان:68، فالمؤمنُ الغَيور يُؤثِر الموتَ على أن يرِد الخَنا.
 وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله يغار وغيرةُ الله أن يأتي المؤمنُ ما حرَّم عليه " رواه البخاري
إخوة الإيمان: وفي هذا العصر عمَّ التفريطُ في العِفَّة والحياء، ونهَضَ أقوامٌ خلف سراب التحرُّر، وأرخى كثيرٌ من الآباء والأزواج لمحارمهم الزِّمام، فلاطَفَت المرأةُ الرجلَ، وتساهَلت في صيانتها وتسامَحت؛ بل في كثيرٍ من المجتمعات هتَكَت الحياء، فكشَفَت عن مواطن الفتنة والإغراء، دون حرجٍ أو إغضاء، وما درَت أنها تُحاربُ المجتمع بسلاح الإثارة
أيها المسلمون، أيها الشُّرفاء الغُير: كم من مُراهِقةٍ أغراها أغلفُ القلب صفيقُ الشعور فتحطَّم إباؤها؟ 
ويا سبحان الله أغاضَت ينابيعُ الغيرة في القلوب؟ 
وأيْمُ الله لئن كان سارق المال مجرمًا؛ فإن سارق الأعراض رأسُ الجُناة وأكبرُ المجرمين، وما شرَعَ الله الزواجِرَ والحدود، إلا لتطهير المجتمعات من كل غويٍّ لَدود.
أيتها الأخوات الشريفات، والحرائرُ المَصونات العفيفات: يا من أعزَّكنَّ الله بالحجاب، وشرَّفكنَّ بالسِّتر والجلباب تمسَّكن بحجابكنَّ، اللهَ اللهَ في حيائكنَّ وعفافكنَّ يقول -عز وجل-:"وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى"الأحزاب:33 
وبعدُ، أمةَ الإسلام: ألا فلنحذَر على عِفَّتنا وعِزَّتنا وغيرتنا وكرامتنا من أحلاسِ الغريزة الخَسيسة، والنَّزوات الخبيثة التعيسة، التي تفتِكُ بالأمن والاطمئنان، وتُثيرُ الأضغانَ في المجتمع والعُدوانَ، لذلك يقول المُجتبى -عليه الصلاة والسلام-: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام " رواه البخاري
فجمع في التحريم بين الدم والعِرض، لِما فيه من إيغار الصدور، وإثارة الأعداء للشرور، هذا؛ وإن أهل الحِفاظ على الأعراض لا يرُومون لأمتهم إلا الحياةَ الفاضلةَ النظيفة، والعِيشَة الرضيَّة الشريفة، فضلاً من الله ومِنَّة، لا باكتسابٍ منَّا.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. الأحزاب:59.
هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على ما أسدَى من النِّعم، أحمده -سبحانه- حثَّ على حفظ الأعراض ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أجزلَ لأهل العفافِ المثوبَة والكرَم، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبد الله ورسوله البالغُ من الطُّهر القِمَم، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وصُونوا الأعراض عن الرِّيَب والتُّهم، تبلُغوا من الشرَف أعلاه ومن تولَّى بَعْدُ فقد زاغَ وظلَم.
أيها المسلمون: ومن الرِّماح الهاتِكة لحِمَى العفاف والاحتشام، الدعوةُ إلى الاختلاط المحرَّم بين الإناث والذكور، الباعِث على الشرور والثُّبور، دون إنكارٍ أو اعتراض، أو توجيه من الآباء أو امتعاض، وكون ذلك - بزعمهم - من الثقة المحمودة الآثار، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "ما تركتُ بعدي فتنةً هي أضرّ على الرجال من النساء" متفق عليه
فيا هؤلاء وأولئك من الوالِغين في أعراض المسلمين: كُفُّوا عن أعراض الأمة جُشاءَكم، ويا ليتَ هذا السباقَ المحموم، والتكالُب المذموم، والتباكِيَ المزعوم على قضايا المرأة سُخِّر في نُصرة قضاياها الكُبرى، والمُطالبة بحقوقها العُظمى، والانتصار لها، ورفع الظلمِ الواقعِ عليها في شتى المجالات.
إخوة الإيمان: فإنه للقضاء على داء انتهاك الأعراض، أو التحرُّش بالشريفات العفيفات لزِمَ الحثُّ على الزواج والتيسير في المهور؛ لأن الإحصانَ هو الحل الإسلامي الرشيد، والمنهجُ الشرعي السديد لقضية الغرائزِ والطِّباع، فاعتبِروا يا أولِي الأبصار،"فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"الحج:46
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على النبي الكريم، كما أمركم المولى العظيم في الذكر الحكيم، فقال -جلَّ في عُلاه-:"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"الأحزاب:56 وقال -عليه الصلاة والسلام-: من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.رواه مسلم.
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المُهداة، والنعمةِ المُسداة: نبيِّنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ؛ وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأدِمِ الأمن والاستقرار في ديارنا، ووفِّق أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا اللهم وفِّقه للبِطانةِ الصالحةِ التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم اجمع به كلمةَ المسلمين على الحق والهدى، اللهم وفِّقه إلى ما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين، وإلى ما فيه الخيرُ للبلاد والعباد اللهم وفِّق جميع ولاة أمورالمسلمين، اللهم اجعلهم لشرعك مُحكِّمين، ولأوليائك ناصِرين.
، برحمتك نستغيث، فلا تكِلنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأننا كلَّه اللهم أحسِن عاقِبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة، اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين،   اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم أصلِح أحوال الأمة في كل مكان، اللهم احفظ دينَهم وأنفسهم، واحقِن دماءَهم، وصُن أموالَهم وأعراضَهم يا حي يا قيوم. اللهم مَن أرادنا وأراد ديننا وأمنَنا وأعراضَنا بسوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نَحْره، واجعل تدبيرَه تدميرَه.
"رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"البقرة:201، "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" الأعراف:23، "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم"الحشر:10 " سبحان ربك ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين "  الصافات 180-182
1436-6-22 هـ