ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

النظافة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 6 ربيع الثاني 1435هـ | عدد الزيارات: 2482 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله القويِّ القديرِ ،سبحانه وتعالى ، لا ربَّ غيرُه ولا معبودَ سواه ، نحمدُه ونشكرُه ونتوبُ إليه ونستغفرُه ونشهدُ أن لا إله إلا الله حبَّبَ إلينا الإيمانَ وزيَّنَه في قلوبنا وكره إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ ونشهد أن محمداً عبدُ الله ورسولُه أرسله ربُّه بخير دينٍ لخيرِ أمَّةِ ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل الله فرضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك في جنات مكرمون.

أما بعد

فيقول الله تعالى وهو أصدق القائلين"ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" لقمان(20)

عباد الله: ما مُنِحَ الإنسانُ نعمة بعد الإيمان والتوحيد أعظم من نعمة الصحة والسلامة من الأمراض والأسقام فإن العبد ما أعطي بعد يقين خيراً من عافية والمؤمن إذا أعطي عقلاً سليماً في جسم سليم طابت حياته وعاش سعيداً هانئاً يقبل على عمله وهو مغتبط ويزيد في إنتاجه وهو أتم ما يكون تفاؤلاً وانشراحاً، ومن سنن الله في عباده أن البقاء في الكون للأقوياء وهم الصالحون لعمارة الأرض كما قال تعالى "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في ذلك لبلاغاً لقوم عابدين" الأنبياء(105) ، فما عَلَتْ أمةٌ إلا بقوة أبنائها فالأمة القوية هي التي تتكون من أفراد أقوياء ، أقوياء الأجسام وأقوياء العقول وأقوياء الإرادة ومن كان قوياً عاش عزيزاً يهابه العدو ويخشى بأسه الحاقد أما الضعاف المهازيل فإنهم يعيشون على هامش الحياة يطمع فيهم الطامعون وينال منهم الأعداء تلك سنة الحياة وقد نظم الدين لقوة الأجسام منهجاً رشيداً وحث على اتباع هذا المنهج والتمسك به وذلك يتأتى بالمحافظة على الصحة وبالعناية بالأبدان ووسيلة ذلك النظافة لقد جعل الإسلام النظافة أساس العبادة ومفتاحاً لها وجعل طهارة الجسم التامة أساساً لا بد منه لكل صلاة وجعل الصلاة واجبة خمس مرات كل يوم وكلف المسلم أن يغسل جسمه كله غسلاً جيداً في أحيان كثيرة وتلك هي الطهارة الكاملة وفي الأحوال المعتادة اكتفى بغسل الأعضاء والأطراف التي تتعرض لغبار الجو ومعالجة شتى الأشغال أو التي يكثر الجسم إفرازاته منها قال تعالى "يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيدكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا" المائدة(6) ورُوي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الطُّهُور شطْرُ الإيمانِ" رواه مسلم. ويحثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً على الوضوء لأنه طريق الصلاة المفروضة والمسنونة حتى نقف بين يدي الله في أكمل زينة ، رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِن وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بعَيْنَيْهِ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِن يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ" رواه مسلم ، والإسلام وهو يحث على ذلك يطلب من أبنائه أن يكونوا دائماً على هذه الحال من الطهارة حتى عندما يريدون أن يأووا إلى مضاجعهم ليستريحوا من تعب العمل طول النهار فيقول صلى الله عليه وسلم "إذا أتيتَ مضجَعكَ فتوضأ وضوءَك للصلاة" رواه البخاري ، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن أمته تعرف من بين الأمم على كثرتها بهذا النوع من النظافة وهذا الأثر من الطهارة فيقول "إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" رواه البخاري عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، وأرشدنا إلى أن الوضوء وهو طهارة ونظافة طريق إلى تكفير الذنوب ومحو الخطايا فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله "ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: اسباغ الوضوء على المكاره" رواه مسلم. وقد أوجب الإسلام النظافة من الطعام فبعد أن ندب إلى الوضوء له أمر بأن يتخلص الإنسان من بقايا طعامه وروائحه وآثاره وهذا أنقى للمرء وأطيب، وإذا علمنا أن أكثر ما يصيب الإنسان من أمراض يكون عن طريق عدم العناية بالفم وعدم المحافظة على الأسنان بترك بقايا الطعام بينها أدركنا سر توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته بأن يحرصوا على السواك ويلازموا استخدامه ومن احترام الإسلام للفرد والمجتمع أنه كره لمن أكل ثوماً أو بصلاً وكل ما له رائحة نفاذة غير طيبة كالتبغ أن يحضر المجتمعات كما يوصي الإسلام بأن يكون المرء حسن المنظر كريم الهيئة وقد ألحق هذا الخلق بأداب الصلاة قال تعالى "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" الأعراف(31) فالأناقة في نظر الإسلام مرغوبة والتجمل في غير سرف محمود ولعل الثوب الطيب دليل طِيب لابسه ومن أول ما أوصى الله به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم الحث مع تكبير الله على تطهير الثوب "يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر" المدثر(1-4) وروي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً رأسه شعث فقال "أما كان يَجِدُ هذا ما يُسَكِّنُ به شعرَه و رأى رجلًا آخرَ وعليه ثيابٌ وَسِخَةٌ فقال : أما كان هذا يجدُ ماءً يغسلُ به ثوبَه" رواه أبو داود ، وصححه الألباني.

عباد الله: إن من يفهم الدين على أنه يرضى عن فوضى الملابس واتساخها ويعد ذلك ضرباً من العبادة يحرف الدين عن مواضعه ويلبس الحق بالباطل ويفتري على تعاليمه، أما المسلم الذي يضم إلى نظافة باطنه نظافة جسده وجمال ملبسه فهو مسلم فاهم أهداف الإسلام مطبق تعاليمه متخلق بأخلاقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ" رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أوجد لنا وسائل النظافة وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد

عباد الله: في الماضي امتد التجمل من أشخاص المسلمين إلى بيوتهم وطرقهم وكان اليهود يفرطون في هذا الواجب فحذر المسلمون من التشبه بهم والإسلام وهو يأمر بذلك يقصد إلى تخلية البيوت والشوارع من القمامات التي تنبعث منها رائحة غير طيبة وتكون موطناً للحشرات ومصدراً للعلل وانتشار العدوى وخصوصاً الذباب الذي يكثر انتشاره في فصل الصيف وخطره معلوم في نشر عدوى الحميات وأمراض العيون وكم من عين سليمة نقلت إليها ذبابة صغيرة مرضاً من الأمراض فأتلفتها ولم يستطع صاحبها أن يسترجع بصره الذي كان يتمتع به "وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب" الحج(73) وإن عناية الإسلام بالنظافة والصحة جزء من عنايته بقوة المسلمين المادية والأدبية فهو يتطلب أجساماً تجري في عروقها دماء العافية ويمتلئ أصحابها فتوة ونشاطاً فإن الأجسام المهزولة لا تتحمل عبئاً والأيدي المرتعشة لا تقدم خيراً والمسلمون اليوم في أشد الحاجة إلى هذه القوة البدنية ليتصدوا في عزم وقوة للتحديات الخارجية والداخلية

أيها المسلمون: إن الماء هو وسيلة التطهر والماء نعمة من نعم الله على عباده منه نرتوي وبه نتطهر ونتجمل فعلينا أن نحافظ على نظافته ونقائه ليبقى كما خلقه الله طهوراً طيباً وإذا نظفت الأجساد والثياب والبيوت والطرقات سلمت قوتنا البدنية وتقوت تبعاً لذلك قوتنا العقلية فالعقل السليم في الجسم السليم والإنسان يتميز عن غيره من المخلوقات بأن الله أودع فيه نعمة العقل وأوجب عليه أن يحافظ على سلامته وأن يعتني به عن طريق التعلم والمعرفة والعلم وسيلة للحياة الكريمة الفاضلة وقد دعا الله تعالى إليه فقال حاثاً نبيه على التعليم "وقل رب زدني علماً" طه(114) وأول آيات القرآن نزولاً تحث على القراءة والكتابة والتعليم"اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم" العلق(1-5)

ويحث الإسلام أبناءه كذلك على تقوية الإرادة وذلك بالسلوك المستقيم والخلق الكريم والمسلم الفاضل هو صاحب الإرادة القوية التي تقف أمام مغريات الحياة الدنيا فتعف عنها وتزهد فيها

وأقدار الرجال تتفاوت بتفاوت قوة إرادتهم فمن أٌعطي حظه منها كان إنساناً قوياً صالحاً يعيش حياته في عزة وكرامة هذه العزة التي كتبها الله لعباده المؤمنين حيث قال "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون" المنافقون(8) ألا فلنحافظ على نظافتنا ولنحافظ على صحتنا ولنتذكر دائماً قول الله تعالى "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" البقرة(195) ولنتوق أسباب الأمراض فالوقاية خير من العلاج

ومن أصابه مرض من الأمراض فليلتمس له الأدوية الناجعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه : "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لمْ ينزلْ داءً ، إلَّا أنزلَ لهُ شفاءً" صححه الألباني ، وبذلك تكون أمتنا كما أراد الله خير أمة أخرجت للناس وتحيا في دنيا الناس عزيزة الجانب قوية البنيان.

عباد الله: هناك فئة من الناس بالغوا في ناحية وأهملوا في الناحية الأخرى بالغوا في ناحية المظهر إلى درجة الإسراف المنهي عنه وأهملوا ناحية المدخل إلى درجة التقصير المنهي عنه فلم يجمعوا بين الاثنين بدون اسراف ولا تقصير وأريد بذلك أن البعض من الناس أهملوا نظافة الباطن عن ما حرم الله فأصبحت بواطنهم قذرة نتنة وذلك لتعاملهم بالربا والغش والحسد والغل وإيذاء الجار وقطيعة الأرحام وهتك أعراض الناس والاستماع إلى الأغاني المحرمة والتهاون بالصلاة وهجر قراءة القرآن وسوء الأخلاق فنظفوا الظاهر وقذروا الباطن

فيا عباد الله: إن من ينظف باطنه لا بد وأن ينظف ظاهره لأن الذي ينظف باطنه يكون متمسكاً بإسلامه والإسلام يحث على نظافة الداخل والظاهر

جعلنا الله ممن نظفت ظواهرهم وبواطنهم

هذا وصلوا على نبيكم ، اللهمّ صلِ على محمد ، اللهم أنقذ إخواننا من كيد الرافضة في كل مكان ، وردَّ كيدهم في نحورهم ، واحفظ ديارنا من شرورهم ، واحفظ لنا ولاةَ أمرنا ومتعهم بالصحة والعافية واجعلهم هداة مهتدين .

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1435-4-6هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي