الحمد لله رب العالمين، خلق الخلق ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فاضل بين الأيام والليالى، واختص بعضها بالمزيد من التكريم على سائر الأوقات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والمتبعين لسنته المهتدين بهديه إلى يوم الدين.    
أما بعد؛
يقول تعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ *تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ *سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ *} [القدر:1-5].
عباد الله: لقد نزل القران في شهر رمضان وفي ليلة مباركة وهى ليلة القدر التي شرفها الله سبحانه بإنزال القران فيها، وإذا كانت ليلة القدر شرفت بنزول القرآن فيها فكيف بمن نزل القرآن لأجلهم واحتوته صدورهم وتخلقوا به في أقوالهم وأفعالهم وسلوكهم إنهم به أفضل الخلق وأعلاهم عند الله درجة.
أمَّةَ القرآن؛ إن مجد هذه الأمة إنما هو في كتابها ذلك الكتاب الذي ربط بين جميع المسلمين وكان دستورهم في شئون دنياهم ودينهم والروح الذي أحيا موات أفئدتهم وأزال الغشاوة عن قلوبهم والنور الذي أضاء لهم الطريق وسلكوا به سبيل الهدى والرشاد "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا [النساء:174]. إن لكل دعوة من الدعوات كتابا يدعى بها ، ولسانا يعبر عنها ، ويوضح أهدافها ، وينشر مبادئها والقرآن كتاب الإسلام نزل به الروح الأمين بلسان عربي مبين إنه شرف رباني قلده الله هذه الأمة  وكان مبعث  عزها وانتصرت يوم اعتزت بالقرآن واتخذته إمامها ولاذت به وحكمته فيما شجر بينها ففي عصر الخلفاء الراشدين وفي خلافة الأمويين والعصر الذهبي لخلافة العباسيين حين كان القرآن له في القلوب مكانة وعلى سلوك الناس وتصرفاتهم سلطانه كانت هذه الأمة عزيزة الأركان متينة البيان تخطب الدنيا ودها وترجوا رضاها وعونها وتخشى بأسها وتؤمل خيرها إنه أيها المسلمون المخرج من كل فتنة والملجأ في كل شدة والسعادة في تعاليمه لمن أراد السعادة الحقة إنه ذلك الكتاب الذي استطاع أن يحطم الحواجز وأن يمزق الحجب عبر التاريخ، جياشاً بكل معاني الحياة قوياً يأخذ بأيدي الضعفاء حتى يبلغ بهم ذروة المجد منتهاه.
إن التاريخ يحدثنا أن أمة الإسلام عزت وانتصرت بالقرآن وكان له في القلوب مكانة وعلى سلوك الناس وتصرفاتهم سلطان ويوم نأت بجانبها عن مصدر عزها واتبعت الهدى في غير كتاب ربها أوردها الله موارد الردى وأحلها دار البوار وصدق فيها قوله صلى الله عليه وسلم "يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها . فقال قائلٌ : ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ ؟ قال : بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم ، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ . فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ ! وما الوهْنُ ؟ قال : حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ "صحيح أبي داود للألباني.
إن هذا الكتاب الذي صنع بالأمس  الأبطال وربى الرجال وأقام حضارة وأحيا أمة ليهيب بنا أن نعود إليه وأن ننهل من ورده ونتلمس وسائل النصر في رياضه ويومئذ نصبح وليس على ظهر الأرض من هو أعظم قوة وأحق بالحياة منا.
أيها المسلمون:فتحت راية القرآن فامضوا وبهديه فلتعملوا وصراطه المستقيم فاتبعوا تكونوا أهلاً لنصر الدين الذي ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
 عباد الله؛ أخفى الله ليلة القدر في العشر الأخيرة حفزاً للهمم إلى الاستزادة من الخير ولكيلا نتواكل وننصرف إلى الانتظار لوقتها إذا كانت محددة فيفوتنا بذلك الثواب الجزيل والخير الكثير كما قال تعالى:{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[السجدة:17].
عن عائشة رضي الله عنها "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ." [صحيح البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم " مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ " [صحيح البخاري].
 فعلى المسلمين أن يغتنموا لحظاتها وأن يتحروا ميقاتها متأسين بهدي أكرم الخلق صلوات الله عليه وهو يستعد لها فعن عائشة رضي الله عنها قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأخيرة شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"[صحيح البخاري]. وقالت عائشة رضي الله عنها:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره وفي العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها." صححه الألباني.
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أحمده وأشكره واثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، دعا الناس إلى الإسلام وإلى عبادة الله وحده، ونصح الأمة صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى.
أما بعد؛
عباد الله: صوم  شهر رمضان المبارك فريضة على المسلمين وهو إمساك عن الطعام والشراب والجماع وإمساك الجوارح عن ارتكاب الآثام وإمساك اللسان عن قول الزور والكذب والبهتان إمساك عن الغيبة والنميمة والجوارح من يد ورجل وعين وأذن إمساكها امتناعها  عما يسخط الرب وفي ذلك كله قال المصطفى صلى الله عليه وسلم "إنما الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث"[صحيح مسلم].
شهر رمضان أفضل شهور العام وأفضله عِشْرُه الأخيرة فيها ليلة مباركة ليلة القدر خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم.
أيها الاحبة: تقربوا إلى ربكم بعمل الصالحات وبأداء ما فرضه عليكم من أعمال وذلك أفضل العمل فتعرضوا لنفحات ربكم ولجوده ورحمته فإن لربكم في أيام دهركم نفحات وشهركم هذا فيه الرحمة والمغفرة فيه العتق من النار متى يغفر لمن لم يغفر له في هذا الشهر المبارك متى يُقبل من رُد في ليلة القدر متى يَصلح من لم يصلح في شهر رمضان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأخيرة من شهر رمضان أحيا ليله بالقيام والعبادة والذكر والتوبة والاستغفار وهو قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكيف بنا ونحن المذنبون المقصرون الفقراء إلى الله الراجون عفوه ورحمته وقبوله الخائفون من غضبه وشديد عقابه.
 اللهم اجعلنا ممن صام هذا الشهر وقامه إيماناً واحتساباً وفاز بجائزة الرب بالمغفرة والعتق من النار اللهم تقبل منا وتب علينا اللهم هب المسيئين منا للمحسنين واصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا واجعل حياتنا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.[البقرة:201]. وأدخلنا الجنة مع الأبرار
عباد الله:اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }.[العنكبوت:45].
1435-3-19 هـ