الحمد لله حزبه خير الأحزاب وأقواها وغايته الجنة "حسنت مستقرا ومقاما"الفرقان:76 وأشهد أن لا إله إلا الله القائل "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" المجادلة:22 وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد.
عباد الله.
إن الحب في الله والبغض في الله من أمارات كمال الإيمان المجملة في أعمال العاقل المنطبقة على ما جاءت به الشريعة المطهرة من أقوال وأفعال مرضية للكبير المتعال ومن ذلك أن يحب المرء من الناس من سلك النهج القويم وفق دين الإسلام ويبغض من خالف ذلك الدين الحنيف العظيم وحاد عن الصراط المستقيم
ومن اتبع هذا المسلك الكريم انطبع في قلبه وحينئذ يرى أن أعظم الناس قيمة أهل الإخلاص وطاعة الله تعالى وأحط الناس منزلة أهل المعصية حزب الشيطان:ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون
عباد الله: شأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وشأن أصحابه رضي الله عنهم أنهم يحبون في الله ويبغضون في الله ويوادون الطائعين وإن كانوا بعداء ويعادون العاصين وإن كانوا أقرباء فرابطة التقوى عندهم أشد وأقوى من رابطة النسب والقرابة.
 
عباد الله: هذا هو الحب في الله والحب في الله يدوم لدوام الله وما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انبت وانقطع وانفصل فليس الحب في الله كلمة تقال ويدعيها المدعون وإنما الحب في الله إنما يكون غاية المحب حين تستمر على هذا الحب
يا عبد الله ليس من الحب في الله أن تصادق صاحبك ما دام في نعماء وسراء وتتخلى عنه إذا تخلت عنه السراء والنعماء وتتركه وحده يعاني البأساء والضراء وليس من الحب في الله أن تصادق صاحبك ما دام ذا جاه فإن زال الجاه زلت عنه وفررت منه
وليس من الحب في الله أن تحترم صاحبك ما دام معك فإذا غاب عنك فريت جلده ونهشت عرضه وتناولته بالذم.
وليس من الحب في الله أن تترك صاحبك يتخبط في اخطائه أو تغطي عنه عيوبه بحجة الرفق والخوف على صداقته
فاتق الله أيها المسلم وأحب من يحب لله تعالى فتحب من كانت محبته لله رائدة أعماله وسبيل حياته فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" رواه مسلم
جعلني الله وإياكم من المتحابين في الله
هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله
أما بعد
عباد الله: اعلموا أن كل من يحب في الله لا بد أن يبغض في الله فإنك إن أحببت إنساناً لأنه مطيع لله ومحبوب عند الله فإن عصاه فلا بد أن تبغضه لمعصيته لأنه عاص لله وممقوت عند الله ومن أحب بسبب فبالضرورة يبغض لضده فإذا ظهرت لك من إنسان طاعته لله فلك أن تحبه وإذا لم يظهر لك إلا فسقه وفجوره وأخلاقه السيئة فعليك أن تبغضه فأنت لا تحب وتبغض لذات الشخص وإنما ذلك مرتبط بطاعته ومعصيته
فإذا وجدت إنساناً قد خلط الطاعات بالمعاصي فعليك أن تحبه من وجه وتبغضه من الوجه الآخر وما ذلك إلا كرجل عنده زوجة حسناء فاجرة أو ولد ذكي خدوم ولكنه فاسق فهو يحبه من وجه ويبغضه من وجه يحبه لأنه خدوم له ويبغضه لأنه فاسق
ويمكن إظهار البغض في الحالات الآتية 
الأولى في القول وذلك بكف اللسان عن مكالمته ومحادثته مرة وبالاستخفاف والتغليظ أخرى
الحالة الثانية يكون في الفعل بقطع السعي في اعانته مرة وفي السعي في إفساد مآربه أخرى وبعض هذا أشد من بعض وهي بحسب درجات الفسق والمعصية الصادرة منه
أما ما يجري مجري الهفوة التي يعلم أنه متندم عليها ولا يصر عليها فالأولى فيه الستر والإغماض
أما ما أصر عليه من صغيرة أو كبيرة فلا بد من إظهار أثر البغض إما في الإعراض والتباعد عنه وقلة الالتفات إليه وإما في الاستخفاف وتغليظ القول عليه وهذا أشد من الإعراض وهو بحسب غلظ المعصية وخفتها
واعلموا أيها الناس أن العاصي يعامل حسب درجته في المعصية وحسب حالته فالبعض الأولى معه أن يغلظ القول عليه والبعض الأولى الإعراض عنه والبعض ينظر إليه بعين الرحمة والمؤمن يكون في هذه الأحوال مع هؤلاء كيس فطن وإظهار البغض والعداوة بالفعل إن لم يكن واجباً فلا شك أنه مندوب إليه
عباد الله: اعلموا أن ما يتضرر به الناس كالظلم وشهادة الزور والغيبة والنميمة فهؤلاء الإعراض عنهم وترك مخالطتهم والانقباض عن معاملتهم مستحب فالاستحباب في إهانتهم والإعراض عنهم مؤكداً جداً لأن معصيتهم شديدة فيما يرجع إلى إيذاء الخلق ثم هؤلاء ينقسمون إلى من يظلم في الدماء وإلى من يظلم في الأموال وإلى من يظلم في الأعراض ومهما كان يتوقع من الإهانة زجراً لهم أو لغيرهم كان الأمر فيه آكد وأشد
لا تنسو يا عباد الله أن بني اسرائيل ما عوقبوا في الدنيا مع بقاء عقاب الآخرة إلا حين آكلوا وشاربوا أهل المعاصي فما أشبه الليلة بالبارحة أصبح الناس إلا من عصم الله لا يفرقون بين صاحب الطاعة وصاحب المعصية في المعاملة بل وأصبح البعض من الناس يشمئزون من الصالحين ويشكون في صلاحهم ويبحثون عن هفواتهم ثم يضعون الحبة قبة وفي نفس الوقت يتغاضون عن أخطاء وزلات الفاسقين
جعلني الله وإياكم من المتحابين في الله ومن المبغضين في الله
هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".الأحزاب:56. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد  وارض اللهم عن الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم اصلح شباب المسلمين و اهد ضالهم.
اللهم وفق ولي آمرنا لما تحبه وترضاه وانصر جنودنا على حدودنا واغفر اللهم لنا ولوالدين و والدي والدينا و لجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
1435-3-19