الحمد لله أحمده وأشكره وأتوب إليه سبحانه وأستغفره قضى بالحق وأمر بالعدل وهو السميع البصير  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له  له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قام بعبادة ربه ونصح أمته وبلغ البلاغ المبين  فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد
عباد الله: قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" [النساء:58]. وقال سبحانه "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]. عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فمتنعن عن حملها ثم أتى الإنسان فحملها نعم إن الإنسان هو الذي حملها بما وهبه الله من عقل وما أعطاه من إرادة وتصرف {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}[الأعراف:172] وقال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[الروم:30]. إن الأمانة مسئولية عظيمة وعبء ثقيل على غير من خففه الله عليه  إنها التزام الإنسان بالقيام بحق الله وعبادته على الوجه الذي شرعه مخلصا له الدين وهي كذلك التزام بالقيام بحقوق الناس من غير تقصير  كما تحب أن يقوموا بحقوقك من غير تقصير  ونحن بني الإنسان قد تحملنا الأمانة وحملناها على عواتقنا والتزمنا بمسئوليتها وسنسأل عنها يوم القيامة  فيا ليت شعري ما هو الجواب إذا سئلنا في ذلك اليوم العظيم اللهم تثبيتا وصوابا
عباد الله: إن الله أمرنا أن نؤدي الأمانات إلى أهلها وأمرنا إذا حكمنا بين الناس أن نحكم بالعدل  هذان أمران لا تقوم الأمانات إلا بهما  أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل  وإننا الآن على أبواب اختبارات الطلبة من ذكور وإناث وإن الاختبارات أمانة وحكم فهي أمانة حين وضع الأسئلة وأمانة حين المراقبة وحكم حين التصحيح أمانة حين وضع الأسئلة يجب على واضعي الأسئلة مراعاتها بحيث تكون على مستوى الطلبة المستوى الذي يبين مدى تحصيل الطالب في عام دراسته بحيث لا تكون سهلة لا تكشف عن تحصيل ولا صعبة تؤدي إلى التعجيز
والاختبارات أمانة حين المراقبة فعلى المراقب أن يراعي تلك الأمانة التي ائتمنته عليها إدارة المدرسة  ومن ورائها وزارة أو جامعة وفوق ذلك دولة بل ائتمنه عليها المجتمع كله  فعلى المراقب أن يكون مستعينا بالله يقظا في رقابته مستعملا حواسه السمعية والبصرية والفكرية يسمع وينظر ويستنتج من الملامح والإشارات  على المراقب أن يكون قويا لا تأخذه في الله لومة لائم يمنع أي طالب من الغش أو محاولة الغش لأن تمكين الطالب من الغش غش  وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا"رواه مسلم . وتمكين الطالب من الغش ظلم لزملائه الحريصين على العلم  المجدين في طلبه  الذين يرون من العيب أن ينالوا درجة النجاح بالطرق الملتوية . إن المراقب إذا مكن أحدا من هؤلاء المهملين الفاشلين في دراستهم إذا مكنهم من الغش  فأخذ درجة نجاح يتقدم بها على الحريصين المجدين كان ذلك ظلما لهم وكان كذلك ظلما للطالب الغاش  وهو في الحقيقة مغشوش حيث انخدع بدرجة نجاح وهمية لم يحصل بها على ثقافة ولا علم  ليس له من ثقافته ولا علمه سوى بطاقة يحمل بها شهادة زيف لا حقيقة  وإذا بحثت معه في أدنى مسألة مما تنبئ عنه هذه البطاقة لم تحصل منه على علم
إن تمكين الطالب من الغش خيانة لإدارة المدرسة  وللوزارة أو الجامعة التي من ورائها  وخيانة للدولة وخيانة للمجتمع كله وإن تمكين الطالب من الغش أو تلقينه الجواب بتصريح أو تلميح ظلم للمجتمع  وهضم لحقه حيث تكون ثقافته مهلهلة يظهر فشلها عند دخول ميادين السباق  ويبقى مجتمعنا دائما في تأخر وفي حاجة إلى الغير  وذلك لأن كل من نجح عن طريق الغش لا يمكن إذا رجع الأمر إلى اختياره أن يدخل مجال التعليم والتثقيف لعلمه أنه فاشل فيه
وإن تمكين الطالب من الغش كما يكون خيانة وظلما من الناحية العلمية والتقديرية  يكون كذلك خيانة وظلما من الناحية التربوية لأن الطالب بممارسته الغش يكون مستسيغًا له هينًا في نفسه فيتربى عليه ويربى عليه أجيال المستقبل  ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة
إن على المراقب أن لا يراعي شريفا لشرفه ولا قريبا لقرابته ولا غنيا لماله إن عليه أن يراقب الله عز وجل الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور  عليه أن يؤدي الأمانة كما تحملها لأنه مسئول عنها يوم القيامة
ولربما قال مراقب إذا أديت واجب المراقبة إلى جنب من يضيع ذلك فقد أرى بعض المضايقات  فجوابنا عليه أن نقول اتق الله تعالى فيما وليت عليه واقرأ قول الله تعالى:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا.}[الطلاق:2].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً رسول الله خليله ومصطفاه من خلقه.
أما بعد؛
عباد الله: إن الاختبارات حكم حين التصحيح فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة  ويقدر درجات سلوكهم هو حاكم بينهم لأن أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي  فإذا أعطى طالبا درجات أكثر مما يستحق فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع قصوره  وهذا جور في الحكم  وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على أولاد الناس من هو دونهم
إن من الأساتذة من لا يتقي الله تعالى في تقدير درجات الطلبة فيعطي أحدهم ما لا يستحق  إما لأنه ابن صديقه أو قريبه أو ابن شخص ذي شرف أو مال أو رئاسة  ويمنع بعض الطلبة ما يستحق إما لعداوة شخصية بينه وبين الطالب أو بينه وبين أبيه أو غير ذلك من الأسباب وهذا كله خلاف العدل الذي أمر الله به رسوله فإقامة العدل واجبة بكل حال على من تحب ومن لا تحب  فمن استحق شيئا وجب إعطاؤه إياه ومن لا يستحق شيئا وجب حرمانه منه.
اللهم وفق فلذات أكبادنا في إختبار الدنيا والآخرة ورجح موازينهم فيهما إنك سميع مجيب وبالإجابة جدير وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
1435-3-18هـ