الجهاد دفاع عن المقدسات والحقوق

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 18 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1835 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله وعد عباده المخلصين بالنصر والتأييد " وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" الحج:40.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أكمل لنا الدين وأتم علينا نعمته ورضي لنا الإسلام دينا وأمرنا بأن نحرص على ديننا أشد من حرصنا على الحياة وأن نكافح في سبيل حفظه والتمكين له في الأرض حتى يرضى عنا ويهب لنا التوفيق وأشهد أن محمداً رسول الله سيد المجاهدين وإمام الصابرين أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون اللهم صل وسلم وبارك على محمد على آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده فأيدهم الله وكتب لهم عز الدنيا وسعادة العقبى، أوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.البقرة:5.‏

أما بعد فيقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.التوبة:111.

عباد الله: إن كثير من الناس اليوم يعيشون حياتهم ولا يعنيهم منها إلا طعام يشبِع، وشراب يروِي، ولباس يتزين به، ورفاهية ينعمون بها، فتراهم يسعون في الأرض ويجدون فيها ويريقون ماء وجوههم في سبيل أن يحصلوا على هذا المتاع ولا يفكرون فيما وراء ذلك من عزة نفس، أو علو همة أولئك الصنف من الناس مبعد عن كرائم الغايات فإذا ما دعا الداعي إلى موقف من مواقف الشجاعة ومواقف الشجاعة تقتضي أن يتنازل الإنسان عن رفاهيته، وأن يتخلى عن كثير من ضرورات حياته نكص على عقبيه، ورضي بأن يكون مع الخوالف، وحق عليه قوله تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ"الحج:11. وهناك صنف آخر من الناس لا يرض إلا بالحياة العزيزة الكريمة ويرفض أن ينتقص شيء من كرامته أو مروءته ويرفض العيش في ظلال الاستغلال والاستعباد هذا الصنف يهب مكافحاً دفاعاً عن مقدساته وحقوقه فإذا ما أذن مؤذن الجهاد جعل الدنيا بما فيها من زينة وبهجة خلف ظهره وحمل سلاحه والتحم بصفوف المجاهدين إنه يحرص أشد الحرص على حياة الشرف والفضيلة ويضحي في سبيل ذلك بكل شيء إنه يضحي بأسرته وأسرة الإنسان أعز شيء عنده ويضحي بأمواله والمال عند كثير من الناس شقيق الروح ويضحي بالمسكن الطيب كل ذلك في سبيل العقيدة ولو لم يفعل ذك لغضب الله عليه وهذا هو توجيه القرآن الكريم: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ.التوبة:24.

أيها المسلمون: قبل أن يحمل الإنسان السلاح لقتال أعداء الله عليه أن يجاهد أولاً نفسه التي بين جنبيه عليه أن يكون في جهاد دائم مع نوازع الهوى ودوافع الإثم حتى يقوى على مقاومة قوى الشر في الحياة ومن يقدر على الاستعلاء على هواه كان أقدر على الانتصار على الأعداء

والإنسان في صراع شاق بين دوافع الروح التي تدعوا إلى الخير وبين وساوس الشيطان الموجهة إلى الشرور روى ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد من ذلك شيئاً فليعلم أنه من الله وليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان ثم قرأ: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"البقرة:268. وإذا انتصر الإنسان في جهاده مع نفسه استرخص الحياة وقدمها فداء لعقيدته وعاش حياته عزيزاً حراً يهابه الأعداء ويحترمه الأصدقاء، والمسلمون الأولون رضوان الله عليهم أجمعين صانوا عقيدتهم ونشروا مبادئهم وحفظوا مقدساتهم بقوة إيمانهم وبجهادهم لأعدائهم امتثالاً لقول الله تعالى "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ"الحج:78. ولقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يتعلقون بزينة الحياة الدنيا ويحدون عن شرف الجهاد فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة وعبد القطيفة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع"رواه البخاري. ولأن الجهاد طريق السعادة في الدنيا والآخرة صوره المولى تبارك وتعالى على هيئة المبايعة بينه وبين عباده المجاهدين وحقيقة هذه المبايعة أن الله قد اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم فلم يعدلهم عنها شيء والثمن هو الجنة والطريق هو الجهاد والنهاية هي النصر أو الاستشهاد إن الجهاد في سبيل الله بيعة معقودة بعنق كل مؤمن إنها السنة الجارية التي لا تستقيم هذه الحياة بدونها ولا تصلح الحياة بتركها لا بد للخير أن يغالب ولا بد للحق أن يكافح ولا بد لكلمة الله أن تعلوا ولا بد للمقدسات أن يحافظ عليها وأن تصان وما دام للمقدسات أعداء للحق وأنصار للشيطان فالجهاد في سبيل الله بيعة معقودة بعنق كل مؤمن وليس له أن يتخلص منها وإلا فإن إيمانه يكون مزعزعاً قال صلى الله عليه وسلم "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق"رواه مسلم. وما تمكنت الدعوة الإسلامية إلا بفضل الرعيل الأول من المسلمين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من الدفاع عن دينهم والحرص على عقيدتهم والتصدي لكل من يحاول أن ينال من حريتهم مهما لاقوا في سبيل ذلك من مشاق روي عن أنس رضي الله عنه قال:"غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون فقال اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني لأجد ريحها دون أحد قال سعد فما استطعت يا رسول الله أن أصنع ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.الأحزاب:23."رواه البخاري.

أعاننا الله وإياكم على جهاد أنفسنا والشيطان

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه

أما بعد

عباد الله: من الفهم الواعي لمعنى الجهاد انطلق المسلمون في شرق الأرض وغربها يحررون الشعوب المغلوبة ويرفعون عنها نير الظلم والاستعباد وينشرون كلمة التوحيد ويرفعون راية الله ليؤكدوا إنسانية الإنسان ويخلصوه من الضغوط التي تقف في طريق كرامته ويقف قائد من قوادهم أمام رستم قائد الفرس الذي ذاع صيته ويقول له في عزة المؤمن "إن الله قد ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة الأصنام إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام" ومضى المسلمون في تاريخهم الطويل يؤكدون سنة الله في الأرض فكان لهم النصر والمنعة ما عاشوا لعقيدتهم ولحريتهم يستعذبون الصعاب في سبيلها

عباد الله: إذا تخلينا عن طريق الكفاح فسوف نحيا مستضعفين في الأرض يتخطفنا الناس من كل مكان فالسلف الصالح حينما كانوا يخرجون من ديارهم لله يثبت الله أقدامهم وينصرهم على أعداهم ويكتب لهم الفوز والتأييد وقد أكد ذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر وغنيمة والذي نفس محمد بيده ما كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون دم وريحه ريح مسك والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزوا في سبيل الله أبدا والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزوا فأقتل"رواه مسلم. وإذا كان الجهاد هوسبيل إنتصار المسلمين في تاريخهم الطويل فما زال إلى اليوم هو الطريق السوي لتأكيد حريتهم وتثبيت استقلالهم

عباد الله: إن الأمة الإسلامية اليوم يتخطفها الأعداء من كل جانب أعداء من خارجها من المستعمرين الذين لا يريدون لها حرية ولا كرامة ولا عزة وأعداء من داخل صفوفها من عملاء الاستعمار وأعوانه الذين لا يعيشون إلا من دماء الشعوب ومن عرقهم ومن ناتج عملهم هؤلاء الأعداء لا سبيل إلى التغلب عليهم إلا بعقد العزم على الكفاح وإعداد العدة للجهاد والله تعالى يقول " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ"الأنفال:60. إن الأعداء لا يخشون إلا الأقوياء فعلى المسلمين أن يأخذوا بأسباب القوة وأن يكون بأيديهم مثل السلاح الذي بأيدي أعدائهم وأن يبذلوا في سبيل إعداده كل مرتخص وغال والسلاح في يد المؤمن يزداد بإيمانه قوة لأن صاحبه يدافع به عن مبدأ كريم وهدف نبيل " الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا"النساء:76 وحينئذ تتأكد أمجاد المسلمين وتتأكد لهم حريتهم وتتحقق لهم العزة التي كتبها الله لهم في قوله "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ"المنافقون:8. فاتقوا الله عباد الله واجمعوا صفوفكم ووحدوا كلمتكم وأعدوا أنفسكم للدفاع عن مقدساتكم وللذود عن كرامتكم يكتب لكم ربكم النصر والتوفيق

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك

اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد

" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " البقرة 201

وأقم الصلاة يرحمك الله

ملحوظة : ألقيت هذه الخطبة لأول مرة عام 1413هـ

1435-3-19 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي