الأمانة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 8 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 1971 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله حثنا على أن نتخلق بصفة الأمانة ونهانا عن سوء الخلق والخيانة وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له أمرنا بأوامر لو التزمنا بها وسرنا على جادتها عشنا أعزة مكرمين وحصلنا مجد الدنيا والسعادة

يوم لا ينفع مال ولابنون الا من أتى الله بقلب سليم الشعراء:88-89.

وأشهد ان سيدنا محمدا رسول الله جمع مكارم الأخلاق كلها، فهو قدوة لأمته ليتأسوا به في صفاته، ويقتدوا به في أخلاقه، وقال عن نفسه "إنما بعثت لأ تمم مكارم الأخلاق"صححه الألباني. اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه الذين آزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون

أما بعد

فيقول الله تعالى:يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.الأنفال:27.

عباد الله: جاء الاسلام بشريعة سمحة، بينت الحسن والقبيح وأقرت الحق والعدل، فمنعت اعتداء الأقوياء على الضعفاء وأنصفت المظلومين، وأعطت كل ذي حق حقه وقررت مبادئ سامية، تنشر بين الناس المودة، وتبث فيهم روح المحبة وتجعل العلاقة الاجتماعية بينهم قائمة على الثقة المتبادلة والأخوة الخالصة، يحافظ كل انسان على حقوق غيره ويعرف ما له وما عليه فاطمئنت النفوس وسلمت الأرواح والأموال والأعراض، ووضح للناس المنهج القويم للآداب والأخلاق وإن من أجل الصفات التي حثت عليها شريعة الاسلام صفة الأمانة وهي في حقيقتها شعور المرء بتبعته في كل أمر يوكل اليه، فيراقب ربه، الذي يطلع على سره وعلانيته ويعلم نجواه وحركات نفسه ولكي يتخلق الانسان بهذه الصفة، عليه أن يكون ذا ضمير يقظ، يدفعه الى فعل الخير واجتناب الشر، ويحفزه الى أن يؤدي ما عليه من واجبات بعزيمة صادقة، وهمة عالية، نتيجة هذا الضمير الحي، وثمرة مراقبة الله رب العالمين، هذه المراقبة تدعو الى أداء الواجب على أكمل وجه وأحسنه، ولو نامت أعين الرقباء

والأمانة هي الخلق الذي يتواصى المسلمون برعايته ويستعينون بالله على حفظه، فاذا ما أراد صديق أن يُودع صاحبه المسافر، لم يجد خيرا من الدعاء له، بأن يحفظ الله له نعمة الأمانة، وقد علمنا رسول الله صل الله عليه وسلم هذا الدعاء بقوله للمسافر "أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك"رواه الحاكم وصححه الألباني. وعن أنس رضي الله عنه قال "ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا قال لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له"رواه الحاكم وحسنه الأرناؤوط والألباني وابن حجر. وكثيرا ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الخيانة التي تؤدي الى سوء المنقلب في الآخرة ،كما يستعيذ من شقاء العيش في الدنيا فقد قال "اللهم اني أعوذ بك من الجوع، فانه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة"رواه ابن حبان وقال الأرناؤوط حسن اسناده. والأمانة صفة أنبياء الله ورسله، فهي في الذروة العليا من مكارم الأخلاق ولهذا كانت من صفاتهم الواجبة لهم، التي تميزهم عن غيرهم وقد شوهدت مخايل الأمانة على موسى عليه السلام حين سقى لابنتي الرجل الصالح، ورفق بهما، كان معهما عفيفا وشريفا وذلك قبل أن يبعث بالرسالة "قالت احداهما يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين"القصص:26. ويوسف عليه السلام كان أميناً في بيت العزيز, فحينما تعرض لموقف الفتنة، وتعرضت له امرأة العزيز رد عليها "معاذ الله انه ربي أحسن مثواي، انه لا يفلح الظالمون"يوسف:23. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقب قبل بعثته بالصادق الأمين واستمر له هذا اللقب حتى من أعداء دعوته الذين اتهموه بالسحر والكهانة الا أنهم كانوا يقدرون فيه صدقه وأمانته، ولا غرو في ذلك فقد مدحه ربه بقوله "وانك لعلى خلق عظيم"القلم:4.

عباد الله: ليست الأمانة مقصورة على حفظ الودائع وردها الى أصحابها كاملة بل ذلك أحد مظاهرها بل إن الأمانة أعم من ذلك وأشمل، فهي تكون على السر بالكتمان، وعلى المال بالحفظ، وعلى العرض بالصيانة، إنها تشمل أمانة الانسان على نفسه وعلى كل عمل يوكل إليه والله تعالى سمى التكاليف والشرائع أمانة حيث قال "انا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا"الأحزاب:72.

أمانة التكاليف هذه أمانة ضخمة، فالمخلوقات العظيمة من السموات بما فيها من شمس وقمر وكواكب، والأرض بما تحمل من جبال ووهاد وأنهار وأشجار، أشفقت من حمل الأمانة لعظم المسئولية وحملها الانسان الذي يعرف الله بإدراكه وشعوره ويختار طريقه وهو يعرف أين يؤدي به هذا الطريق، وبهذا امتاز الانسان على كثير من خلق الله واستحق التكريم الذي أعلنه الله في الملأ الأعلى وهو يأمر الملائكة بالسجود لآدم ، وأعلنه في القرآن الكريم في قوله "ولقد كرمنا بني آدم"الإسراء :70 وحرص الانسان على أداء واجبه كاملا في العمل الذي يوكل اليه مظهر من مظاهر الأمانة، فإخلاص الرجل في عمله، وحرصه على اجادته واتقانه صفة المسلم الحق والقرآن الكريم يمدح الذين يراعون الأمانة في أعمالهم فيقول "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون"المعارج:32-35.

ومن الأمانة ألا يستغل الرجل منصبه الذي عين فيه لجر منفعة شخصية له وألا يستخدم نفوذه لنفع قرابة له فان المساس بالمال العام جريمة

جعلني الله وإياكم من القائمين بالأمانة على الوجه الذي يرضي الله

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يعز أهل الطاعة الذين يؤدون الأمانة على الوجه الصحيح ويذل أهل المعصية الذين يخونون الأمانة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد

عباد الله: إن الأمانة في الاسلام واسعة الدلالة وهي تشمل جوانب حياتنا كلها، وتلازمنا في علاقتنا بأنفسنا وعلاقتنا بخالقنا وعلاقتنا بأسرتنا، وبالمجتمع الذي نعيش فيه ومناطها جميعا شعور المرء بتبعته في كل أمر يوكل اليه وإدراكه بأنه مسئول عنه أمام ربه حسبما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها ... إلى آخر الحديث.رواه مسلم.

عباد الله: إن كل ما وهبنا الله من نعم أمانة بأيدينا، فلا ينبغي أن نفرط فيها فحواسنا التي أنعم الله بها علينا أمانة، والمواهب التي يخص بها الله المجدين العاملين أمانة، وما حُبينا من أموال وأولاد أمانة فيجب أن نستخدم كل ذلك في قربات الله ومرضاته، ولا ننحرف بواحدة منها عن طريقه السوي فالله أعطانا السمع فهو أمانة عندنا فيجب ألا نستمع إلى ما حرم الله كالأغاني والموسيقى وأعطانا الله اللسان فهو أمانة عندنا فمن الخيانة أن نتلفظ به بما يسخط الله وحبانا الله العينين فمن الخيانة أن ننظر بهما إلى النساء الأجنبيات وحبانا الله المال فهو مال الله في أيدينا فمن الخيانة أن ننفقه في معصية الله كأن يشتري به تبغ أو خمر أو أسهم محرمة وبهذا يرتكب الفاعل جرمين إضاعة المال وفعل محرم وليتذكر هذا أن الله سائله عن ماله من أين اكتسبه وفيما انفقه هل انفق المال في طاعة الله أو في معصيته وطاعة الشيطان وأعطانا الله الوقت فمن الخيانة أن نضيع أوقاتنا في اللهو وليعلم الذين يضيعون أوقاتهم ولا يستغلونها فيما يقربهم إلى الله أن الله سائلهم عن ذلك كم نصيب الصلاة من أوقاتنا كم نصيب قراءة القرآن وزيارة الأقارب والتفقه في أمور ديننا من أوقاتنا أصبح الكثير من الناس يفقهون أمور دنياهم أكثر من أمور دينهم قطع الناس أشواطاً في أمور الدنيا وتقهقر البعض إلى الوراء في دينهم وهذه دلائل شر على المسلمين أصبحت العلاقات والزيارات من أجل الدنيا إلا من عصم الله وكل هذاخيانة في الوقت والوقت أمانة ومن الأمانة العقل فمن الأمانة ألا نفكر به في معصية الله

فاتقوا الله عباد الله وتخلقوا بصفة الأمانة ونشئوا أولادكم على هذه الفضيلة ليشبوا وهم رجال لهم خلقهم الرفيع وبذلك يكتب الله لنا السعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم اجعلنا من القائمين بالأمانة على الوجه الذي يرضيك عنا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

اللهم طهر بلاد المسلمين من دنس الرافضة و احفظ لنا ولى أمرنا و جنودنا على حدودنا.

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1435-1-8

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 6 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة