أهمية الأمانة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 19 ربيع الأول 1437هـ | عدد الزيارات: 1887 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله، سيّد الأمناء أجمعين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين

أمّا بعد عباد الله

اتقوا الله واعلموا أن المحافظة على حقوق الله وحقوق العباد تتطلب خُلقاً لا يتغير بتغيَّر الأيام فهو جوهر الأمانة ولذا كان -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة يُلقَّبُ بين قومه بالصادق الأمين وشُوهدت مخايلُ الأمانة والعفة على موسى -عليه السلام- حين سقى للبنتين قال تعالى قالت إحداهما يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ.القصص:26، والأمانة في نظر الشرع واسعة الدلالة، لمعانٍ كثيرة فهي بإيجاز شعور المرء بمسئوليته في كلِّ ما يُوكل إليه

ونحن نحتاج للتذكير بالأمانة كثيراً؛ لأن فقدها سببٌ لوقوع المصائب وتعاظم الأضرار التي تتكرر هنا وهناك فحين تفقد الأمانة في أمة فإنها تتعرض للعبث، والأخذ بمبدأ الأَمَانَةِ حل للمشكلات؛ وَخِيَانَةُ الأَمَانَةِ سَبَبٌ لبعض الفَسَادٍ

عِبَادَ اَللهِ

أمرنَا الله بِحِفظِ الأمانة وَرِعَايَتِهَا وَالقَيَامِ بِهَا وَأَدَائِهَا إِلى أَصحَابِهَا وَهي مِن صِفَاتِ المؤُمنينَ قال تعالى"وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ"المؤمنون:8

والأَمَانَةُ سِرُّ سَعَادَة الأُمَمِ وهيَ شعورُ المرءِ بِمسئوليَتِهِ فِي كُلِّ أَمرٍ يُوكلُ إِليهِ وبعضهم يقصر معناها على حفظ الودائع والأموال فقط، وحقيقتُها في دين الله أضخم وأجل فهي واجبة يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها، عند السفر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا وَدَّعَ أَحَدًا قَالَ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك.صححه الألباني وابن حجر.

وعن أنس -رضي الله عنه- قال ما خطبنا -صلى الله عليه وسلم- إلا قال "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"صحيح الترغيب للألباني، بل كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ من ضياعها فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة " رواه أبو داود وصححه الألباني.

ومن معاني الأمانة وضع الشيء في المكان الجدير به واللائق له، فالمنصب لصاحبهِ الحقيقِ بِهِ، الكُفء له

يقول أبو ذرٍ -رضي الله عنه- قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال فضربَ يَده على منكبي، ثم قَالَ "يا أَبا ذَرٍ إِنكَ ضَعيفٌ، وَإِنَهَا أَمَانة، وَإِنَهَا يَومَ القَيامِةِ خِزيٌ ونَدامةٌ، إِلا مَن أَخذَهَا بِحَقِهَا وَأَدى الذي عَليهِ فِيهَا" رواه مسلم

تأمل يوسف الصَديق -عليه السلام- حين طلب المنصب، لم يذكر نبوته وتقواهُ، ولم يذكر نسبه الذي يرجع فيه إلى إبراهيم -عليه السلام- بَلَ طَلبه بإدارته وأمانته قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. يوسف 55

فالأَمَانة تَعني أَن نَختَار للأَعمَالِ أَحسنَ النَاسِ قِيَامًا بِهَا فِإذَا مِلنا عنه إِلى غَيرهِ لِهوىً أَو لرَشوةٍ أَو لقرابة، فقد ارتكبنا بتنحية القادر وتولية العاجز خيانةً فَادِحَةً

والأمةُ التي لا أَمَانَةَ فِيهَا هِي َمن تَعبثُ فِيهَا الشفَاعَاتُ بِالمصَالِحِ وَتَطيشُ بأَقدَارِ الرِجَالِ الأَكفَاءِ لتُهمَلهم، وتُقدِّم من دونَهم عليهم وَقد يَتَسَبَبُ ذَلكَ بِالفِتَنِ والفساد الذي إذا وقع عم الضرر به.

عباد الله؛

من الأمانةُ حرصُ المرءِ على أَداءِ العَملِ المنوطِ بِهِ بإحسان فيَسهرُ على حقوقِ النَاسِ التي وُضِعَت بَينَ يَديهِ بإنجاز عمله وعدم التخلف عنه أما استِهَانةُ الفردِ بِمَا كُلِّفَ به وتعطيل المعاملات فهو من الفَسَادِ

وَمَن وَلي مِن أَمرِ المسلمينَ شَيئَاً فَهو أَمينٌ عَليهِ صغرت تلك المسؤولية أم كبرت هو أمين عليه يَجِبُ أَن يُؤَّدي الأَمانةَ فيهِ، فَالقَاضِاة أَمناء، والأمراء أمناء، وَأَئِمَةُ المسَاجِدِ أُمَنَاء فِي أَقوَالِهِم وأفعَالِهم، يَجِبُ على هؤلاء جميعاً وغيرهم أَن يَتَصَرَّفوا في أعمالهم بِالتي هِيَ أَحسن حَسبمَا يَستَطِيعُونَ قال عليه الصلاة والسلام " لِكُلِّ غَادِرٍ لِواء يُرفعُ لَهُ بِقدرِ غَدرتِهِ يوم القيامة، أَلا وَلا غَادِرَ أَعظم مِن أَمير عامة " رواه البخاري

يقول حذيفة -رضي الله عنه- "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الأمانة نزلت في جذور قلوب الرجال ثم حدّثنا عليه الصلاة السلام عن رفع الأمانة وكيف ترفع في آخر الزمان فقال ينامُ الرجلُ النومةَ فتقبضُ الأمانةُ من قلبه فيظلُّ أثرها مثل الوكت، ثم ينامُ الرجلُ النومةَ فتقبضُ الأمانةُ من قلبه فيظلُّ أثرُها مثل أثرَ المجْل، أي أقلَّ فيصبحُ الناسُ يتبايعون لا يكادُ أحدٌ يؤدِّي الأمانة، حتى يقال إن في بني فلان رجلاً أميناً، وحتى يقال للرجل ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله!وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان " متفق عليه

هذه أهمية الأمانة التي حملها الإنسان فلنهتم باختيار الأمناء على الدين والأخلاق

جاء أعرابيٌّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال متى الساعة؟ فمضى عليه الصلاة والسلام يحدِّثُ فقال بعضُ القوم سمعَ ما قال، فكره ما قال، وقال بعضُهم بل لم يسمعْ، حتى إذا قضى حديثه، قال "أين السائلُ عن الساعة؟" قال ها أنا يا رسول الله قال "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قال، كيف إضاعتها؟ قال "إذا وُسِدَ الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة" رواه البخاري

فالمحافظة على حقوق الله وحقوق العباد تتطلب خُلُقا لا يتغير بتغير الأيام، ونظاماً يعاقب المخطئ ولا يحابي وذلك هو جوهر الأمانة وما يُحافَظُ عليه ويجعله شعاراً لمن يريده وهذا ما يؤكد عليه ولاة أمرنا دوماً

عباد الله من معاني الأمانة أن نحسن في نعم الله التي بين أيدينا من أولادٍ وأموال انظروا حين قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، جاء بعدها وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ.الأنفال:27- 28

ومن معانيها أن تُحفظ حقوق المجالس والبيوت فلا تُفشى أسرارها وتسرد أخبارها فكم من حبالٍ للقرابات تقطعت ومصالح تعطلت للتهاون بأمانة المجلس، اللهم أصلح قلوبنا وزكّ أعمالنا وارزقَنا الصدقَ والأمانةَ وطهرنا من الكذبِ والخيانةِ.

هذا ، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده و بعد

عباد الله

إن معايير الأمانة في هذا الزمن قلّت وتقلّبت وتغيّرت عند البعض حتى إن البعض منهم يستغربها إذا رآها تُطبق فصار الاعتداء على المال العام والنيل منه ذكاءً وبطولة إلا من عصم الله وأصبحت الرشوة عند ضعاف النفوس سائدة وأصبح الخروج أثناء الدوام أو الانشغال عن معاملات الناس وممارسة عدم الإنجاز لا مبالاة عند البعض، وأصبح الكذب ومخالفة النظام رجولة إلا من عصم الله

اللهم وفقنا لأداء الأمانة على الوجه الذي يرضيك عنا واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين وأن يحفظ بلادنا من مكر الرافضة وسائر بلاد المسلمين كما نسأله أن يحفظ لنا ولي أمرنا وجنودنا على حدودنا .

وصل الله على نبينا محمد

1437-3-19هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي