الصلاة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 13 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 1858 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله سبحت الكائنات بحمده وعنت الوجوه لعظمته ومجده وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الصلاة على المؤمنين كتاباً موقوتاً وأشهد أن محمداً رسول الله الذي جعلت قرة عينه في الصلاة اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين

أما بعد

عباد الله: إن الصلاة سكينة للنفس وطهارة للروح ومظهر للعلاقة الحقيقية بين المخلوق والخالق والضعيف والقوي والفقير والغني فالناس يكونون في أصدق أحوالهم وأزكى أوقاتهم عندما يقفون خشوعاً بين يدي ربهم الكبير يؤدون حقه ويطلبون هداه ويبدون خضوعهم المطلق له وحاجتهم الدائمة إليه سبحانه، المؤمنون مكلفون في الغدو والآصال ومن قبل طلوع الشمس وبعد غروبها أن يترددوا على الله العظيم يتلون كتابه وقوفاً ويسبحون بحمده ركعاً وسجوداً ويحيون ويسلمون على نبيه جلوساً وهم في هذه الأعمال المباركة يشعرون بما ينبغي لله من طاعة وتوقير وما يجب أن تكون عليه نفوسهم من طهر وصفاء فإن للصلاة في الإسلام منزلة لا تعدلها منزلة فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به قال الرسول صلى الله عليه وسلم "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" رواه الطبراني، وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات وتولى إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج من غير واسطة قال أنس عُرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين ثم خففت حتى جعلت خمساً ثم نُودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين.رواه الترمذي وصححه الألباني وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله. رواه الطبراني وصححه الألباني.، وهي آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقته الدنيا جعل يقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم"صححه الألباني والأرناؤوط. وهي آخر ما يفقد من الدين فإن ضاعت ضاع الدين كله قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لتُنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة "رواه ابن جبان وصححه الأرناؤوط والمتتبع لآيات القرآن الكريم يرى أن الله يذكر الصلاة ويقرنها بالذكر تارة "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر"العنكبوت:45 ، "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى"الأعلى:14، "وأقم الصلاة لذكري"طه:20 وقد يقرنها بالزكاة "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة"البقرة:43 ومرة بالصبر "واستعينوا بالصبر والصلاة"البقرة:45 ومرة بالنسك "فصل لربك وانحر"الكوثر:2 ، "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"الأنعام:162 وأحياناً يُفتتح أعمال البر ويختتم بها كما في سورة المعارج "إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون "المعارج:19-23 لذا فإن الصلاة واجبة على المسلم ما دامت روحه في جسده فلا يجوز أن يتكاسل عنها أو يفرط فيها فالمريض يتيمم إن لم يستطع الوضوء ويصلي قاعداً أو بالإيماء إن كان مستلقياً على فراشه والمقاتلون في ميادين الجهاد مكلفون كذلك لا يجوز أن ينشغلوا عنها ولا أن يضيعوا أوقاتها وقد رخص الشارع الحكيم في قصرها وأجاز في حالة الحرب القيام بأنواع الحركات خلالها قال تعالى "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون"البقرة:239 وإنما كانت عناية الإسلام بالصلاة على هذا النحو لما تضمنته من الأسرار النفسية والحكم الخلقية والاجتماعية وبتتبع النصوص الواردة في الكتاب والسنة يمكن معرفة هذه الحكم والأسرار يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يناجي ربه"رواه البخاري. والمناجاة هي مخاطبة الله مباشرة وهي تُشعر المرء بوجود الله وجوداً حقيقياً وأنه قريب منه يسمع دعاءه ويلبي نداءه ويستجيب له وإذا واظب المصلي على هذه المناجاة خمس مراة في اليوم والليلة تيقظت قواه الروحية وأحس أن الله يمده بالقوة والعون وأنه سبحانه معه لا يتخلى عنه فتقوى عزيمته وتشتد إرادته ويمضي إلى عنايته دون تردد أو ضعف مهما اعترضته الصعاب والعقاب وإذا ظفر بمطلوبه وبلغ الذروة من الفوز والنجاح فإن ذلك لا يؤثر فيه ويداخله الغرور ولو قدر أنه لم يبلغ ما يريد فإنه لا يحزن ولا ييأس بل يعيد المحاولة من جديد واثقاً بالله ومتوكلاً عليه ومن جانب آخر فإن الصلاة انتزاع النفس من ماديات الحياة وآلامها وتوجيه لها إلى الله بالذكر والدعاء والضراعة والخضوع لكبرياءه وعظمته وهذا من شأنه أن يفضي على النفس السكينة والرضا ويجعلها تشعر بفيض من السعادة فتتجدد قواها ويحفزها ذلك على العمل الجاد والأمل في وجه الله الكريم ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوا بلالاً ليؤذن بالصلاة حين يشتد عليه الأمر فيقول "أرحنا بالصلاة يا بلال"رواه أحمد وصححه الأرناؤوط وكان يقول "إنما جعلت قرة عيني في الصلاة"صححه الأرناؤوط. والإنسان لا يصل إلى القرب من الله ولا يسعد برضاه إلا إذا تطهر من أدران الشرك والذنوب يقول الله تعالى "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى"الأعلى:14 والصلاة هي الوسيلة لهذا التطهر لأن المواظبة عليها تربي في المصلي القلب الحي الذي يبعث على الخير ويحض عليه ويمنع من الشر ويحذر منه ثم إن الله سبحانه أوجب صلاة الجماعة وأوجب صلاة الجمعة كل أِسبوع فاجتماع أهل الحي في اليوم خمس مرات مع اجتماعهم يوم الجمعة اجتماعاً أوسع مدى كل هذا يقوي الروابط الاجتماعية ويشد أواصر الصلاة بين المجتمع ويشعر كل واحد بأنه أخ لكل من في المسجد وأنه مساو له فتنموا روح المساواة الحقيقية فلا فرق بين غني ولا فقير ولا بين عظيم وحقير إلا بتقوى الله فكلهم عباد الله وبهذه الممارسة العملية للمساواة تنتفي فوارق اللون وفوارق الثراء وفوارق الدم فيشعر الفرد شعوراً حقيقياً بأنه للجماعة وتشعر الجماعة بأنها للفرد وهذه الغاية هي أسمى الغايات التي يجهد العلماء والحكماء والمربون في تحقيقها وإيجادها ليعم البشرية الأمن والسلام ولكنهم عجزوا وتعبوا ولم يصلوا إلى نتيجة ويلاحظ أن هذه الحكم لا يمكن أن تتحقق إلا إذا أقبل المصلي على صلاته وأفعالها وهذا هو المعبر عنه بالخشوع في قوله "قد أفح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون"المؤمنون:1-2. فإذا تجردت الصلاة من هذا الوعي قلة الثمرة بل عُدمت الجدوى فيجب أن نحافظ على صلاتنا لكي تنفعنا في دنيانا وآخرتنا:واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد

عباد الله: فإنا مما نشاهده في بعض الناس الذين تسموا بالإسلام ولم يطبقوه تهاون كثير منهم بالصلاة وتأخيرهم لها عن وقتها وتخلفهم عن جماعتها مع أنهم يتمتعون بالصحة والعافية والعقل والسمع والبصر والعلم والمعرفة والأمن والاستقرار ورغد العيش وهذه نعم عظيمه تحتاج إلى شكر المنعم عليها بطاعته وترك معصيته ومن أعظم الواجبات الصلاة ومن أعظم المعاصي تركها وهي عماد الدين وشعار المسلم والفارقة بين الإسلام والكفر فاتقوا الله أيها المسلمون وأدوا صلاتكم في جماعة فإن أداءها في جماعة بجانب كونها طاعة ورضً لله فهي عمارة لبيوت الله التي أمر أن ترفع ويذكر فيها اسمه وإظهار لشعيرة إسلامية عظمى شعيرة بها يتفقد المسلمون المريض فيزورونه ويعرفون المنافق بتخلفه فيحذرونه فيتجدد بها تعارفهم وولائهم بلقاءهم في بيت الله وعلى بساط طاعة الله سبحانه بها يصان المسلم من أمر يتردى في مهاوي الضلال أو أن يستحوذ عليه الشيطان

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56 وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المجاهدين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم فك أسر المأسورين من الفلسطينيين من سجون الإحتلال وغيرهم واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم احفظ لنا ولي أمرنا ومتعه بالصحة والعافية واحفظ جنودنا على حدودنا

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون العنكبوت:45

1434-10-12

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية