الطلاق

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 13 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 1929 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله "الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً" النساء (1) ، أبدع ما خلقه وأحكم ما شرعه وأعطى كل نفس هداها، نحمده حمدا كثيرا لا يتناهى ونشكره على نعم تفضل بها وأعطاها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل البرية وأزكاها صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما

أما بعد

أيها الناس: اتقو الله تعالى واعلموا أن الله سبحانه فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها، فاعرفوا حدود الله وأحكامه واعملوا بما تقتضيه شريعته الكاملة، ألا وإن مما أحكمه الله شرعا وتنظيما ذلك النكاح الذي جعله الله صلة بين بني آدم وسببا للقربى بينهم، ورتب لعقده وفسخه أحكاما معلومة وحدودا معروفة فهو عقد عظيم خطير يترتب عليه من أحكام الله شيء كثير، يترتب عليه النسب والإرث والمحرمية والنفقات وغيرها فمن ثم اعتنى الشارع به اعتناء عظيما بالغا، فجعل له شروطا وحرمات ونحن نذكر هنا شيئا من ذلك فمن شروط عقد النكاح أن يكون بولي بالغ عاقل يعرف الكفؤ من الناس ومصالح النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني. فالمرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها لا بطريق الأصالة ولا بطريق الوكالة، والولي هو العاصب، وأحق الناس بالولاية أقربهم، ولا ولاية لمن يدلي بالأم فقط كأبي الأم والخال والأخ من الأم لأن الولاية في النكاح للعصبة فقط، ويجب على الولي أن يتقي الله تعالى وأن يراعي مصلحة المرأة ويزوجها من هو كفؤ لها دينا وخلقا إذا رضيته، ولا يحل له أن يمنعها من الكفؤ فإن فعل فقد عصى الله ورسوله وسقطت ولايته عليها ويزوجها غيره من أوليائها ومن شروط عقد النكاح رضا المرأة إذا كانت بالغة، فلا يجوز أن تزوج المرأة بغير رضاها سواء كانت بكرا أم ثيبا وسواء كان الذي يريد أن يزوجها أباها أو غيره لحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تنكح البكر حتى تستأذن" رواه البخاري ، وفي رواية لمسلم "والبكر يستأمرها أبوها" فلابد من رضا المرأة بكرا كانت أم ثيبا ولكن لو فرضنا أنها رغبت الزواج بشخص لا يرضى دينه فإنه يجب أن تمنع منه ومن شروط النكاح أن تكون الزوجة والزوج خاليين من الموانع، فلا يصح النكاح في حال يحرم العقد فيها، فلا يصح من المُحرم بحج أو عمرة ولا على المُحرمة بحج أو عمرة، ولا يصح النكاح والمرأة في عدة من غيره ولا يجوز للرجل أن يخطب المرأة المعتدة من غيره ومن شروط النكاح حضور شاهدين عدلين ومن اهتمام الشارع بعقد النكاح أن رتب للخروج منه حدودا لا بد منها، فإذا أراد الرجل طلاق امرأته فليصبر وليتأن لعل الله أن يغير الأحوال، وربما غير البغض محبة لأن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء "فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" النساء (19) ، إذا كان لا بد من الطلاق فليطلقها على الوجه الشرعي، وهو أن يطلقها طلقة واحدة وهي حامل أو في طهر لم يجامعها فيه، ولا يحل له أن يطلقها وهي حائض ولا في طهر جامعها فيه إلا أن يتبين حملها، فإن طلقها وهي حائض فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر وهو في ذلك لا يجامعها ثم ليطلقها بعد ذلك إن شاء ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وهي حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَتَغَيَّظَ فيه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ قالَ "لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فإنْ بَدَا له أنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ العِدَّةُ كما أمَرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ"

ورأي اللجنة الدائمة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه إذا قال أنت طالق بالثلاث تعتبر واحدة وإذا قال أنت طالق طالق طالق فإن كانت نيته تأكيد الأولى فتعتبر واحدة وإن كانت نيته إيقاع الثلاث فتعتبر ثلاث وعندئذٍ لا يحل له الرجوع إليها إلا إذا تزوجت من زوج آخر زواج رغبة واقعها فيه ثم طلقها فله أن يتزوجها بعقد ومهر جديدين بعد إنتهاء عدتها من الأول

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً

أما بعد

عباد الله: اتقوا الله تعالى واحذروا من الحمق في الطلاق فلا تطلقوا أكثر من واحدة

فإذا أراد أحدكم الطلاق في الحال التي يجوز فيها فليطلق مرة واحدة لا أكثر ليكون في ذلك توسيع على نفسه إذا أراد أن يراجع، ولأن ما زاد على الطلقة الواحدة فهو طلاق بدعة ومحرم، وأنت إذا طلقتها واحدة فماذا تخاف؟ أتخاف أن ترجع عليك؟ إنها لن ترجع عليك إلا باختيارك

وإذا أراد أحدكم الطلاق فليشهد رجلين على طلاقه، وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا له فيه رجعة فإنه يجب أن تبقى المرأة في بيته حتى تنتهي عدتها ولها أن تتزين له وأن تكلمه وأن لا تحتجب عنه لأنها في حكم الزوجات قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا" الطلاق (1) واحذروا يا عباد الله من التساهل بالطلاق احذروا من القسم بالطلاق فهذا امتهان للمرأة اجعلوا لفظ الطلاق عظيم في نفوسكم وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" الأحزاب (56) وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا" رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المظلومين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين ووفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت (45)

1434-10-12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي