أحكام الطلاق

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 24 ربيع الثاني 1438هـ | عدد الزيارات: 2555 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله، شرع فأحكم، وهو العليم الخبير، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا معقب لحكمه وإليه المصير، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أنار السبيل، وأوضح الطريق، وهدى إلى النهج القويم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين

أما بعد، عباد الله

في أحضان الأسرة المتماسكة الملتزمة بأحكام الله تنمو الخلال الطيبة، وتنشأ الخصال الكريمة، ويعيش الصبية الصالحون حيث تفشو المودة، وتنتشر الرحمة في جنبات هذا البيت الكريم، متمثلاً فيه قول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم:21

إن المودة والألفة هي قوام الأسرة، وإن أجلى مظاهرها وأوضح أسبابها حسن العشرة، ولزوم الطاعة، والتواصي بين الزوجين بالخير، وجميل الخلق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيركم خيركم لنسائهم " رواه الترمذي وحسنه الألباني ، وقال صلى الله عليه وسلم " المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ " رواه أحمد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وحسنه الألباني

إن تخلخل الأسرة وضعف تماسكها، ليس فساداً للأسرة وحدها، أو شقاءً لأفرادها فقط، ولكنه فسادٌ للأمة كلها، ودمارٌ للبشرية جميعها، بل كم من حضارةٍ هوت لانهيار كيان الأسرة فيها، واختلاط الحلال بالحرام في نظامها، وانتشار الفساد في أخلاقها، ومن هنا فإن الشيطان لا يحرص على شيء حرصه على تفريق الأسرة، والدخول بين الرجل وأهله ليفتت لبنة المجتمع، ويمزق أصول الأمة، جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته؛ فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت، فيلتزمه " رواه مسلم . ومعنى يلتزمه أي: يضمه إليه ابتهاجاً بما صنع

إن من أعظم أسباب الفتن وتفكك الأسر: التعجل في أمر الطلاق

إن كثيراً من المسلمين يظلمون أهلهم لجهلهم بأحكام دينهم، الطلاق في غير محله تعدٍ لحدود الله وتجاوز لسننه، ونفور عن مواطن الألفة والمودة والرحمة، وبعدٌ عن مسالك الصلاح، ففي حديث ثوبان رضي الله عنه: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبو داود وصححه الألباني. إن الطلاق أيها المسلمون فصلٌ لعرى الزوجية التي تمت بكلمة الله، وقامت على أمانة الله، يقول عليه الصلاة والسلام وقد أخبر عن رجلٍ تجاوز الحد في الطلاق: (ما بال أحدكم يلعب بحدود الله، يقول: قد طلقت قد راجعت؟! أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟! حتى قام رجلٌ من القوم فقال: يا رسول الله! ألا أقتله؟ ) أخرجه النسائي وصححه ابن حبان

أيها الأزواج لقد جاء الإسلام بمناهج وطرقٍ للحفاظ على الترابط، وعلى ضبط النفس، لو فقهها الناس وساروا عليها وألزموا بها أنفسهم، لقلت المشكلات الأسرية، ولضاقت مسالك الطلاق والشقاق، واستقرت الحياة الزوجية، وتماسكت أركان البيوت

أيها الإخوة: إن الإسلام يضيق مسالك الطلاق، رغم أن الطلاق في الإسلام علاجٌ ودواء، والدواء لا يؤدي غرضه إلا إذا استعمل بطريقٍ صحيح، وإن مما يُؤسف له كل الأسف أن تلحظ بعض الحمقى ينظرون إلى الطلاق كأنه عقوبة أو سيفٌ مصلت يهدد به هذا الأحمق زوجته وأم أولاده، يهدد بالطلاق، أو يتلفظ به في أمور صغيرة وأشياء حقيرة، إما لأنها لم تنجز طعاماً، وإما لأنها لم تهيئ لباساً، أو تراه يدخل الطلاق في منازعاته وخصوماته مع الناس، فيجتمع عليه شقاء الدنيا، وإثم الآخرة، لم يجعل للصلح أو للرجعة موضعاً، أغضب ربه، وظلم نفسه، وخسر أهله، وفرق شمله، وشمت به الحاسدون

عباد الله: إذا كره الرجل من زوجته أمراً أو خلقا، وتعذر عليه إصلاحه ومعالجته، واشتد بينهم الشقاق والنزاع، وخشي كل واحد منهما أن يظلم صاحبه، أو يقصر في حقوقه إذا حصل ما يشوش البال، أو يكدر الحال، فحينئذ يكون النظر في جدوى الطلاق

إن على الزوج الذي بيده العصمة -وهو الحليم الحكيم العاقل- ألا يقدم على هذا الأمر الخطير الذي يعلم أنه يترتب عليه مصيره في نفسه، ومصير أهله، ومصير أولاده إن كان بينهما أولادعليه بالتروي والصبر ومشاورة الناصحين الأخيار من أهل الدين والعقل والصلاح حتى لا يتفرق الشمل، ولا يتشتت الأهل، ولا يضطرب حال الأولاد، ثم بعد هذا التفكير الطويل والاستشارات الحصيفة؛ إذا تحتم الطلاق سبيلاً لحل المشكلة، فلا بد من مراعاة الأحكام الشرعية، إن المباح في ذلك أن يطلق طلقة واحدة في طهرٍ لم يحصل فيه وَطء، هذا هو طلاق السنة، فلا يطلق ثلاثاً، ولا يطلق حائضاً، ولا يطلق في طهر حصل فيه وَطء إلا أن يتبين حمل، فإذا حصل الطلاق على الصفة الشرعية، فإن المرأة تبقى في بيت الزوجية ولا تُخرج منه، فهو لا زال بيتها، ولا يجوز للرجل أن يخرجها

إن الجهال من الأزواج والزوجات حين تصدر كلمة الطلاق، تفارق المرأة البيت، ولو لم تخرج، لأخرجها هذا الأحمق، أين هذا من قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)الطلاق:1. إنها تبقى في بيتها، فالمسألة معالجة ومداواة، وليست عقوبة ولا انتقاماً ولا تشفياً: (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق 1

فالطلاق في الحيض معصية لله ولرسوله، وهو طلاقٌ بدعيٌّ محرم ولكنه يقع ، والطلاق بالثلاث طلاقٌ بدعيٌّ محرم لا يجوز تعاطيه، وهو تلاعبٌ بكتاب الله، لكنه يقع طلقة واحدة

كما لا يحل إيقاع الطلاق في طهرٍ حصل فيه وَطء، والطلاق في هذا يقع مع الإثم ، ومن طلق مكرهاً أو في شدة غضب قد أغلق عليه ، أو طلق بنية المنع من الفعل فلا يقع الطلاق .

فاتقوا الله أيها المسلمون، وتفقهوا في دينكم، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، واحذروا الظلم وتعدي حدود الله: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)البقرة:229.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله التوفيق والهداية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنين، وقوموا بحقوق الله عليكم في أنفسكم وأهليكم، ولا تنسوا الفضل بينكم، واعلموا أن من آداب الطلاق بعد وقوعه أن يتلطف المطلق في الأمر؛ فيعطي المرأة ما تتمتع به من أنواع المال، لتحصل المواساة، وينجبر الفاجع

ومن الآداب أن يمتع الرجل زوجته إذا طلقها متاعاً حسناً

روي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه طلق امرأة فبعث إليها بعشرة آلاف درهم فقالت : متاع قليل من حبيب مفارق .

ولا يجوز لأحد الزوجين أن يفشي سر الآخر، كما في الحديث الصحيح عند مسلم رحمه الله وغيره:" إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثم ينشر سرها " رواه مسلم

ونقل عن بعض الصالحين أنه أراد تطليق امرأته، فقيل له: ما يريبك منها ؟ فقال : العاقل لا يهتك سراً فلما طلقها، قيل له: لم طلقتها ؟ فقال: ما لي ولامرأة غيري

فاتقوا الله أيها المسلمون، والتزموا بآداب دينكم وحافظوا على بيوتكم، فإما إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان

هذا وصلوا وسلموا على المصطفى المختار محمد بن عبد الله سيد الأبرار؛ فقد أمركم بذلك ربكم فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب:56

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد نبي الرحمة والهدى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الرحمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، وأيد بالحق إمام المسلمين، وارزقه البطانة الصالحة، ووفقه لما تحب وترضى يا رب العالمين، اللهم اخذل اليهود والنصارى ومن شايعهم وسائر الكفرة والملحدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قديراللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك في حدنا الجنوبي وفي غيره، اللهم أيدهم بتأييدك، وانصرهم بنصرك، واجعل الدائرة على أعدائهم من الرافضة وغيرهم يا قوي يا عزيزربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين عباد الله: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " النحل 90 ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، " ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " العنكبوت 45

1438-04-24 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي