الخيانة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 21 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1560 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصل اللهم عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.آل عمران:102.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. النساء:1.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.الأحزاب:70-71.

عباد الله .... إن الخيانة من أخلاق اليهود المتأصلة فيهم، قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم) المائدة:13. فمن خياناتهم محاولتهم اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم وقد كان بينه وبينهم عهد وأمان ومن خياناتهم تواطؤهم مع الأحزاب وقد كان بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم عهد وأمان، كما كان فرعون وقومه مثالاً لإخلاف الوعود، حيث عاهدوا موسى عليه السلام إن كشف الله عنهم الرجز ليرسلن معه بني إسرائيل، فكشف الله عنهم الرجز، فأخلفوا عهدهم، قال الله تعالى حاكياً عنهم (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل * فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون * فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين)الأعراف:134-136. فكان هذا الإغراق نتيجة لإفسادهم، إن الْخِيَانَةُ صِفَة لَا يَتَّصِفُ بِهِا إِلَّا أَحْقَرُ النَّاسِ وَأَضْعَفُهُمْ وَأَذَلُّهُمْ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ مُوَاجَهَةِ خُصُومِهِ خانهم، وَطَعَنَهُمْ مِنَ الْخَلْفِ، كَمَا هُوَ فِعْلُ الْمُنَافِقِينَ عَبْرَ الْأَزْمَانِ

قال صلى الله عليه وسلم (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذا خاصم فجر)رواه البخاري.

ومما يدل على شؤم الخيانة وسوء عاقبتها أن الله تعالى يفضح صاحبها على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يُرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان)رواه مسلم. فتكون عقوبته في ذلك الموقف العظيم التشهير بخيانته ونشر فضيحته أمام أهل الموقف، حتى يُعرف بذلك ويُذم بينهم

إِنَّ أوجَزَ رسالةٍ لكلِّ خائنٍ تَقُولُ (الجزاءُ مِنْ جنسِ العَمَلِ)، وفِي التاريخِ عِبرةٌ لِمَنْ يَعْتَبِرُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ (مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ في الدنيا مَعَ مَا يَدَّخِرُه لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَالْخِيَانَةِ، وَالْكَذِبِ... وَإِنَّ أَعْجَلَ الطاعة ثَوَابًا لَصِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَكُونُوا فجرة فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا) رواه أبو داود وصححه الألباني .

وأمر الله بالتعامل مع من يتوقع منه الخيانة فيعلن أن عهده منبوذ ومطروح ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) الأنفال:58.

عباد الله ... الخيانة أمر مذموم في شريعة الله، تنكرها الفطرة

وحين زكَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب القرون الثلاثة الأولى بيَّن ما يقع بعدهم من انتشار الخيانة فقال (ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمون) رواه مسلم.

وقد دل التاريخ القديم والمعاصر على كثرة خيانة الكفار للمؤمنين، فكثيراً ما يُؤَمنونهم ثم يخونونهم، وجميع طوائف اليهود في المدينة خانت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تفِ واحدة منها بعهدها مع المؤمنين، فكانت عاقبة خيانتهم القتل والجلاء عن المدينة؛ عقوبة من الله تعالى لهم على خيانتهم

نسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين من شر الخونة، وأن يهتك سترهم، ويظهر أمرهم على أعقابهم خاسرين، إنه سميع مجيب

جعلني الله وإياكم من أهل الأمانة المؤدين لها المحافظين عليها، هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

أَمَّا بَعْدُ

اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى حق التقوى، فإن تقوى الله تعالى تجلب لكم الخيرات وتدفع عنكم الشرور والسيئات، وتحصلون بها سعادة الدنيا وفوز الآخرة (إن للمتقين مفازاً)النبأ:31.

واعلموا أنه حِينَ تَنْحَرِفُ بَعْضُ النُّفُوسِ عَنْ هُدَى مَوْلَاهَا، وَتَعْمَى عَنِ الْحَقِّ بَصَائِرُهَا، يَسْتَمِيتُ أَصْحَابُهَا فِي نَشْرِ بَاطِلِهِمْ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْكَذِبَ وَالْخِيَانَةَ وَنَقْضَ الْعَهْدِ، فكانت الطائفة الْبَاطِنِيَّةُ الرافضية من أَكْثَرُ الْأُمَمِ خيانة بِالْمُسْلِمِينَ، حيث سَقَطَتْ دَوْلَةُ الْعَبَّاسِيِّينَ بِخِيَانَةِ الرَّافِضِيِّ الْبَاطِنِيِّ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ

وخان الْحُوثِيُّونَ الرافضة بِالشَّعْبِ الْيَمَنِيِّ المظلوم، وَانْقَلَبُوا عَلَى حُكُومَتِهِ، وَارْتَكَبُوا الْمَجَازِرَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ، من تصفية واعتقال وتهجير قسري واتخاذ الأسرى والأطفال دروعاً بشرية، وسلب أموالهم، وإيردات الدولة لمصلحتهم مع حاجة الناس إلى الرعاية الصحية والخدمات، وإذا أَحَس هؤلاء بِالضَّعْفِ وَالْهَزِيمَةِ عَاهَدُوا .. فَهُمْ لَا يُعَاهِدُونَ إِلَّا لِيَسْتَقْوُوا ثُمَّ يَنْقُضُونَ مَا عَاهَدُوا.. فالمتتبع لتاريخهم يجد أن لهم سجلاً مخزياً من نقض الاتفاقات .. فلا يفون بعهد، ولا عقد، لأنهم كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم، حيث يرون أن توقيع الاتفاقات ما هي إلا إحدى وسائلهم للتوسع والسيطرة والتقاط الأنفاس في كل حروبهم

عباد الله .. صلوا وسلموا على الهادي النذير والسراج المنير، كما أمركم بذلك ربكم في محكم التنزيل في قوله عز وجل من قائل عليم: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً)الأحزاب:56. اللهم صلِّ على محمد وعلى آله محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنَّا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين ... اللهم يا قوي يا عزيز يامن لا يهزم جنده ولا يذل سلطانه ولا يقهر أولياؤه عليك بالحوثيين الرافضة المعتدين

اللهم إنهم حاربوا دينك وصحابتك وآذوا نبيك واعتدوا وطغوا وبغوا وسفكوا وسلبوا ونهبوا ودمروا المساجد وروعوا الآمنين وشردوا عبادك في اليمن من بيوتهم وأهلكوا الزرع والحرث وأظهروا في الأرض الفساد وحاصروا وأرهبوا وقتلوا الأبرياء والعلماء والأولياء والصالحين من عبادك

اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونَكَ اللهم اهْزِمْهُمْ يا هازمَ الأحزابِ.. واجعلْ عُدَّتَهُم وعَتَادَهُم غنيمةً للمؤمنينَ، اللهم أرِنَا فيهم عجائبَ قدرَتِكَ، وعظيمَ عقوبَتِكَ، إنك على كل شيء قدير، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضاه، وأيده بتأييدك، وانصر به دينك

اللهم إنا نسألك الأمن في بلادنا وبلاد المسلمين، اللهم من أراد هذا البلد وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره اللهم اجعل هذه البلاد عزيزة بشرعك وتوحيدك، قائمة بنصرة نبيك، وقرآنك، اللهم احفظ رجال أمننا المرابطين في الحدود والثغور والمجاهدين في سبيل الله، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، وفك أسراهم واحقن دماءهم، يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا إنك يا ربنا سميع قريب مجيب الدعوات، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201.

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عنه الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.النحل:90.، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعهم يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1438-07-20 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي