الحياء

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 26 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 1993 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله المتفضل على من أراد به خيراً بخلق الحياء ومن أراد أن يهلكه نزع منه الحياء فإذا نزع منه لم تلقه إلا بغيضاً مبغضاً، أحمده وأشكره وأسأله أن يجعلنا من عباده الذين يستحون منه حق الحياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى الفضائل والأخلاق الفضيلة الكريمة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد؛

عباد الله: إن الإسلام دين السعادة والطمأنينة والأخلاق العالية التي طالما تعطشت الدنيا لها إنه دين الأخلاق الحسنة التي دعا إليها المرسلون جميعاً فمن هذه الأخلاق خلق الحياء فهو شعبة عظيمة من شعب الإيمان فإن النفس إذا تجردت من الحياء فقد تعرت عن كل فضيلة ومرؤة فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ، إذا لَمْ تَسْتَحْيِ فافْعَلْ ما شِئْتَ."(صحيح البخاري). هكذا قال أنبياء الله جميعاً وقد ورثه الناس عنهم وتناقلوه فيما بينهم قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل قولاً مؤثراً وحكمة صادقة

والحياء انقباض النفس عن القبائح واشمئزازها عن فعل ما يعاب أو يذم وهو دليل صادق على حياة الضمير وصدق الحس ومن جعل الحياء خلقه منعه وحماه من ارتكاب السوء ومخالطة الدنايا لأن اشمئزاز النفس عن القبائح يستلزم تركها والانصراف عنها وهو بهذا المعنى من أفضل صفات النفس وأجلها قدراً ومن رزق خلق الحياء فقد أعطي الخير كله يقول صلى الله عليه وسلم :"الحياء خير كله" رواه مسلم، ويقول أيضاً "الحياء لا يأتي إلا بخير" رواه البخاري، ومن أكتمل في نفسه هذا الخلق السامي فقد أتم الله عليه نعمته وأكمل له دينه

فالحياء من أبرز ما يتميز به الإسلام من الصفات الفاضلة يقول صلى الله عليه وسلم "إن لكل دينا خلقا وخلق الإسلام الحياء" (صححه الألباني)، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الحياء فعن قُرَّة بن إياس رضِي الله عنْه قَالَ:"كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هل الحياء من الدين فقال صلى الله عليه وسلم: بل هو الدين كله" (صححه الألباني).

والحياء خلق أصيل من أخلاق رسولنا الكريم يقول أبو سعيد الخدري : "كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا. [وفي رواية زيادة]: وإذَا كَرِهَ شيئًا عُرِفَ في وجْهِهِ. " . (صحيح البخاري)

إن الحياء هو الحصن المنيع الذي يحمي الأمة أن تنهار مقوماتها ويتصدع بنياتنها وينهد

فهذه فتاة يلوح لها بريق المدنية الخلاب فترى ذلك في الثياب الرقاق والمشية الخليعة والزينة الفاتنة والاختلاط الفاجر لكنها تجد في ذلك ثلماً لشرفها وانتقاصاً لكرامتها فتستحي أن تكون كذلك فتعيش عفيفة مصونة وهذا رجل أمين على مال الدولة قيم على شؤنها يستحي أن يخون الأمة أو يفرط فيما هو مسئول عنه فيؤدي واجبه حفيظاً عليه وفي المجال الدولي إذا أبرمت الدولة معاهدة أو أعلنت مبادئ وشعارات فإنها إذا استحت أن تنقض عهدها أو تتاجر في شعاراتها عاشت في سلام مع غيرها وبذلك يختفي شبح الحروب فيعيش العالم في أمان وأمن لا كما هو الحال عليه الآن في أرجاء الدنيا كلها إلا من عصم ربي، أرأيتم إذا كيف أن الحياء خير كله وأنه لا يأتي إلا بخير والناس تختلف أنصبتهم من الحياء فتتفاوت تبعاً لذلك منازلهم عند الله فمنهم من يستحي من الله ولا يحب أن يراه حيث نهاه وحذره كما يتحرج أن يعيش بين الناس معيباً وهذا هو الحياء في أكمل منازله أما من ترك القبيح حياء من الناس بحيث لو لم يطلع عليه أحد لفعله فهو ذو حياء ناقص ولكنه يحمل في نفسه بقية من خير يرجى أن يرده يوماً إلى صفوف المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم فما دام لا يفعل القبيح بين الناس فإنه يسهل تذكيره بعظمة ربه وجلاله حتى يعلم أن الله أحق أن يخشاه وأما الذي لا يرجوا لله وقاراً ولا يعمل للناس حساباً فقد خلع ربقة الحياء وربقة الدين فهو والعياذ بالله من الهالكين ومن هنا كان فقدان الحياء كارثة خلقيه فادحة وأن المرء حين يفقد حياءه يفقد كل شيء وفي اللحظة التي يتخلى فيها الإنسان عن هذا الخلق الرفيع ينحدر من قمة الكمال الإنساني إلى مهابط الرذيلة فهو لا يزال يهوي من قبيح إلى أقبح ومن رذيلة إلى أرذل حتى يستقر في الدرك الأسفل في المهانة والضياع.

إذا رُزِقَ الفتى وجهًا وَقَاحًا * تقلَّبَ في الأمور كما يَشاءُ

ورُبَّ قبيحةٍ ما حالَ بَيْني * وبينَ رُكوبِها إلا الحيــــاءُ

ومن هنا ندرك سرَّ قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن تجرد عن الحياء "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " رواه البخاري ، فليس المراد أن يأمره حقيقة بأن يفعل ما يريد ولكنه أمر بمعنى التهديد والوعيد وينطوي على الذم والنهي الشديد وهو كقوله تعالى {اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير} (فصلت:40). والمعنى أن المرء إذا لم يستحِ صنع ما شاء فإن المانع له من فعل القبائح هو الحياء وقد زال ومن زال حياؤه تردى في كل فَحْشاء وانغمس في كل منكر.

هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله العالم بما كان وسيكون، أحمده تعالى، لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له { ليجزى الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} (النجم:31) ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خير داع إلى بذل النفع والخير وكف الشر والأذى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا

أما بعد؛

عباد الله: إننا نتعب أنفسنا كثيراً بحثاً عن توفير وسائل السعادة والراحة ونتضايق كثيراً من كثير من الأِشياء التي يتخلق بها بعض الناس وبودنا لو ننفق الغالي والرخيص لإيجاد ما يرضى الله وإزالة ما يغضب الله والصالحين من عباده والأمر سهل وميسر بإذن الله هو أن نتأدب بأدب هذا الدين فهذا الحياء هو الخير كله فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استحيوا من الله حق الحياء قال قلنا يا نبي الله إنا لنستحي والحمد لله قال ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى" صححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الألباني .

ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ولقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحياء ليس كما يفهمه الناس في حدوده الضيقة انكماش وانكسار يعتري الشخص خوفاً مما يخاف عليه ولكنه التقوى في شمولها وعمومها إنه حفظ ما وعاه الرأس من الحواس من بصر وسمع ولسان وما حواه البطن من المطعوم وما يتصل بشهوة الفرج وأن يتذكر أنه ميت ثم يلاقي ربه وذلك يدعوه إلى ترك زينة الدنيا المحرمة كالإسراف والتبذير الذي لا ورائه طائل

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله:{ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"}(الأحزاب:56). وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم من أرادنا أو أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم واكفف عنهم شرارَهم، اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها لنا، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}. (العنكبوت:45)

24 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي