الحسد

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 27 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 1844 القسم: خطب الجمعة

إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلِّ اللهمَّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

" يَاأَيها الذين ءامَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَاته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون " آل عمران:102

" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " النساء:1

" يَا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قَولاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعمالكم وَيَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً " الأحزاب:70

أما بعد

عباد الله: لقد أمر الإسلامُ أهلَه بكل ما فيه خير وبر ونفع وإسعاد، ونهاهم عن كل ما فيه شر وإثم وضرر وفساد.

أمرهم بمكارم الأخلاق وأفاضل الأمور ونهاهم عن سيئها ورذائلها وهناك خصلة شيطانية ذميمة وخلة يهودية دنيئة جاء الإسلام بالنهي عنها ألا وهي الحسد يقول تعالى "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيما"النساء:54 ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه "لا تحاسدوا "رواه مسلم.أي لا يحسد بعضكم بعضا

والحسد المذموم الذي جاءت الأدلة بذمه والنهي عنه هو تمني زوال ما أنعم الله به على عبد من نعمة دين أو دنيا ويشتد إثم ذلك ويعظم شره إذا سعى الحاسد في زوال النعمة عن المحسود بقول أو فعل بقول كالكذب والتأليب عليه أو بفعل كمعاكسة في الأمور وإظهار أخطائه وسيئاته على وجه التنقص والهدم لا على وجه الإصلاح والبناء

ولا غرو أن ينهى الإسلام عن الحسد أول ذنب عصي الله به وأول عامل ضلال الإنسانية وشقائها فقد حسد إبليس لعنه الله آدم عليه السلام لما رأى آدم فاق على الملائكة بأن الله خلقه بيده وأسجد له ملائكته وأسكنه بجواره وعلمه أسماء كل شيء ومنعه حسده أن يسجد لآدم فامتنع فحقت عليه وعلى من تبعه اللعنة تترى إلى يوم القيامة.

فاتقوا الله معشرَ المسلمين وتجنبوا الحسدَ، فإنه لَوَخِيمُ العاقبة، شديدُ النكاية، يحرق القلوب ،ويولد فيها الشحناء والعداوة والبغضاء.

ما وُجِدَ في أمة إلا وأوردها أشر موارد العطب وأصدرها أفظع مصادر الهلاك ما وجد في أمة إلا وأذهب ريحها وفرقها شيعاً

ما وجد في أمة إلا وأعمى قلوبها عن فهم الحق وأصم آذانها عن سماعه وأخرس ألسنتها عن النطق به

ولا عجب أيها الإخوة فقد دفع بإبليس إلى أن يزين لآدم ولزوجه في الأكل مما نهيا عنه ولا زال بهما حتى أوقعهما في المعصية دفع بأحد ابني آدم هابيل لما أن قرب هو وأخوه قابيل قرباناً فتقبل قربان قابيل لتقواه ولم يتقبل قربان هابيل إلى أن يقتل أخاه حسداً وظلماً فجر عليه حسده الإثم العظيم إلى يوم القيامة فقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تقتل نفس إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها"رواه البخاري. لأنه أول من سن القتل.

دفع بإخوة يوسف إلى أن يعقوا أباً ويقطعوا رحماً بإلقائهم أخاهم يوسف في البئر حسداً وظلماً،قال تعالى "إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة".يوسف:8

دفع بكثير من أهل الكتاب الذين يعرفون نبوة محمد وصفته في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم إلى أن يجحدوا نبوته حسداً للعرب،فقال تعالى "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق".البقرة:109.

دفع كفار قريش إلى حسد بني هاشم لما بعث منهم محمد صلى الله عليه وسلم فقال قائل من قريش وهو الأخنس بن شريق كنا نتسابق وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا فرسي رهان قالو منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذا، ويقول أبو جهل لعنه الله: إني لأعلم أن محمداً صادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذ يبقى لسائر قريش وصدق الله العظيم "فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ "(الأنعام 33). وهكذا كان مبلغ الحسد بأهله وهكذا كانت آثاره على أهله وكيف لا يكون كذلك وهو اعتراض على الله في حكمه وقضائه وعطائه ومنعه.

فاتقوا الله عباد الله وجانبوا الحسد وعالجوه إذا وقع بقلب أحدكم بذكر فضائل ومحاسن المحسود وبذلك تسلمون من أخطاره وأضراره فإنه والله شقاء في الدنيا وحسرة وندامة في الآخرة.

هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله العالمِ بما كان وسيكون، أحمده تعالى لا يًسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له "ليجزي الذين اساؤوا بما عملوا والذين احسنوا بالحسنى"النجم:31. وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خير داع إلى بذل النفع والخير وكفِّ الشر والأذى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعدُ؛

عبادَ الله: اتقوا الله واجتنبوا الحسدَ فكفى بالحقد ذمَّاً أن يكون الحسدُ ثمرةً من ثمراته.

والغالب أن الحسد يكون بين النظراء والزملاء وأرباب الصناعات والمراتب والمناصب الحكومية، فالتاجر يحسد التاجر والصانع يحسد الصانع والنجار يحسد النجار والفلاح يحسد الفلاح وأرباب الجاه يحسدون أرباب الجاه وذوو المناصب الحكومية يحسد بعضهم بعضا، ومن الأمثال المتداولة: عدوُّ المرءِ مَنْ يعمل عملَه.

وللحسد أعاذنا الله وجميع المسلمين منه مراتب:

أحدهما: أن يتمنى زوال النعمة عن الغير ويعمل ويسعى في الوسائل المحرمة الظالمة ويسعى في إساءته بكل ما يستطيع وهذا في غاية الخبث والخساسة والنذالة وهذه الحالة هي الغالبة في الحساد خصوصاً المتزاحمين في صفة واحدة

الحالة الثانية: أن يتمنى زوال النعمة ويحب ذلك وهذا أيضاً في غاية الخبث ولكنها دون الأولى لأنه لا يسعى لزوالها

الحالة الثالثة: أن يجد من نفسه الرغبة في زوال النعمة عن المحسود سواء انتقلت إليه أو إلى غيره ولكنه في جهاد مع نفسه وكفها عن ما يؤذي خوفاً من الله وكراهية في ظلم عباد الله

ومن يفعل هذا يكون قد دفع عن نفسه العقوبة الأخروية ولكن ينبغي له أن يعالج نفسه من هذا الوباء حتى يبرأ منه

الحالة الرابعة: أن يتمنى زوال النعمة عن الغير بغضاً لذلك الشخص لسبب شرعي كأن يكون ظالماً يستعين على مظالمه بهذه النعمة فيتمنى زوالها ليريح الناس من شره فهذا لا يسمى حسداً مذموماً ولكنه في هذه الحالة يكون ممدوحاً

الحالة الخامسة: أن يحب ويتمنى لنفسه مثلما لغيره ولا يحب زوالها عن صاحبها فهذا لا بأس به إن كانت من النعم الدنيوية كالمال المباح والجاه المباح وإن كانت من النعم الدينية كالعلم الشرعي كان محموداً

عباد الله: ذكر العلماء للحسد دواء وهو أن تعرف أن ضرره عليك في الدين والدنيا ولا ضرر به على المحسود لا في الدنيا ولا في الدين بل ينتفع به فيهما جميعاً أما ضرره في الدين عليك فلأنه سخط لقضاء الله وكراهة لنعمته على عبده المؤمن وأما ضرره في الدنيا عليك فهو الألم المتقد الحاضر والعذاب الدائم وأما كونه لا ضرر على المحسود فواضح أن النعمة لا تزول بالحسد

فإذا علم الحاسد بهذا فعليه أن يكلف لسانه بالثناء من غير كذب على محسوده ويلزم نفسه ببره إن قدر عليه فهذا يطيب قلب الحاسد والمحسود

فعلى اللبيب أن يتجنب الحسد فإنه صفة الجهلاء فعزيز النفس إن أبصر غيره في أمر يثني عليه به أو رآه في منزلة يغبط عليها فلا يجول في ذهنه أن يحسده على نعمته أو يحط من منزلته بل يسعى كل السعي لينال مثل مناله ويرقى مثل رقيه لعلمه أن الحسد دليل ضعف الإيمان

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، واجمع شمل المسلمين اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ولي على المسلمين خيارهم وكُفَّ عنهم شرارَهم، اللهم اغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين، اللهم لا تدع لنا في هذا المقام ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك .

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45

25 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 6 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي